الأحد 2021/05/30

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

"فريندز" يعودون إلى شقتهم وكنبتهم: كل هذا العناق..والدموع والتمثيل

الأحد 2021/05/30
"فريندز" يعودون إلى شقتهم وكنبتهم: كل هذا العناق..والدموع والتمثيل
increase حجم الخط decrease
عناق. عناق ثانٍ، فثالث، فمزيد من العناق، ودموع التأثر، والضحك، والحنين.

الحلقة الطويلة من "فريندز" التي أطلقتها شبكة "HBO" قبل أيام، لم تحد عن جوهر مسلسل السيتكوم الأيقوني (1994-2004). المسلسل قام حينها على شباب نجومه الستة وقدراتهم الكوميدية، وعلى العناق الدائم سواء في نهاية سوء تفاهم أو حين وقوعهم في غرام بعضهم البعض، أو حين غادروا الشقة إياها، وانتهى التصوير.

لم تكن حلقة أخرى عاد فيها الممثلون إلى أدوارهم وأسمائهم التي نعرفها أكثر من أسمائهم الحقيقية: رايتشل ومونيكا وفيبي وتشاندلر وجوي وروس. كانت بمثابة تكريم للممثلين الستة الذين عادوا إلى الشقتين المتقابلتين، كما هما في الاستديو، مسرحاً لـ236 حلقة لم تنقطع إعاداتها يوماً عن شاشات التلفزيون الأميركية والعالمية، ووجدت حياة جديدة مع بث الستريمينغ وهي الآن تتنقل بينها، كدجاجة ستظل تبيض ذهباً إلى أجَلٍ غير مسمى، كمطبعة دولارات لا يجف حبرها.. كتشبيهات من هذا القبيل.

جاؤوا إلى الحلقة بأسمائهم الأصلية، وجلسوا على الكنبة البرتقالية أمام النافورة يتلقون مديح المُحاور، وتصفيق الجمهور، ومرور مشاهير من وزن جاستن بيبر أمامهم يرتدون أزياء غريبة ارتدوها سابقاً في المسلسل. إلا أننا لم نعرف من هم هؤلاء حقاً.. نجوم "فريندز"، أم شخصياته تؤدي عرضاً أخيراً وداعياً سخت كثيراً "HBO" في سبيل إنتاجه، وتأخر 17 سنة.

بالخلاصات الوردية نفسها التي انتهى بها المسلسل، بدأت وانتهت حلقة الرييونيون (المعذرة عن القصور في إيجاد مرادف عربي دقيق يفيد المعنى، غير "لمّ الشمل" الثقيل نوعاً ما). فائض من النوستالجيا، ومحاولات جينفير أنستون الخمسينية، المستميتة لاستنساخ انفعالات العشرينية التي كانتها في المسلسل. كذلك ديفيد شويمر (روس)، وليزا كودرو (فيبي). الحلقة التي شارك المملثون الستة في انتاجها، ونال كل منهم 2,5 مليون دولار عنها، بدت مكتوبة من الألف إلى الياء. لا شيء عفوياً في العمل الممسرح، والأهم، لا شيء مما لا يعرفه عاشقو السيتكوم مما لا يحصى من كتب ومقالات كتبت عنه.

الخلاصة اليتيمة التي نخرج بها هي أنهم كانوا بمثابة عائلة واحدة، "فريندز" بكل ما للكلمة من معنى. لا بأس أن نغض النظر عن أن هؤلاء المرحين الستة على الشاشة، كانوا خلفها ممثلين محترفين حين صاروا نجوماً تحول كل منهم إلى مؤسسة صغيرة يديرها أناس يفاوضون المنتجين في الحوار، وعدالة الحبكة وتوزيعها بين الممثلين، والأجر بطبيعة الحال، والذي وصل إلى أرقام فلكية لكل واحد منهم.

لا شيء عن المنافسة الخفية بينهم على النجومية والتي كانت تصل إلى حد الأزياء. لا شيء عن سجن الشخصيات الذي لم يستطع خمسة منهم النجاة منه، فذهبوا إلى ما يشبه التقاعد المبكر. جينفر أنستون استطاعت النجاة. مات لبلانك، بطل سيتكوم متوسطة النجاح الآن، وكان بطل سيتكوم إنجليزي أميركي ممتاز بعنوان "episodes"، حيث لعب شخصيته الحقيقية التي تريد كاتبة انجليزية وزوجها أن يسندا إليه دور بطولة سيتكوم يعدان له. الأربعة الباقون انتهوا لحظة إغلاق باب الشقة على المشهد الأخير.



أي إحباط لمثل هذا التقاعد في ذروة النجاح، لأن "فريندز" بلغ سن الموت الرحيم، بالنسبة إلى السيتكوم الأميركي، والذي يجب أن يقتل تماماً لحظة يصل إلى القمة، كي يتحول إلى عمل كلاسيكي خالد، وكي يضمن خلوده في الإعادات؟ أي نصائح لنجوم التلفزيون الحاليين عما يجب أن يفعلوه أو لا يفعلوه بعد بضع سنوات، حين ترميهم آلة الانتاج الأميركية الطاحنة على رصيف المشاهير الذين لا يجدون دوراً جديداً في مسلسل؟ كيف تنظر وجوههم المُجمّلة بشكل نافر الآن، إلى وجوههم السابقة؟

لا مكان لمثل هذه الدراما الآن في حلقة وردية لم تحد قيد أنملة عن بهرجة الـ"شو" الأميركي كما يفترض به أن يكون: عناق، ثم عناق ثانٍ، فثالث، فدموع.. فتنشيط لآلة طبع الدولارات العظيمة، والعواطف التي، إن لم تكن مزيفة تماماً، فهي على الأقل ممسرحة كما ينبغي لها أن تكون.

ليس المقصود هنا إحباط جمهور "فريندز" طبعاً، ولا حنينه، ولا عشقه الأبدي الأزلي للمسلسل وشخصياته. فالمسلسل نفسه محفوظ في كبسولة زمنية، كما هو، ناجحاً بما لا يقاس، وخالد في ثقافة "البوب"، خارج النقد وخارج المقارنة بالمسلسلات الكوميدية التي عاصرته أو التي استنسخت بشكل أو بآخر حبكته ومزيج شخصياته، أو تخطته بمراحل وصعدت في النوع برمته درجات أعلى بما لا يقارن (Fleabag البريطاني مثالاً يُحتذى).

ربما سيجد محبّو "فريندز" في الحلقة الخاصة، ما يرضي هيامهم بالشخصيات الستة والمشاهد والحلقات المتميزة التي لا تنسى. لكن هذا لن يجعل من "لمّ الشمل" حدثاً استثنائياً. ورغم ذلك، فالحلقة لن تجعلهم، إذا لم يحبوها، يتخلون عن إدمانهم "فريندز". كله، في نهاية الأمر، تسلية بتسلية، وعلى الطريقة الأميركية التي لا أحد يستطيع منافسها في الخفة حين تتقصدها.

وهذا كله، في نهاية النهار، يصب في تنشيط التسلية والحنين، وتحفيز خصوبة الدجاجة التي تبيض ذهباً، وحبر المطبعة التي تطبع الدولارات. فلا بأس بالكثير من العناق ودموع التأثر، في شقة نحفظ تفاصيلها أكثر مما نحفظ تفاصيل شققنا.

ملاحظة لا بد منها لأسباب الموضوعية والشفافية والمهنية: كاتب السطور أعلاه من حزب "ساينفيلد"، وهو يؤمن، كما رفيقاته ورفاقه الساينفيلديين في الحزب، أن "فريندز" لم يكن إلا نسخة أكثر شباباً وجمالاً من "ساينفيلد"، كما قال صنّاع المسلسل أنفسهم، مع الكثير من العواطف والدموع والعناقات وقصص الحب التي كان منعها من الوصايا العشرة المؤسِّسة لـ"ساينفيلد". "وكلنا يعلم" أن "ساينفيلد" العظيم بين الأمم، لا يقارن بـ"فريندز" العادي في أحسن أحواله.

لا بأس من تنمّر أخير على عشاق "فريندز"، الذين وصلوا إلى ختام هذا المقال: كاتبه يجزم بأن "فريندز" هو "ساينفيلد" حين تطلبه من "علي إكسبرس".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها