الإثنين 2021/03/15

آخر تحديث: 14:57 (بيروت)

في ذكراها العاشرة.. الثورة السورية حُلم أم كابوس؟

الإثنين 2021/03/15
في ذكراها العاشرة.. الثورة السورية حُلم أم كابوس؟
increase حجم الخط decrease
بعد 10 سنوات كاملة من الثورة الشعبية ضد نظام الأسد، باتت القضية السورية اليوم أقرب إلى درس في التاريخ لا يمكن معه استخلاص نتائج جديدة، بعدما بات واقع البلاد معروفاً ومحدداً بدقة في الأدبيات السياسية والإعلامية منذ العام 2017 على الأقل: نزاع مجمد ربح فيه بشار الأسد السلطة بثمن باهظ وبات يحكم بلداً ينهشه الخراب وينذر بانفجارات قادمة مع أزمة اقتصادية دفعت بـ80% من السوريين في الداخل إلى تحت خط الفقر فيما تشتت أكثر من نصف السكان البالغ عددهم قبل عقد كامل 22 مليوناً، في المنافي الداخلية والخارجية.

وإلى جانب الحصيلة المروعة للتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال والترهيب والقتل خارج نطاق القانون وغيرها من الكوارث التي سردتها صحيفة "غارديان" و"ليزيكو" الفرنسية، يبقى التوصيف المستخدم للثورة السورية بين السوريين في مواقع التواصل، وحتى ضمن الصحف العالمية التي احتفت بالذكرى هذا الأسبوع بوصفها حركة طالبت بالديموقراطية والحريات الأساسية، هو الحلم، رغم أن المشهد اليوم يبدو كابوساً لا يمكن للسوريين المساكين الاستيقاظ منه رغم إدراكهم لطبيعته حتى لو حاولوا فتح أعينهم مراراً وتكراراً للعودة بالزمن من أجل تصليح الأخطاء.

لا يعتبر ذلك ربما شططاً رومانسياً بقدر ما هو فصل منطقي بين الثورة المجردة كلحظة نبيلة في التاريخ قبل عشر سنوات، عندما تجمع سوريون وتحدوا النظام للمرة الأولى بالهتافات في الشوارع، وبين ما حصل طوال السنوات العشر نفسها. يشبه الأمر رواية "السيدة دالاوي" لفيرجينيا وولف. حيث تعيش الشخصيات في واقع بائس لأنهم لم يحصلوا في الحاضر على السعادة التي كانوا يرجونها من قراراتهم قبل سنوات مضت، قبل إدراك متأخر بأن السعادة كانت لحظة محددة في الماضي عاشوها عند اتخاذ تلك القرارات وانتهت. ويصبح الاحتفاء بالثورة اليوم وفق ذلك المنطق، احتفاء بتلك اللحظة التاريخية بشكل مجرد عن كل ما تلاها.

ولعل السبب الأساسي في ذلك، هو أن ذلك الكابوس لم يكن نتيجة لما قام به السوريون مباشرة بل هو نتيجة مباشرة لرد النظام الوحشي على الثورة السلمية في أعوامها الأولى، وعشرات العوامل الأخرى التي لعبت دوراً في رسم مشهد البلاد، وكانت بدورها نتيجة للثورة والتقلبات التي أحدثتها في سوريا ومحيطها، بما في ذلك انخراط الدول الإقليمية في النزاع وتفاقم أزمة الحركات الجهادية وتأرجح السياسات الغربية والدور الروسي في الشرق الأوسط. ويجعل ذلك كله من الثورة كمفهوم نبيل يحتفى به اليوم، بريئة مما وصل إليه حال البلاد بسبب رد الفعل المبالغ فيه من الطرف الآخر، الذي يفترض أن يكون شريكاً ضمن المساحة الجغرافية المسماة وطناً.

مثلاً، عند تذكر أهوال الحرب السورية التي استفاضت الصحف الكبرى في استرجاعها، تبرز صور قيصر المروعة لضحايا التعذيب في البلاد، لكن المسؤول عن تلك الفظائع هو نظام الأسد الذي يشرف على أسوأ المعتقلات ومراكز الاحتجاز على الكوكب بحسب تعبير منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية "أمنستي" و"هيومان رايتس ووتش"، كما يمكن استذكار مقاطع الفيديو الشنيعة لقطع رؤوس الصحافيين والإعدامات الجماعية في الرقة، لكن المسؤول عن تلك الفظائع، مجدداً، كان تنظيم "داعش" الإرهابي. وبالمثل فإن صورة الطفل إيلان الذي فارق الحياة غرقاً أثناء محاولة الهرب مع عائلته عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وصور مخيمات اللاجئين ومشاهد الطوابير اليومية في المدن السورية، وغيرها، تسببت بها الأطراف الفاعلة في الحرب السورية، ولم تكن نتيجة مباشرة للثورة نفسها.

هذه الذكريات تروع السوريين بشكل متزايد، وتخلق ربما أزمة وجودية في مواقع التواصل وفي التغطيات الإعلامية. يقول أحد السوريين الذين قابلتهم صحيفة "تايمز" البريطانية على سبيل المثال أنه "لا يتطلع إلى الأمام أو ينظر إلى الوراء للاحتفال بالثورة، ويشعر بالذنب لو شجبها، خصوصاً أن عدداً كبيراً من زملائه الذين لم يحالفهم الحظ ماتوا وعذبوا. وفي الوقت نفسه يشعر بالذنب للاحتفال بثورة فشلت ومات فيها الكثير من الناس".

على أن كلمة الكابوس تنطبق بشكل أكبر على الحياة ضمن سوريا الأسد، ليس فقط خلال العقد الماضي، بل منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما استولى حافظ الأسد على السلطة في انقلاب عسكري حكم البلاد بعده طوال ثلاث عقود بسياسة القوة والترهيب، تخللتها حرب صغيرة في حماة منتصف الثمانينيات كلمحة بسيطة ربما لما سيحمله المستقبل للبلاد تحت قيادة ابنه بشار.

ذلك الكابوس يستمر اليوم بسبب أن النظام الذي يحتفي بالنصر في إعلامه وخطابه الرسمي لم يقدم أي تنازلات عن السلطة سواء للمعارضة الداخلية أو الحركات الجهادية أو المعارضة المعتدلة أو ما تبقى من الناشطين المدنيين (كريستيان ساينس مونيتور, إيكونوميست،..) بل نفذ حرفياً تهديده الذي لا يُنسى: "الأسد أو نحرق البلد"، في استمرار لما قامت عليه الدولة الأسدية في جوهرها منذ تأسيسها: "حكم البلاد بالإكراه"، ما يدفع المشهد إلى مزيد من الانهيار في المستقبل.

وفيما يقول مسؤول أممي: "إننا نشهد بَلقَنة سوريا" (نسبة إلى البلقان) كوصف لتشظي البلاد إلى كانتونات تتمايز عن بعضها البعض بشكل متزايد، فإن الحلم يبقى. السوريون يكررون في مواقع التواصل شعار "تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة"، وصحيفة "واشنطن بوست" تقول أن "الثورة السورية مستمرة"، بينما تسرد صحيفة "إندبندنت" قصصاً شخصية لا يندم فيها أصحابها على الثورة السورية، رغم كل ما حصل لاحقاً. وتفسر صحيفة "لوموند" ذلك كله بالأمل في مستقبل أفضل.

ففي أيام حافظ الأسد، كان كابوس الحياة في سوريا معروفاً على نطاق واسع لكنه لم يكن موثقاً، واليوم يمثل نشاط المنظمات غير الحكومية السورية والدولية، كابوساً لبشار الأسد، لأن المدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان غارقون في توثيق آلاف مقاطع الفيديو والصور والشهادات والرسائل الرسمية. وحتى لو لم يؤدّ ذلك إلا لمحاسبة مسؤولين صغار ضمن النظام، كحال القضية الجارية في محكمة كوبلنز الألمانية، فإن استمرار الضغط يعني أن إعادة تأهيل بشار الأسد صعبة للغاية.

ومن هنا، تأتي أهمية الاحتفاء بالثورة السورية. لأن النظام يراهن على النسيان والتشاؤم. ويعمل مع حلفائه على ضخ سرديات بديلة لا تشوه فقط معنى الثورة السورية كحركة شعبية طالبت بالحرية، عبر إطلاق صفة العمالة الخارجية أو الجهادية الإسلامية على المعارضين ككل، بل تحاول أيضاً نسف التاريخ الدامي في السنوات العشر الماضية للتنصل من المسؤولية والبقاء في السلطة من أجل إبقاء الكابوس السوري مستمراً لعقود جديدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها