الأحد 2021/05/30

آخر تحديث: 18:18 (بيروت)

القيادة الحكيمة تلقّن السوريين طريقة التفكير الصحيح!

الأحد 2021/05/30
القيادة الحكيمة تلقّن السوريين طريقة التفكير الصحيح!
increase حجم الخط decrease

"لماذا نحتاج القيادة الحكيمة؟" هو العنوان الذي كان يجب على الإعلامية الموالية للنظام السوري رؤى جبر قاسم اختياره لبرنامجها الجديد الذي تقدمه في "فايسبوك" بشكل حلقات تحمل اسم "رؤى Show" ويشكل آخر الإضافات لخلق محتوى موالياً لنظام الأسد في منصات السوشال ميديا التي تحظى باهتمام رسمي متصاعد مؤخراً.

والبرنامج في العموم عبارة عن مقاطع فيديو قصيرة بحدود ثلاث دقائق فقط، ولا يمتلك هيكلية محددة سوى الثرثرة التي تقدمها جبر قاسم بتلك النبرة الفوقية المميزة في الإعلام السوري الرسمي أو ذلك المنتمي لمحور الممانعة عموماً. وينطلق من فرضية أن الإعلامية الحاذقة تمتلك حيزاً من المعرفة الواسعة لا يمتلكه الجمهور الجاهل الذي يجب تنويره، شاء أم أبى، عبر تلقينه طريقة التفكير الصحيح. ويخالف بذلك البرنامج النمط العالمي السائد حول فكرة الـ"Hot Takes" التي يدعي البرنامج محاكاتها محلياً.

وتقوم البرامج ومقاطع الفيديو المندرجة تحت هذا النمط، في "يوتيوب" تحديداً، على تقديم أفكار مخالفة للسائد العام وتحديداً تلك الأفكار السائدة في وسائل الإعلام الكبرى. وتشكل بالتالي منصة للأفراد للتعبير عن أرائهم التي تتعلق بالسياسة والاقتصاد والترفيه وألعاب الفيديو. ويتم الحديث فيها بجدية مفرطة عادة بعيداً عن السخرية التي يمكن تمييزها في أسلوب "ستاند أب كوميدي" الذي شكل نمطاً سائداً للمحاولات العربية لتقديم المحتوى السياسي بعد نجاح تجارب مثل "جو شو" أو "نور خانوم".

لكن "رؤى شو" ليس سوى تكرار ممل لعبارات خشبية يحفظها السوريون وتكررها البرامج على الشاشات الرسمية والإعلاميون الأسديون في صفحاتهم الشخصية عبر مواقع التواصل، منذ سنوات، لإيصال رسالة وحيدة تفيد بأن السوريين الذين يرفعون صوتهم للحديث عن المشاكل الاقتصادية المتراكمة في البلاد هم في الواقع سبب مشاكلهم الخاصة، لكونهم كسالى وعديمي الطموح وقليلي الأخلاق، ويستحقون بالتالي الواقع المزري السائد الذي، بالطبع، لا تتحمل "الدولة السورية" مسؤوليته، فيما تبدو ملابس المذيعة المستوحاة من الزي العسكري التقليدي، كرسالة تهديد لأولئك السوريين المساكين الذين قد تشكل مواقع التواصل "فشة خلق" بسيطة لهم وسط تراكم الضغوط عليهم من كل اتجاه.

ولعل المشكلة الأساسية في البرنامج أنه يلقي باللوم، في الكثير من قضايا الشأن العام، على الشعب السوري نفسه، من موالين ومعارضين على حد سواء، بدلاً من لوم مرافق للدولة السورية المهترئة والضعيفة، رغم كل ما يعانيه السوريون، داخل سوريا وخارجها، من ضغوط اقتصادية وسياسية واجتماعية. كما يحول كل مشاكل البلاد التي تعوق الإبداع والطموح، إلى مسألة شخصية، بدلاً من كونها قضية عامة تشكل جزءاً من الأسلوب البعثي في حكم البلاد، والقائم منذ عقود على خنق السوريين اقتصادياً ومعيشياً وتعبيرياً، لمنعهم من تحدي السلطات والمطالبة بحقوقهم الطبيعية.

بدا ذلك واضحاً في حلقة بعنوان "شعب بدو السمكة وما بدو يتعلم كيف يصيد" التي انتشرت بشكل كثيف في الصفحات الموالية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي. وتجاوزت فيها جبر قاسم، حدود الوقاحة الرسمية، نحو القول أنه لا وجود للفقر في سوريا، بشكل يذكّر بما نشرته الناشطة الموالية غالية الطباع، العام الماضي، عندما سخرت في مقطع فيديو من الفقراء في البلاد فقط على اعتبار "أن الفقراء لا يتواجدون في الشوارع، يل يخفون فقرهم في بيوتهم ولا يجاهرون به، وأن مشاهد الفقر المنتشرة تأتي من طرف أغنياء يتصنعون الفقر من أجل الحصول على إحسان بقية السوريين لتحصيل مزيد من الثروة".

ورغم أن مسؤولي النظام يصفون المشهد الاقتصادي الحالي بالوهمي مثل المستشارة الرئاسية بثينة شعبان التي قالت العام الماضي أن الاقتصاد السوري أفضل بـ50 مرة مما كان عليه العام 2011، فإن تلك التصريحات تهاجم عادة المؤامرة الكونية وتلقي بالتهم على السوريين في الخارج، بعكس جبر قاسم التي تهاجم الانتقادات التي يوجهها السوريون في الداخل لـ"القيادة الحكيمة" من منطلق ملاحظة وجود السوريين في المقاهي والشوارع كل يوم على مدار الساعة معتبرة أن ذلك هو إنفاق لدخلهم "بلا طعمة"، ويصبح السوريون كلهم بالتالي عالة على من حولهم. والأكثر من ذلك أنهم يصبحون ناكرين للجميل لمجرد مطالبتهم الدولة بممارسة واجباتها الأساسية.

ويتم ربط ذلك المنطق الأعوج بالمعارضين السوريين في حلقات أخرى تظهر براءة الدولة السورية المزعومة من التردي الاقتصادي عبر ردها للثورة السورية. ففي حلقة حملت عنوان "الاحتلال الإيراني لسوريا" تشير الحلقة للمصطلح السابق السائد في وسائل الإعلام المعارضة، من أجل الحديث عن استهداف فصائل المعارضة للمعامل السورية ما تسبب في انهيار الاقتصاد، لتصبح إيران بالتالي منقذة للسوريين لا سبباً في مشاكلهم.

والحال أن لوم السوريين على كل ما يحصل في سوريا من انهيار، على كافة المستويات، ليس جديداً، فإعلام النظام الرسمي وشبه الرسمي، اعتمد ذلك الطرح حتى في فترة ما قبل الثورة السورية العام 2011، بتعويم أفكار سامة مفادها أن الشعب السوري غير واعٍ ويحتاج إلى القيادة الحكيمة التي توصله إلى بر الأمان، ما يستوجب الطاعة التامة، وتكرر ذلك بعد الثورة بكثافة، ويمكن تلمسه مثلاً في برامج مثل "قولاً واحداً" الذي قدمته قناة "سما" شبه الرسمية العام 2015، أو برنامج "منقدر" الذي تعرضه قناة "لنا" الموالية منذ مطلع العام الجاري وحتى في الدراما السورية في مسلسلات مثل "الندم" للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج الليث حجو، العام 2016، وحتى في قضية انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، العام 2020.

على أن نبرة البرنامج تبدو تشاؤمية قليلاً في ما يخص تغير ذلك الوضع الاقتصادي بسبب عدم وعي السوريين. ويشكل ذلك تبريراً استباقياً لعدم تحول واقع البلاد بلمسة سحرية إلى الأفضل فور الانتهاء من الانتخابات الرئاسية التي رفع فيها رئيس النظام بشار الأسد شعارات اقتصادية في حملته الانتخابية تحت شعار "الأمل بالعمل"، فيما كان الإعلام الموالي له يحشد للتغيير الاقتصادي المتوقع في الولاية الجديدة للأسد، وهو ما لن يحصل من دون إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة لا يستطيع النظام توفيرها ولا يرغب بذلك أصلاً طالما أن النظام والميليشيات ورجال الأعمال المرتبطين به يستفيدون من الوضع الراهن.

جدير بالتذكير هنا أن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 80% من السوريين في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، بينما يستمر عجز النظام عن تأمين الخدمات الأساسية من المحروقات إلى الكهرباء والمواد الغذائية، ويتم إلقاء اللوم في ذلك كله في الخطاب الدبلوماسي على العقوبات الغربية، رغم أن المتسبب بها هو النظام السوري وسيطرة المليشيات على الاقتصاد المتهالك في البلاد، بينما يميل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لتحميل المواطن السوري جزءاً من ذلك العبء أيضاً في مجمل الرد على الانتقادات في مواقع التواصل، إلى جانب سجن أصحابها بالطبع.

وبحسب تقارير ذات صلة، فإن هنالك عدداً من الوجوه الجديدة التي باتت تملك الثروة في سوريا، وتقدم الدعم المالي للنظام، وتسهم في بقائه في الحكم بأساليب أسهمت في انهيار ما تبقى من اقتصاد البلاد، فيما تركت الحرب في البلاد الناس منقسمين بين أغنياء أو فقراء، وبات الأغنياء قلة تتربح من الحرب، وتدير اقتصاده الذي لم يعد سوى هيكلٍ عظميٍ عما كان قبل الحرب، بموازاة تمزق النسيج الاجتماعي أيضاً. وفي مثل هذه الظروف فإن الفقير يزداد فقراً ويزداد الغني غنى، وكان بالإمكان ملاحظة طوابير الناس في دمشق ومدن أخرى منذ أعوام للحصول على زيت الطعام والخبز، وسط انقطاع مستمر للتيار الكهربائي.

ويعني ذلك أن الحرب قضت على الطبقة المتوسطة، وتوسعت الثغرة القائمة أصلاً، بين الفقير والغني داخل سوريا. وتراجعت ميزانية سوريا من 60 مليار دولار قبل الحرب إلى 15 ملياراً العام 2016، كما أن الحرب والتجنيد واللجوء والموت شكلت عوامل قضت على القوة العاملة، ما أجبر الشركات على البحث عن عمالة، في الوقت الذي يواجه فيه أصحاب الأعمال مشكلات في انقطاع الطاقة، ومحاولات الدولة والميلشيات النافذة الحصول على أموال منها، كما أن التجارة الدولية توقفت بسبب العقوبات على النظام، فيما فاقم الفساد من الأزمة، حيث تصنف منظمة الشفافية العالمية، سوريا كثاني دولة فاسدة في العالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها