غادر سمير صفير إلى السعودية، حاملاً فكراً عونياً راسخاً لا يزحزحه أحد، مستعملاً موقعه الفني لنشر فكره السياسي والهجوم على خصومه. وعلى الطريقة اللبنانية، أن تكون مدعوماً، يعني أن تكون فوق المحاسبة، وقام صفير باتخاذ مواقف سياسية حادة مهاجماً المملكة العربية السعودية ما تسبب بتوفيقه هناك منذ شهر ونصف كما صرح غداة وصوله إلى مطار بيروت.
وجد العونيون في اعتقال صفير، مواد أولية دسمة لتحقيق إنجاز سيضيفه، بلا شك، رئيس الجمهورية إلى مجموع إنجازات سيتلوها على مسامع اللبنانيين عند مغادرته قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته. الرجل عوني، احتجزته دولة مكروهة من العونيين ويعتبرونها على خصومة معهم. ليس مثل المصور سمير كساب المحتجز في سوريا منذ سنوات. ليس واحداً من جنود الجيش اللبناني المختطفين في سوريا منذ الحرب الأهلية، والذين فرضت المصالح السياسية مع سوريا نسيانهم. سمير صفير ملحّن عَوني في السعودية.
استعد العونيون لاستقبال سمير صفير، ولأجله جهزوا صالون الشرف في مطار بيروت، تحضروا لاستقباله كبطل حرب، كمعتقل في السجون الاسرائيلية بعد عملية بطولية، كرئيس دولة،... هذا هو حجم الإنجاز بالنسبة إليهم، وما انتظروه منه. إنتظروا أن يقف، بعدما أصبح حليق الرأس في السجن، وأن يخبرهم عن الظلم الذي حل به في غياهب السجون السعودية، عن أدوات التعذيب ربما، عن غياب حقوق الإنسان، عن مغامرات لبناني في بلاد "البدو"، إلا أنه خيب أملهم.
اعتذر سمير صفير عما بدر منه من تصريحات مسيئة للسعودية، أدرك بعد اعتقاله أن اللعبة السياسية أكبر منه، وأنه ينتمي إلى دولة ضعيفة غير قادرة على حمايته، وأن لبنان لا خبز له في ملعب دول كدول الخليج وإيران وتركيا وغيرها، خصوصاً إذا أراد كملحّن الحفاظ على مصالحه بعد الانهيار اللبناني... وذلك من دون أن نتحدث عن ماهية آرائه وتصنيفها الأخلاقي والثقافي.
في مطار بيروت، لم يجد سمير صفير في استقباله أحداً من الفنانين، ما عدا الشاعر نزار فرنسيس. وفي ذلك رسالة واضحة، أنه الآن بات موجوداً في اللائحة السوداء لدول الخليج، وبالتالي فإن أي فنان لبناني لن يجرؤ على العمل معه مخافة تضرر مصالحه. حتى مجرد استقباله في المطار قد يكون مخاطرة لا تحمد عقباها. يدرك سمير صفير ذلك جيداً، وبدأ منذ لحظة وصوله، إعادة التموضع وتقديم فروض الطاعة ومحاولة تبييض صفحته معلناً ابتعاده عن السياسة والسياسيين، معتذراً لإليسا ونجوى كروم ونانسي عجرم، شاكراً المملكة العربية السعودية على توعيته.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها