السبت 2021/04/03

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

أول مقابلة للجولاني مع الإعلام الأميركي:نرفض الهجمات على الغرب

السبت 2021/04/03
أول مقابلة للجولاني مع الإعلام الأميركي:نرفض الهجمات على الغرب
increase حجم الخط decrease
نشرت شبكة "PBS" الأميركية أجزاء من أول مقابلة إعلامية لزعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، مع وسيلة إعلام أميركية، حاول فيها تلميع صورة "الهيئة" التي فكت ارتباطها العام 2016 بتنظيم "القاعدة" من دون تغيير يذكر في نهجها الجهادي المتزمت.

وأجرى الصحافي المخضرم مارتن سميث، اللقاء مع الجولاني لصالح برنامج "فرونت لاين" الوثائقي الشهير، في شباط/فبراير الماضي. وحينها نشر سميث عبر حسابه في "تويتر" صورة جمعته بالجولاني الذي ارتدى بزة رسمية لأول مرة متخلياً عن المظهر الديني أو العسكري اللذين التزم بهما حتى ذلك التاريخ، في محاولة مكشوفة للتقرب من الغرب وتقديم نفسه كشخصية متحضرة يمكن التعامل معها.

وطوال المقابلة التي نشرت، الجمعة، كان الجولاني يكرر في إجاباته نقطة واحدة هي أن الهيئة حتى عندما كانت جزءاً من تنظيم "القاعدة" بين العامين 2011 و2016 لم تكن تؤيد أو تريد شن هجمات على الدول الغربية. وقال: "كنا ننتقد بعض السياسات الغربية في المنطقة، أما أن نشن هجمات ضد الدول الغربية، فلا نريد ذلك"، مضيفاً أن الهيئة "لا تشكل أي تهديد أمني او اقتصادي، للولايات المتحدة والدول الغربية، ويجب على هذه الدول مراجعة سياستها اتجاهنا".

والحال أنه على مدى أكثر من عقدين من الزمن، كانت حياة الجولاني مثالاً نموذجياً لمعنى التشدد الإسلامي الذي انتشر في العراق وسوريا. حيث انضم للقتال ضد القوات الأميركية في العراق وسجنه الأميركيون ليصبح قائداً داخل الجماعة المعروفة باسم "الدولة الإسلامية في العراق" الذي يعتبر الجذر الذي نشأ منه تنظيم "داعش" لاحقاً. وبعد انطلاقة الثورة السورية أسس الجولاني تنظيم "النصرة" التابع لتنظيم "القاعدة" قبل أن ينفصل عنها، ويسيطر اليوم على مناطق واسعة شمال غربي سوريا.

وبالطبع فإن الجولاني الذي صنفته الولايات المتحدة كإرهابي العام 2013 وعرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله، ألقى بتهمة الإرهاب على النظام السوري، وذلك صحيح طبعاً، لكنه مجتزاً. فكون التنظيم الجهادي الخاص به لا يرغب فرضاً بشن هجمات على الدول الغربية على غرار "داعش"، وهو زعم لا يمكن التأكد من صحته تماماً، فإن ذلك لا يعني أن السوريين يجب أن يعيشوا تحت حكم جهادي متزمت، وهم الذين طالبوا بالحرية والديموقراطية والدولة المدنية قبل عشر سنوات.

وردّاً على سؤال جوهري "لماذا يجب أن يعتبره الناس قائداً في سوريا رغم أنه مصنف كإرهابي من الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى؟"، قال الجولاني أن التصنيف جائر ومسيّس، وأنه لا يتصرف كقائد بل كجزء من الثورة السورية، حسب تعبيره.

ولا بد من التذكير هنا بأن "هيئة تحرير الشام" ضيقت بشكل كبير على المواطنين الصحافيين في مناطق سيطرتها، وقتلت واغتالت كل من شعرت أنه يشكل تهديداً لفكرها ونهجها المتطرف، بما في ذلك الناشط البارز رائد الفارس. وسجلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقال "الهيئة" العشرات من المواطنين الصحافيين على خلفيات منشورات لهم تعارض سياستها، أو على خلفية مزاولة نشاطهم من دون الحصول على "إذن". كما سجلت إصابة عشرات منهم برصاص قواتها بينما كانوا يعملون على تغطية إعلامية لاحتجاجات مناهضة لها، ما تسبب في الآونة الأخيرة في اعتزال أو نزوح عدد كبير منهم.

ورغم أن معظم الانتهاكات التي حدثت في سوريا، ترجع إلى ممارسات النظام السوري، الذي يتحمل مسؤولية قتل 85% من الصحافيين القتلى في البلاد منذ العام 2011، إلا أن "الهيئة" لا تستطيع التشدق بأنها حامية لقيم الثورة التي طالبت بالحرية والديموقراطية، خصوصاً أنها قمعت أيضاً المدنيين الذين خروجوا مراراً للتظاهر ضد "الهيئة"، كما أنها ضيقت على الصحافيين الأجانب في محافظة إدلب. ومن القرارات الأخيرة التي أصدرتها الهيئة عبر جناحها الإداري "حكومة الإنقاذ"، تقييد عمل مراسلي وكالة "فرانس برس" والمتعاونين معها، بالإضافة إلى منع الإعلاميين من العمل مع قناة "الآن" ووكالة "ستيب" الإخبارية، المعارضتين للنظام السوري، في أيلول/سبتمبر الماضي.

واستمرت أكاذيب الجولاني عند سؤال سميث عن الاعتقالات التعسفية وقمع حرية التعبير في مناطق سيطرة الهيئة. حيث اعتبر أن كل من اعتقلته الهيئة في السابق كان "عميلاً للنظام السوري، أو عملاء روس يأتون لوضع مفخخات أو أعضاء في تنظيم داعش". ووصف الاعتقالات بأنها تستهدف لصوصاً ومبتزين، رافضاً الحديث عن أن الهيئة تلاحق منتقديها. وزعم أيضاً عدم وجود تعذيب في سجون الهيئة رغم الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها في العامين الماضيين على الأقل، وتظهر التعذيب الذي طاول مدنيين وناشطين وحتى مقاتلين في فصائل أخرى تصنف على أنها معتدلة.

وقالت الباحثة في الشؤون السورية بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ضمن تقرير سميث: "وثقنا حالات وصف فيها الناس بالتفصيل تعذيبهم، إذا شاركوا آثار للتعذيب خلال اعتقالهم بإدلب"، لكن الجولاني قال أنه سيمنح منظمات حقوق الإنسان الدولية حق الوصول إلى السجون. وأضاف: "يمكن لمنظمات حقوق الإنسان أن تأتي وتتفقد السجون أو تنفذ جولة، مؤسساتنا مفتوحة لأي شخص، المنظمات مرحب بها، أو يمكن للأشخاص المهتمين بهذا الأمر زيارة وتقييم الموقف: هل تتم الأمور بشكل صحيح أم لا".

وعلقت كيالي: "سيكون ذلك جيداً للغاية، إذا كانوا قادرين على توفير الوصول إلى أماكن الاحتجاز المعلنة وغير المعلنة"، مشيرة إلى أن الجماعات الحقوقية سمعت وعوداً كهذه من آخرين من قبل، من دون أي متابعة.

وبحسب دراسة نشرها "مركز عمران للدراسات" في تشرين الأول/أكتوبر 2020، فإن الهيئة تحاول استنساخ نموذج حركة "طالبان" لناحية صراعها كقوة جهادية محليّة مع القاعدة كتنظيم عالمي، وانفتاحها على المفاوضات مع الولايات المتحدة، وفرض نفسها كطرف رئيس ضمن التسوية السياسية في أفغانستان، وذلك بعد تحركات الهيئة ضد أطراف أخرى في شمال غربي سوريا.

وعلى ما يبدو، فإن تصرفات "تحرير الشام" وتصريحات قادتها منذ العام الماضي، تعتبر جزءاً من جهود أوسع لتحويل الحركة إلى "طالبان سوريا" بعد نحو أربع سنوات من فك ارتباط الحركة بتنظيم "القاعدة". ويتضمن ذلك اللقاءات الإعلامية التي أجراها قائد التنظيم "أبو محمد الجولاني" مع صحف أجنبية وجولاته الدعائية في شوارع إدلب.

ورغم ذلك، يبقى تحويل حركات مثل "طالبان" أو "تحرير الشام" إلى شركاء محليين يحاربون الإرهاب المتمثل في "القاعدة" حصراً، طرحاً سوريالياً في أفضل تقدير. وشكك تقرير للأمم المتحدة في حزيران/يونيو الماضي بإمكانية تحقيق مثل هذه الشراكة مع "طالبان" التي تصنف أصلاً كحركة جهادية. والأمر نفسه يمكن سحبه على "هيئة تحرير الشام". وبحسب التقرير نفسه فإنه رغم الخلافات اللوجستية والمرحلية، فإن الجهاد أو الحرب المقدسة والتاريخ المشترك، يلزمان "طالبان" و"القاعدة" ومجموعات متطرفة أخرى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها