الجمعة 2021/03/19

آخر تحديث: 14:19 (بيروت)

تقرير"فرانس برس"عن الحرمان التكنولوجي السوري: الحق على أميركا!

الجمعة 2021/03/19
تقرير"فرانس برس"عن الحرمان التكنولوجي السوري: الحق على أميركا!
increase حجم الخط decrease
خلا تقرير كامل لوكالة "فرانس برس" عن الحرمان التكنولوجي الذي يعيشه السوريون، من أي إشارة للسياسات الرسمية التي جعلت البلاد طوال عقود، متأخرة تكنولوجياً عن بقية العالم.

وفي لقاءات شملت مدونين وصحافيين يقول معارضون أنهم موالون للنظام السوري، في التقرير الذي نشرته الوكالة، الجمعة، بعنوان "السوريون محرومون من نتفليكس وزوم في زمن كورونا"، كانت العقوبات الأميركية الظالمة على البلاد، هي السبب الوحيد لوجود فجوة تكنولوجية خلقت جيلاً كاملاً متأخراً تقنياً عن أقرانه حسب وصف المدوّن التقني محمد حبش.

وذكرت "فرانس برس" أنه "لم يكن بإمكان عمالقة الانترنت كأمازون وآبل وغوغل، حتى قبل اندلاع النزاع العام 2011، العمل بحرية في دمشق بسبب عقوبات أميركية حظرت تصدير أو بيع أو توريد السلع والبرامج والتكنولوجيا والخدمات من دون موافقة الحكومة الأميركية". لكن التقرير لم يتطرق إلى حجب نظام الأسد للمواقع الإلكترونية وخدمات مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، قبل العام 2011، بما في ذلك "فايسبوك" و"ووردبرس"، والرقابة المفروضة على تلك المنصات بعد فك الحجب عنها، والقيود التي تكبل السوريين هناك أيضاً.

وأكملت الوكالة أنه "خلال سنوات الحرب، زادت وتيرة العقوبات وبالتالي المواقع المحظورة. ويطاول التقييد التقني حالياً مواقع عدة بينها كورسيرا المتخصص في التعليم ونتفليكس أشهر منصة للأفلام والمسلسلات ومواقع أمازون وأبل ستور وغوغل ستور وتطبيق تيك توك وسواها". وقال حبش: "لا يستطيع السوريون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الانترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الالكترونية أو الترفيه".

ورغم أن ذلك صحيح تقنياً، إلا أن وجود تلك الخدمات لم يكن ليغير من الواقع شيئاً. ويعني ذلك أن النظام، منذ العام 2020، بالتزامن مع أزمة كورونا التي دفعت العالم كله نحو العالم الافتراضي أكثر من أي وقت مضى، أصدر قراراً عبر وزارة الاتصالات، يقضي بإقرار العمل بنظام باقات الإنترنت حسب الاستهلاك، في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر.

ولم يخفِ النظام يوماً رغبته في تطبيق أكبر تحكم ممكن بالمعلومات في البلاد، للعودة بالزمن إلى حقبة الثمانينات "الذهبية"، عندما كان الحجب والتعتيم من الأمور البسيطة والمستطاعة في ظل تقنيات ذلك الزمن. ومع صعوبة عزل البلاد بالكامل عن الشبكة العالمية، أو فرض حجب تقليدي على المحتوى الإلكتروني غير المرغوب، يبدو حل الباقات مثالياً بالنسبة للنظام، خصوصاً أنه يستفيد بدوره من الإنترنت ومواقع التواصل، لبث دعايته وممارسة نوع من الرقابة المباشرة والسهلة على الشعب السوري.

والحال أن المخاوف من هذا النظام لا تأتي من عبث، بل تنبع من قدرته على فرض رقابة غير مباشرة على الإنترنت، ويعني ذلك أن المستخدم سيتمكن من الحصول على إنترنت يكفيه لتصفح بعض المواقع الأساسية والسوشيال ميديا، لكنه سيكون في خوف دائم من تجاوز حد الاستهلاك بسبب العامل الاقتصادي والفاتورة التي ستنتظره. وبالتالي سيفرض رقابة ذاتية على نفسه عن مشاهدة مقاطع الفيديو مثلاً، أو تصفح مواقع "غير مرغوبة من قبل النظام"، والتي قد تُفرض عليها بعض القيود التقنية التي تجعل تصفحها ثقيلاً وبطيئاً ما يزيد في الاستهلاك بالضرورة، من دون أن تضطر سلطات النظام لاستعمال الحجب بمعناه التقليدي المعروف قبل العام 2011.

ويتوازى ذلك مع الحديث الدائم عن العقوبات الغربية ضد النظام، بما في ذلك القطاع التكنولوجي، والترويج الدائم لمبادرات التطبيع التقني مع النظام كبوابة للتعاون في مجالات أوسع تدريجياً، وهو ما يروج له النظام إعلامياً ودبلوماسياً منذ سنوات بالتوازي مع حديثه عن النصر في البلاد وانتهاء الحرب فيها. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في حملة أطلقت العام الماضي بعنوان #الترند_السوري_حق للمطالبة بتوفير خدمات "تويتر" في البلاد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام فرض خلال العامين الماضيين قيوداً على المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو عبر تطبيقات المراسلة الفورية ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم عدم حجب التطبيقات الأساسية، إلا أنه بات من الصعب لكثيرين إجراء مكالمات عبر "واتس آب" أو حتى "ماسنجر" التابع لشركة "فايسبوك" من دون استخدام برامج "بروكسي" وخدمات الشبكات الافتراضية البديلة "VPN".

وبالطبع فإن تقرير "فرانس برس" ليس مزوراً ولا مختلقاً، لكنه يبدو مجتزأً من سياق أوسع، ما يرسم أشارات استفهام حول طريقة عمل وكالات الأنباء الكبرى في سوريا. وأثارت تقارير سابقة لـ"فرانس برس" و"رويترز" استياء كبيراً بين السوريين المعارضين في مواقع التواصل بسبب تلك النقطة. ويبرز هنا تقرير لـ"رويترز" العام الماضي عن "عودة السالسا إلى دمشق".

وحافظت وكالات الأنباء على تواجد محدود في سوريا، بما في ذلك "رويترز" و"فرانس برس"، عبر مراسلين محليين وموفدين يزورون البلاد من حين إلى آخر، علماً أنه بعد انطلاقة الثورة السورية العام 2011، اعتبر النظام، الثورة، "فبركة إعلامية"، وطرد مراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية تباعاً بتهمة "التحريض"، واعتمد على "الإعلام المقاوم" لإيصال وجهة نظره عن الأحداث في البلاد.

وبحسب "فرانس برس"، تعتبر سوريا واحدة من أربع دول في العالم لا تتوافر فيها خدمات "نتفليكس"، وواحدة من خمس دول فقط لا يتوافر فيها تطبيق "زوم"، الذي تحوّل خلال العام الماضي مع التزام الحجر المنزلي من مجرد خدمة لندوات الفيديو الى أداة محورية في الحياة المهنية والمدرسية والاجتماعية. ومن المذهل أن التقرير تحدث عن استخدام السوريين "البروكسي" من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية، فقط، وليس الحجب الذي يطاول عشرات المواقع الإعلامية التي تعتبر "مسيئة ومعادية" للنظام.

ويعاني الإنترنت في سوريا ضعفاً ملحوظاً، منذ بداية تشغيل المخدمات، ويضطر المستخدمون للانتظار فترات طويلة لتحميل مقطع فيديو صغير مثلاً. ويعزو مسؤولو النظام سوء الخدمة في البلاد، أحياناً لقصص خيالية، كأسماك القرش في البحر المتوسط، التي تتسبب بالانقطاعات المستمرة في الخدمة. ويعود ضعف الانترنت فعلياً لأسباب تقنية متعلقة بسوء البنية التحتية الخاصة بالشبكة، وأخرى سياسية عندما يرى النظام حاجة إلى خنق المساحة الضئيلة للتعبير التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن المثير للاهتمام أن عداء النظام السوري للإنترنت قديم، فرغم أن الإنترنت دخل البلاد في أواخر التسعينيات إلا أن الوصول إليه كان مقتصراً على الهيئات الحكومية، وحتى العام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين الاشتراك بالإنترنت، وهو ما ذكرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" حينها في تقرير خاص بالإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقدر وزارة الاتصالات السورية عدد مستخدمي الإنترنت في سوريا بنحو من 8 ملايين مستخدم فقط من خلال بوابات "ADSL" ولا يشمل هذا الرقم مستخدمي الإنترنت عن طريق الخطوط الخليوية باهظة التكلفة.

وتبدأ سرعة خطوط الإنترنت في سوريا من رقم محرج، هو 512 ك بت/ثا، وصولاً إلى 24 ميغا بت/ثا. لكن أقصى سرعة فعلية متوفرة حالياً في سوريا تقف عند حاجز 18 ميغا بت/ثا، حسب مواقع متخصصة في مراقبة الإنترنت. لكن متوسط سرعة الإنترنت في المجمل يبلغ 768 ك بت/ثا وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 4.6 ميغا بت/ثا، كما لا تتوافر خدمات الإنترنت في كافة المناطق السورية، وهو أمر لا علاقة بالثورة والحرب في البلاد به، بل هي خاصية قديمة، وبحسب تصريحات عضو مجلس إدارة "الشركة السورية للاتصالات" زياد عربش، لوسائل إعلام رسمية العام 2019، يتقاسم كل 5 مشتركين بالإنترنت بوابة "ADSL" واحدة.

وتشير معطيات وزارة الاتصالات إلى أن تطبيق "واتس اب" وموقع "فايسبوك" هما الأكثر استخداماً لتبادل المعلومات في سوريا، مقارنة مع التطبيقات الأخرى كـ"يوتيوب" و"تويتر"، كما يكشف تحليل الحزمة الدولية لمستخدمي الإنترنت أن 70 في المئة من المستخدمين يعتمدون على تطبيقات التواصل الاجتماعي، علماً أن النظام حجب المواقع الإباحية في البلاد العام 2018 بحجة "حماية المجتمع".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها