الإثنين 2021/03/22

آخر تحديث: 21:57 (بيروت)

عون-الحريري.. أبعد من صراع الرئاستين

الإثنين 2021/03/22
عون-الحريري.. أبعد من صراع الرئاستين
مناصرو الحريري قطعوا طريق المطار بعد مغادرته قصر بعبدا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تتجاوز الهستيريا السياسية التي شاهد اللبنانيون أحد فصولها اليوم، قضية أوراق وتشكيلات حوّلها القصر الجمهوري من جهة، ووبيت الوسط من جهة ثانية، الى مادة سجال وردود واتهامات وتكذيب وتوضيح. 
في الشكل، ثمة أوراق باتت مادة دسمة للسجال. من خلالها، ينفذ الطرفان من التزاماتهم السياسية بضرورة تشكيل حكومة سريعة، لإنقاذ البلد من أزماته المعيشية والاقتصادية والمالية. لكن تلك الأوراق، تخفي ما هو أعمق، صراع مسيحي – اسلامي على صلاحيات، انعكست تحشيداً بخلفيات طائفية على مستوى الشارع، تنذر بتعميق الانقسام العمودي بين اللبنانيين. 



ولم يخرج رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا الرئيس المكلف سعد الحريري، من حلبة بعبدا بخسائر فادحة. على العكس، خرج كل منهما بأرباح خيالية في أوساط جمهور ينتمي الى كل منهما طائفياً، فيما تفرّج الجمهور المعارض، أو شارك بمستويات محدودة من رفض ما جرى، أو تأييد أحد منهما. 

في مواقع التواصل، تقول مغردة: "ميشال عون، وليس الياس الهراوي"، ليرد عليها آخر: "ميشال عون وليس ميشال سليمان". كان ذلك على ضفة المغردين المسيحيين الذين وجدوا في إصرار عون على موقفه، قوة استثنائية للموقع. بينما تقول أخرى ان الرئيس الحريري قلب الطاولة، ويؤكد منسق الإعلام في "المستقبل" ان الحريري "أحبط من بعبدا انقلاب العهد على الجمهورية". 


وصّف كل فريق خطوة زعيمه، من منظاره. تحول اللقاء الى حلبة مبارزة بين رئيس قوي، أو رئيس حكومة قوي. متمسك بالصلاحيات، أو حامٍ لها. مُصرّ على موقفه، أو صلب قادر على حماية صلاحيات الرئاسة الثالثة... 

ومعركة الصلاحيات، هي الوحيدة التي تستنفر القوى الشعبية التي تنتمي طائفياً الى واحدة من الطوائف الثلاث الكبرى في لبنان بشكل أساسي، الى جانب استثناءات لدى الطوائف الاخرى.

فالخطاب ذو النَفَس الماروني، يرتفع إثر الحديث عن صلاحيات. ويتصاعد خطاب "صلاحيات الرئاسة الثالثة" في الكباش بين المسيحيين والسنّة، عندما تحتدم النقاشات على خلفية دستور الطائف. ويستنفر المغردون الشيعة لدى محاولات المساس بامتيازات الطائفة، وخصوصاً وزارة المالية، ومثلهم يستنفر الأرثوذكس لدى محاولات المس بمكتسبات الطائفة، ولو بمستوى أقل من غيرهم. 


هذا الجانب من الخطاب، هو القطبة المخفية في المعركة، وتحوّل إثرها الرئيسان عون والحريري الى موقعَي المبارزة بين جمهورهما في مواقع التواصل الاجتماعي. الصراع أبعد من تشكيل الحكومة. هو صراع بين الرئاستين في الشكل، أما في المضمون فهو صراع بين الشخصيتين وما يمثلانه. فما قام به الحريري، حقق له التفافاً من قبل شخصيات كانت حتى الأمس القريب، تُعدّ في فريق الخصوم في الطائفة. أما عون، فكسب أيضاً جمهوراً من المسيحيين المستقلين، أو حتى من خصومه في السياسة الذين يتعاملون بالقطعة مع مواقف عون. 

وإذا كانت مواقف الجمهور تعبّر عن نبض سياسي في الشارع المقسوم طائفياً، فإن اصطفافات سياسية جديدة ستبرز في حال تعمقت الفجوة على خلفيات طائفية، وهي ذاهبة في هذا الاتجاه، بالنظر الى ان التأزم بلغ ذروته، ما ينبئ بمشهد مخيف، قد يكون تكراراً للتأزم الذي ظهر في العام 2007 إثر استقالة وزراء "8 آذار" من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أو تأزم العام 2011 إثر تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مع اختلاف جوهري في مواقف القوى السياسية المشاركة في الاصطفاف. 

وعليه، فإن لبنان الذي فشل في حكم نفسه منذ تأسيس الكيان، لم يعد أمامه الا انتظار مبادرة خارجية لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء المتخاصمين، منعاً لتدهور اضافي، أمني هذه المرة، يترافق مع انهيارات اقتصادية واجتماعية باتت تهدد الكيان والصيغة ومنظومة العيش المشترك. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها