الأحد 2021/03/21

آخر تحديث: 17:23 (بيروت)

الأم اللبنانية.. 45 عاماً من المعاناة

الأحد 2021/03/21
الأم اللبنانية.. 45 عاماً من المعاناة
لم تشكل نهاية الحرب اللبنانية نهاية لمعاناة الأمهات وكفاحهن (أرشيف)
increase حجم الخط decrease


الحادي والعشرون من آذار، معايدات الأمهات تملأ مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن الكثيرين في "فايسبوك" و"تويتر" و"إنستاغرام" و"الواتساب ستوريز" خروجوا عن الحيز الخاص لعيد الأم إلى الحيز العام، مستذكرين قضايا الأمهات ومعاناتهن على مدى العقود السابقة، حيث طغى الإبعاد القسري للأبناء عن أمهاتهم على نتائج جميع القرارات السياسية اللبنانية. 

حروب خارجية وداخلية، أزمات وانهيارات اقتصادية، حملت الأم اللبنانية الكثير من وزرها، إلا أن صوتها لم يكن مسموعاً لدى أصحاب القرار. 

مع بداية الحرب الأهلية عام1975، بدأت الأمهات اللبنانيات تهبن أبناءهن قسراً ليكونوا وقوداً لصراعات الطوائف على السلطة، وتحول الأبناء إلى صور معلقة على أعمدة الكهرباء ومداخل القرى وجدران المنازل، إلى مزارات وغصات عالقة أسفل الحلق تكاد تخنق كل أم ثكلى. 
قد تكون الأم اللبنانية هي أكثر من عانى من الحرب اللبنانية التي كانت عبارة عن أكبر عملية ابعاد قسري للأبناء عن أحضان أمهاتهم وعائلاتهم، عاشت الأم اللبنانية بسبب الحرب تراجيديا بأشكال مختلفة، فمن أم القتيل التي باتت صورة ابنها في أرجاء المنزل مزاراً لحزنها اليومي، إلى أم الأسير التي لم تترك باباً لسياسي أو زعيم أو قائد ميليشيات إلا وطرقته سعياً وراء إطلاق سراح ابنها، إلى أم الجريح الذي أصابته الحرب بإعاقة دائمة وقضت حياتها تبلسم جراحه وتعتني به والأم التي وقفت في مطار بيروت لتودع فلذات كبدها في رحلة اغتراب مجهولة المصير. 
مع تقدم سنوات الحرب وارتفاع أعداد القتلى الذين كان معظمهم من الشباب الذكور بسبب مشاركتهم في الأعمال القتالية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الهجرة التي كان الشباب الذكور أيضاً أكثر المقدمين عليها، وجدت المرأة اللبنانية، الأم خصوصاً، نفسها إزاء واقع جديد، إذ أصبحت رأس الأسرة، تحمل وحيدة عبء تربية أطفال يتامى وإعالتهم وتعليمهم. 

لذلك لم تشكل نهاية الحرب اللبنانية نهاية لمعاناة الأمهات وكفاحهن، بل كانت بداية لواقع جديد قوامه تحمل الأم والمرأة مسؤولية الأسرة في العديد من  العائلات. كما تركت الحرب العديد من الملفات المفتوحة، فكانت قضية المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم بعد والمعتقلين في السجون السورية، وكانت الأمهات العمود الأساس للجنة أهالي اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية ولجنة المخطوفين والمفقودين "سوليد". 

ولا زالت صورتهن، حاملات صور أبنائهن في خيمة الاعتصام الشهيرة في حديقة جبران خليل جبران مطبوعة في ذاكرة كل لبناني. حتى أكثر السياسيين مطالبة بحل ملف المفقودين والمسجونين في سوريا، ميشال عون وفريقه السياسي، كون عدد كبير من المعتقلين في سوريا هم من جنود ضباط الجيش اللبناني، قد نسي هذا الملف أو تناساه فور توقيعه ورقة تحالف مع حزب الله.
على الرغم من كل معاناتهن، وحتى خلال سنوات الاستقرار النسبي بعد الحرب، بقيت الأم اللبنانية تعاني اضطهادات عديدة سببها السياسة والقوانين الذكورية الجائرة، ولم تنظر الحكومات اللبنانية المتعاقبة بجدية  إلى القضايا التي رفعتها أمهات لبنان مراراً. 

فلا تزال الأم اللبنانية إلى اليوم عاجزة عن إعطاء الجنسية لأطفالها في حال تزوجت من أجنبي، ولا زالت حقوق الأم في حضانة طفلها رهينة لدى المحاكم الشرعية التي تنحاز دائماً إلى جانب الرجل وتحرم الأمهات من حقهن الطبيعي في حضانة أطفالهن بل في أن يحصلن على الأقل على محاكمة عادلة وعلمية يخضن عبرها معركة الحضانة. 
إذا كانت الحروب التي خاضها لبنانيون ضد الاحتلال الاسرائيلي أو السوري حروباً من أجل الحق والأرض، إلا أن الأم اللبنانية وجدت نفسها في العام 2011 ملزمة بإرسال أولادها للموت على أرض أجنبية، من أجل قضية غير واضحة ولا تمت إليها بصلة. 

امتلأت القرى الجنوبية والبقاعية بعد العام 2011 بالثكالى اللاتي لا زلن إلى اليوم يرثين أبناءهن بصمت، تمنعهن إيديولوجيا عقائدية من ممارسة حقهن في النحيب على أبنائهن والاعتراض على قدر قد لا توافق الكثيرات منهن عليه.  

الأم التي تنظر بعطف إلى أطفالها، حين تحملهم لأول مرة  بين يديها وتحلم بتأمين مستقبل جيد لهم، بحياة مزدهرة وسعيدة، تعيش اليوم رعباً حقيقياً بسبب الأزمة اللبنانية، سواء من الناحية الاقتصادية حيث لا مستقبل لهم وحيث تشكل الهجرة والابعاد القسري الحل الوحيد، أو من الناحية الأمنية مع الخوف على حياتهم بسبب رصاص متفلت، أو عصابات تنتشر في لبنان ككل، أو قطع الطرق وما ينتج عنه من مشاكل في أحيان كثيرة. 

أتى انفجار مرفأ بيروت لا ليحرم العديد من الأمهات من أولادهن بل أيضاً ليدب الرعب في قلوب الجميع ويجعل كل خروج من البيت هو مغامرة تبدأ معها كل أم  بتلاوة صلاتها ريثما يعود أولادها سالمين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها