الجمعة 2021/03/05

آخر تحديث: 20:29 (بيروت)

واشنطن تحمي رياض سلامة.. فتقطع الطريق على عون

الجمعة 2021/03/05
واشنطن تحمي رياض سلامة.. فتقطع الطريق على عون
أقفلت الطريق على فراغ في سدة الحاكمية قد يمتد طوال فترة حكم الرئيس ميشال عون
increase حجم الخط decrease
تحول تقرير "بلومبيرغ" عن عقوبات محتملة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى خبر إعلامي أول في وسائل الاعلام المحلية والعربية، كذلك بات نفي التقرير، الأول في صدارة الاهتمام الإعلامي. فخبر من هذا الحجم، يمثل أكبر إرباك للمشهد الداخلي اللبناني، ويوحي بمتغيرات دولية، لم تتوافر حتى الآن، لا في الولايات المتحدة الأميركية ولا في أي من العواصم التي تبحث معها الملف اللبناني. 
بدا التقرير الذي نشرته "بلومبيرغ" للوهلة الأولى، تضليلاً من المصادر التي تحدثت للوكالة الاخبارية الاقتصادية الأميركية التي تنتهج سياسة صارمة في نشر التقارير، تعتمد على الموثوقية وتعدد المصادر، منعاً لأن تُلزم في وقت لاحق بنشر الردود أو الايضاحات أو النفي. 

كانت الوكالة حاسمة لجهة "المعلومات المؤكدة" التي نشرتها نقلاً عن أربعة مصادر، وتبين منذ صباح الجمعة أنها غير دقيقة. وتوسع النفي بعد الظهر الى الاعلام على لسان المتحدث باسم السفارة الاميركية في بيروت كايسي بونفيلد، ويتضمن نفياً للتقرير، وهو ما أزال الضغط  الذي تسبب به نشر الخبر على الحاكمية، فتمت المعالجة اعلامياً (بناء على نصائح فريق في الحاكمية) تماماً كما هو أمر انتشار الخبر. 

وفتح التسريب ونفيه، شهية كثيرين على التقدير بخلفياته، وهذا ما انتشر في السوشال ميديا والإعلام. منهم من اعتبر الأمر "جسّ نبض" لاستدراج تسوية داخلية تقوم على اقالة أو استقالة حاكم مصرف لبنان، فيكون بمثابة "أضحية" لأزمة مالية وسياسية تتفاقم، فيتم إثره امتصاص الغضب الشعبي المتنامي على ضوء التدهور المعيشي والانغلاق السياسي. 

يستند هؤلاء الى الصمت السياسي عن التقرير، وهو صمت ممتد من استدعاء سلامة للتحقيق أمام القضاء السويسري في تهم متعلقة بتحويلات مالية. ساهم هذا الصمت في تعزيز التقديرات بأن هناك غطاءً سياسياً تم رفعه عن سلامة ليدفع وحده ثمن الأزمة، كموظف غير مرتبط بقاعدة شعبية أو حزب سياسي. 

لكن تلك التقديرات، بدت متسرعة. فالتحرك الأميركي المباشر نفياً لبحث مشابه، ينم فعلاً عن احتضان أميركي لرياض سلامة، ليس كشخص، بل للموقع. منذ 2005، أعطت الولايات المتحدة اهتماماً بالغاً لمؤسستين في لبنان، هي الجيش اللبناني الذي قدمت له دعماً يناهز الملياري دولار، وبالقطاع المصرفي وفي مقدمته مصرف لبنان، وذلك بهدف حماية الاستقرار في الداخل، الى جانب صيرورة الحياة الديموقراطية عبر اجراء الانتخابات في موعدها (فضلاً عن تقديمات أخرى اجتماعية وتنموية). وعليه، وفرت واشنطن رعاية للجيش، وحماية للموقع المالي الأول، وكان سلامة أبرز المقربين اليها. 

تدرك الولايات المتحدة الآن أن عقوبات مشابهة، ستؤدي حكماً الى ارتباك في المؤسسة المالية، وارتباك إداري، بالنظر الى انها ستدفع باتجاه استقالته أو إقالته، مع أن الخيار الثاني لا يحظى بإجماع سياسي في لبنان حيث ينقسم السياسيون بين متمسك به منعاً لارتباك مالي اضافي مرتبط بالعلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد، فيما يتمسك آخرون به بوصفه القادر على اجتراح حل كونه الأعلم بخفايا الأزمة اللبنانية، أما الطرف الثالث فيتمسك به في موقعه للإبقاء عليه كمسؤول عن الأزمة يجب أن يتهرب من مسؤوليته بابتعاده، وعليه ان يتدبر أمره في حلها. 

والارتباك الاداري الذي سينتج عن اقصائه من موقعه، تحت ذريعة اتهامه، أو الناتج عن ابعاده عن موقعه، يتمثل في أنه سيفتح سجالاً سياسياً يترك حاكمية مصرف لبنان بلا حاكم. فالتسريبات في السنوات الأخيرة، تتحدث عن أن الرئيس اللبناني ميشال عون، يسعى لتعيين مقرب منه في سدة حاكمية المصرف المركزي.

وطُرح اسمان في السابق كبديل عن سلامة، أولهما وزير الاقتصاد الاسبق منصور بطيش، والثاني المصرفي البارز سمير عساف الذي حضر الى بيروت على متن الطائرة الرئاسية الفرنسية التي أقلت الرئيس ايمانويل ماكرون الى بيروت بعد الانفجار. وتزعم مصادر مصرفية انه على معرفة برئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، ما يعني أن اسم عساف الذي كان مديراً في بنك HSBC البريطاني، يمثل نقطة تقاطع بين التيار الوطني الحر والرئاسة الفرنسية. 

وعليه، فإن أي إبعاد لسلامة، لن يأتي بشخصية مقربة تماماً من واشنطن، فضلاً عن أن كباشاً سياسياً سيكون في الداخل لتعيين حاكم جديد، سيترك فراغاً في سدة الحاكمية. لذلك، لن تغامر واشنطن بذلك، وستترك الأمور على ما هي عليها حتى 1 تموز/يوليو 2023، وهو موعد نهاية ولاية الحاكم سلامة الذي تنتهي ولايته بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون باشهر، بما يتيح تعيين حاكم جديد من غير ضغوط من الرئاسة. وتقول مصادر سياسية ان في ذلك "قطع طريق على عون لفرض شروطه في تعيين حاكم جديد". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها