الخميس 2021/03/18

آخر تحديث: 17:36 (بيروت)

فرنسا لا تنخرط في جهود إعادة تدوير الأسد

الخميس 2021/03/18
فرنسا لا تنخرط في جهود إعادة تدوير الأسد
"لوموند" وصفت الأسد بـ"ملك الخراب" (أرشيف- أثناء زيارته أحد أحياء داريا المدمرة في ضواحي دمشق)
increase حجم الخط decrease
منذ العام 2011 واظب الإعلام الفرنسي على تغطية الحدث السوري باهتمام بالغ. وخلال السنوات الماضية، ساهم صحافيون فرنسيون في الكشف عن عدد من جرائم نظام الأسد من خلال تحقيقات خلّفت أصداء تعدت حدود فرنسا: كالتحقيق الذي حمل عنوان "بيروقراطية الموت" وكشفت من خلاله صحيفة Libération عمليات التعذيب والتصفية الجسدية التي تجري داخل سجون النظام، أو وثائقي قناة France2، "سوريا، الصرخة المكتومة"، الذي تناول ملف اغتصاب المعتقلات. 

مواكبة الاعلام الفرنسي للوضع السوري، طوال السنوات العشر الماضية، يمكن تفسيره بتفاعل الرأي العام الفرنسي مع تطور الأحداث، خصوصاً أن نظام الأسد اتبع، منذ البداية، سياسة القمع لوأد الثورة بأي ثمن. فانتشار المواد المصورة المُوَثِّقة لبطش النظام، شكّل صدمة للمجتمع الفرنسي الذي يرفع لواء القيم الإنسانية. وعليه كان الموقف من الثورة السورية بمثابة اختبار داخلي لفرنسا. 

من خلال تنظيم التظاهرات ومختلف الأنشطة، دأبت الشخصيات العامة والأحزاب السياسية والمنظمات حقوقية، جنباً إلى جنب مع الجالية السورية، على قرع جرس الإنذار لتنبيه الشارع الفرنسي على ضرورة التحرك لوقف حمام الدم. 

لكن الثورة لم تكن محط إجماع، بل تسببت في شرخ داخل المجتمع الفرنسي بعدما تعالت أصوات تنادي بالواقعية السياسية وأخرى تفاضل بين "علمانية الأسد" والتطرف الاسلامي. وتعمق الشرخ على وقع أزمة المهاجرين وصعود تنظيم "داعش" كما العمليات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا. 

هو تفاعل فرنسي حتّم على السلطة الرابعة الإحاطة بهذا الملف المتشعب لا سيما بعدما تحولت سوريا إلى ساحة مواجهة بين مختلف اللاعبين الاقليمين والدوليين. بالتالي، كان متوقعاً أن تحظى الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية بتغطية إعلامية، فلم تنتظر وسائل الاعلام الفرنسية حلول تاريخ 15 آذار، بل بدأت بتناول تلك الذكرى قبلها بأسابيع لتبيان حصيلة عقد من الثورة.   

تنوعت المواضيع المطروحة شكلاً ومضموناً: مجمل الخسائر البشرية والمادية، المعتقلون، الوضع الدولي، إعادة الإعمار، تحقيقات ميدانية داخل سوريا ، استعادة أرشيف السنوات العشر، بورتريه أسماء الأسد ، وثائقي عن سلالة الأسد ... لكن غاية مشتركة جمعت في ما بينها، الإشارة إلى الثمن الباهظ الذي تكبده السوريون والسوريات حتى يحافظ بشار الأسد على كرسيه. 

صحيفة Le Figaro لخصت الواقع المذكور في أحد عناوينها: "بشار الأسد أنقذ سلطته لكنه يتربع على خراب". كذلك فعلت Le Monde مشبهةً بشار الأسد بـ"ملك الخراب" بعدما استعرضت ما آلت إليه أحوال البلاد على الصعد كافة. 

من جهتها، وصفت هالة قضماني استمرار الأسد في الحكم بـ"الظاهرة" نظراً إلى حجم التحولات التي عرفتها سوريا في السنوات الماضية. وتوسعت في مقالتها المعنونة "بشار الأسد، آخر الطغاة" والمنشورة في Libération لتعيد التذكير بتركيبة النظام السياسية والأمنية والاقتصادية، معتبرة أن الأسد كسب رهانه حين قدم نفسه بديلاً عن الإرهاب. 

في هذا الاطار استعادت قضماني تصريحاً سابقاً لماكرون اعتبر فيه أن "عدونا هي داعش وليس الأسد". ويبدو أن الرئيس الفرنسي ما زال ثابتاً على هذا الموقف بعدما توجه إلى السوريين في ذكرى الثورة بتغريدة لم يتناول فيها معاقبة أركان النظام السوري على جرائمهم، بل اكتفى بعبارات مبهمة أشار فيها إلى "النضال ضد الافلات من العقاب" والسعي إلى حل سياسي.

أما بانجمان بارت، مراسل Le Monde من بيروت، فاعتبر أن الحدث السوري تحول إلى "رمز لعودة البربرية في القرن الحادي والعشرين".

قضية اللاجئين نالت مساحة خاصة من التغطية، واعتُبرت ثمناً من الأثمان التي تكبدها السوريون لقاء بقاء الأسد في الحكم. صحف عديدة أجرت مقابلات مع سوريين وسوريات اضطروا إلى مغادرة بلدهم. بعض هذه المقابلات كان بغرض التذكير ببداية الثورة حيث شرح الناشطون كيف كانوا يحتالون على الأجهزة الأمنية لتنظيم التظاهرات.

فيما اختار صحافيون آخرون مقاربة هذا الملف من زاويته الإنسانية عبر استعراض الظروف الاجتماعية للاجئين في تركيا وفرنسا. لاجئون لم يقطعوا صلتهم ببلدهم بل يحرصون على غرس الانتماء إلى سوريا في نفوس أولادهم، مؤكدين توقهم للعودة إلى بلدهم، عودة مشروطة  برحيل الأسد. 

كما خُصص حيّز واسع، من المقابلة التي أجرتها Le Monde مع الكاتب ياسين الحاج صالح، لملف اللجوء، لا سيما معضلة الاندماج في أوروبا. وأوضح الحاج صالح، أن أول سؤال يطرح على طالبي اللجوء في فرنسا هي طائفتهم، أمر مستغرب في دولة علمانية، مضيفاً أن أبناء الأقليات يحظون بفرص أكبر للحصول على صفة لاجئ في هذا البلد.  

وقد حملت أجوبة الكاتب السوري، تشاؤماً ملحوظاً، خصوصاً عندما وصف سوريا بمملكة المستحيلات ومن ضمنها استحالة قيامة سوريا جديدة. وفقاً للحاج صالح، بات العالم يميل لمكافحة الإرهاب عبر دعم نظام همجي، غير عابئ بوضع حد للإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري. وختم المقابلة قائلاً إن المصالحة بين التوجهين (مكافحة الإرهاب وإيقاف الإبادة) من شأنها إحداث ثورة في المقاربة السياسية الدولية.  

حصيلة السنوات العشر، بدت جلية في عيون السلطة الرابعة الفرنسية: الثورة حملت أملاً للشعب السوري، أمل سرعان ما تبدد، وهو ما أشارت إليه الصحف حين شددت أنه لا حلّ يلوح في الأفق. 

بالرغم من ذلك، ما زال البعض يرفض التسليم بالأمر الواقع: مجموعة من الكتاب والصحافيين والأكاديميين الفرنسيين نشرت بياناً في صحيفة Libération حمل عنوان "لا تسمحوا لبشار الأسد بتأريخ الحرب". واعتبر الموقعون أن النظام السوري جهد، طوال السنوات الماضية، "لتكريس رواية مليئة بالمعلومات المضللة للتستر على جرائمه". وتابع البيان أن انتشار رواية النظام سيؤدي إلى الخلط بين من تسبب بالأزمة من جهة، وصاحب الحل الفعلي من جهة أخرى، كما يشكل تنكراً لقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان. فعلى اعتبار أن "المنتصر هو من يكتب التاريخ" رفض الموقعون على البيان الاعتراف بـ"انتصار الأسد" خشية تكريس روايته.  

رغم ضبابية وسوداوية المشهد السوري، حاضراً ومستقبلاً، إلا أن بعضاً من الأمل ما زال ممكناً. صحيفة L'Express انطلقت من الحكم الصادر عن محكمة ألمانية، في 24 فبراير/شباط الفائت، بحق اياد الغريب، لتطرح السؤال التالي: هل سيتمكن بشار الأسد بعد اليوم من النوم مطمئن البال؟ 

فاستناداً إلى تصريحات ستيفان راب، رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة، أكدت L’Express أن محاكمة الرئيس السوري، لو تمّت، ستكون"أسهل قضية في تاريخ العدالة الدولية"، فالأدلة متوافرة، بل إن بعضها تم توثيقه من جانب جيش الأسد. 
فعلى سبيل المثال، تمكنت العدالة من إدانة كبار القادة النازيين، رغم عدم تركهم أدلة بديهية، كما فعل النظام السوري، والكلام دائماً لراب.

بدورها تطرقت قناة M6 لملف ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا وذلك في إطار تحقيق استقصائي حمل عنوان "صيادو داعش: المطاردة الكبرى". لكن التحقيق شابه قصورٌ فاضح بعدما اكتفى بتسليط الضوء على مطاردة منظمات غير حكومية وعدد من المتطوعين الأوروبيين والسوريين لعناصر سابقة في تنظيم "داعش" استقروا في أوروبا كلاجئين. الملفت هو عدم تناول التحقيق الاستقصائي لملف مطاردة ومحاكمة الضباط والعناصر السابقين في الأجهزة الأمنية السورية الذين استقروا، بدورهم، في أوروبا. 

طبعاً لا يجوز الاستخفاف أو التقليل من أهمية مطاردة "الدواعش"، لكن المثير للاستغراب هو إهمال التحقيق التلفزيوني لهذا الجانب رغم التماهي بين عناصر داعش والمنشقين عن النظام لناحية أسلوب المطاردة وطبيعة التهم الموجهة إليهم. يضاف إلى ذلك العرض الخجول جداً والسريع، لجرائم النظام والتظاهرات السلمية، ما يوحي بأن ما جرى في سوريا كان منذ البداية مواجهة بين الدولة والجهاديين. 

بصورة عامة، لم يستغل الإعلام الفرنسي ذكرى الثورة لإعادة تدوير بشار الأسد، بل أعاد التذكير بجرائم النظام السوري على سبيل تنشيط الذاكرة حتى لا ينسى القارئ والمشاهد جذور المأساة السورية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها