لا يُنظر الى الطلب الذي وجهه وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال راوول نعمة الى المحقق العدلي، يلتمس منه الإقرار بانتفاء فرضيات الإرهاب والعمل الحربي في ملف انفجار مرفأ بيروت، على أنه غريب على النظام اللبناني، ولا على أي سياسي في العالم الثالث، سوى من زاوية أنه أخرج ما يجري تحت الطاولة، الى ظهرها، وأعلن ما يفترض القيام به سراً، ضمن التسويات التي تجري في داخله.
فما قام به لجهة توجيه رسالة تكفلت وسائل الاعلام بتسريبها، يعد خرقاً لا تقتصر تداعياته عليه شخصياً، بل تنسحب على منطق التسويات الامنية والقضائية المعمول به في دول كثيرة. وهي خرق للأدبيات والوقائع السياسية.
يمثل كتاب نعمة، دليلاً قاطعاً على تدخله في شؤون القضاء اللبناني، وهو جرم تصل عقوبته إلى ثلاث سنوات حبس، بحسب ما تنص المادة ٤١٩ الجديدة من قانون العقوبات، بحسب ما قال الباحث القانوني نزار صاغية.
لكن في الواقع السياسي، تثبت هذه المراسلة، أن نعمة ليس سياسياً. هو مجرد مصرفي، ورجل مسكون بالاقتصاد وعالم المال، ويعطيه أولوية على أي شأن سياسي آخر. لم تسجل دول العالم حادثة من هذا النوع، يتم التعبير عنها صراحة، مصحوبة بمضبطة اتهام ستقضي على مستقبله السياسي بالكامل.
لا يدرك اللبنانيون عادة ما يجري في الكواليس السياسية والقضائية. ربما تكون هناك آليات سرية لطلبات مشابهة. وربما يتم الاتفاق بين القوى السياسية على تنفيس جزء من الأزمة الاقتصادية، عبر اجبار شركات التأمين على دفع التعويضات للمتضررين.
في التقديرات السياسية، قد يتم ذلك باتصال يجري مع القضاء لاصدار نتائج التحقيقات، مستندة الى نتائج التحقيقات الأجنبية المشاركة بالتحقيق اللبناني. عندها، سيظهر الامر في الاعلام على أنه جزء من مسار قضائي، لا تتدخل فيه السياسة، رغم أن الواقع سيكون عكس ذلك، وهو أمر معمول به في دول لا تحترم كثيراً فصل السلطات، مثل لبنان، ويعاني فيه القضاء من التسييس، بحسب ما يقول سياسيون.
لكن ما قام به نعمة، هو عكس ذلك. فضح الآليات التي يتم عبرها التعامل السياسي مع القضاء والتدخل في شؤونه. هو في الواقع، أخرج آليات الحكم السرية من العتمة الى الضوء. وضعها فوق الطاولة. لم يسبقه عليها في السابق الا النائب جبران باسيل الذي أخرج أسرار النظام من تحت الطاولة الى سطحها، حين فضحه تجاه رؤيته لملف منح الجنسية اللنبانية للمتزوجات من أجنبي، حين حدد الأجنبي بالفلسطيني والسوري، أي المسلم بشكل خاص.
وإذا كان باسيل افتضح السيستم لأسباب متصلة بشعبيته في الوسط المسيحي، فإن نعمة افتضح التدخل بعمل القضاء مجاناً. لم يحتسب الطلب سياسياً. قاربه من زاوية التعويضات والعائدات المالية فقط. يتصرف الوزير على سجيته الاقتصادية. بات، بلا أدنى شك، عبئاً على السيستم. يقول ما لا يجب أن يُقال، ويترك دليلاً يدين النظام بأكمله، ذلك الذي واظب على محو بصماته السياسية بالتدخل بعمل القضاء، ونجح.
أمام هول ما جرى، تبرأت وزارة العدل من نعمة. فقد أوضحت وزيرة العدل في بيان أن الكتاب لم يصلها وأنها غير مسؤولة تاليًا عن مضمونه وأنها لا توافق عليه وان الكتاب لم يصل ابدا إلى الوزارة.
حجم الخط
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها