الأربعاء 2021/12/08

آخر تحديث: 16:16 (بيروت)

الانتخابات الرئاسية الفرنسية: صراع على المهاجرين.. وإرث ديغول

الأربعاء 2021/12/08
الانتخابات الرئاسية الفرنسية: صراع على المهاجرين.. وإرث ديغول
ما الذي قد يحول دون فوز امرأة برئاسة الجمهورية الفرنسية للمرة الأولى في تاريخها؟ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كان الأسبوع الماضي حافلاً على صعيد السباق الرئاسي الفرنسي، مع دخول مرشحين اثنين حلبة المنافسة على كرسي الاليزيه. 
طوال اسابيع، خيّم الترقب على الشارع الفرنسي، الذي انتظر إعلان الصحافي والكاتب إريك زيمور ترشحه للاستحقاق الرئاسي. تعددت التكهنات حول الآلية التي سيلجأ إليها اليميني المتطرف، الجواب أتى صباح الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني عندما نشر عبر قناته الخاصة في "يوتيوب" مقطعاً مصوراً، فحواه: "آن أوان إنقاذ فرنسا وليس إصلاحها". 

في المضمون، لم يحد زيمور عن طروحاته المعهودة، وهو المعروف بعنصريته تجاه المهاجرين ونبذه للأحزاب والشخصيات السياسية الفرنسية، إلى جانب كراهيته للنساء. ما لفت الأنظار كان شكل الإعلان: استقر خلف طاولة وأمامه ميكروفون، أمسك بورقة خطابه مبتعداً عن شاشة التلقين. صورة تتماهى مع نداء شارل ديغول الشهير في 18 حزيران 1940 الذي دعا فيه الفرنسيين، عبر إذاعة BBC، إلى مقاومة الاحتلال النازي. 

في ذلك رسالة مزدوجة الأبعاد: بداية، يطمح زيمور لتحويل ترشحه إلى محطة فاصلة في تاريخ فرنسا، تماماً كما أضحى نداء ديغول. من جهة ثانية، نستشرف مهادنة لشخصية ديغول: فالأحزاب والشخصيات الفرنسية تتزاحم، لا سيما في المواسم الانتخابية، لاحتكار إرث الجنرال الذي قاوم الاحتلال النازي وأرسى دعائم الجمهورية الخامسة. طوال سنوات، شذ زيمور عن تلك القاعدة بعد دفاعه عن نظام فيشي وتسويقه لنظرية "حماية فيليب بيتان ليهود فرنسا". 


بخلاف ما كان ينتظره زيمور، لم يعط إعلان الترشح على هذا النحو أي دفع لحملته الانتخابية، بل تحول إلى عائق إضافي في مشواره الرئاسي. لإضفاء شيء من الحيوية وجذب عدد أكبر من المشاهدات، لم تتردد ماكينة زيمور في إضافة مقاطع مصورة تتناسب مع ما يتلوه: عند حديثه عن تاريخ فرنسا المجيد، تمت الاستعانة بمشاهد من أفلام تاريخية. وحين تناول "انعدام الأمن وغياب النظام وانتهاك الأجانب لحقوق الفرنسيين"، ظهرت في الشاشة صور أرشيفية متفرقة (مباريات كرة قدم، مؤسسات حكومية، مشاهد عنف، مقابلات تلفزيونية لسياسيين...).

"الخطيئة القانونية" التي اقترفها زيمور وماكينته الانتخابية تتلخص في استعمال تلك المقاطع من دون العودة إلى الجهات صاحبة الملكية الفكرية، من شركات إنتاج سينمائية (...Gaumont) وقنوات تلفزيونية (... Canal+ ،France24) وصحافيين المستقلين، لأخذ التراخيص وسداد ما يترتب من التزامات معنوية ومادية. موقع "يوتيوب" رفض إزالة المحتوى، طالباً من المشتكين مزيداً من التوضيح. بعض المصادر أحال "التلكؤ" إلى حكم قضائي أوروبي يعود إلى العام 2019 يتطرق إلى ضرورة تبيان الحد الفاصل بين "حقوق المؤلفين وحق التعبير". 

View this post on Instagram

A post shared by Quotidien (@qofficiel)


وما زالت كل السبل متاحة أمام المتضررين، منها اللجوء إلى القضاء: مقدم البرامج الساخرة يان بارتيز، الذي ظهر في فيديو زيمور على سبيل التشهير، أوضح أن ما "سُرق" من تلفزيون TMC يقدر بمئة ألف يورو. لكن، إلى جانب المبلغ المذكور، سيتوجب على زيمور تكبد تكاليف الدعوى القضائية، وفقاً لبارتيز الذي أشار إلى نيّة فريقه التبرع بما سيحصل عليه من تعويضات مالية لجمعيات تُعنى بمساعدة المهاجرين. تجمّع المؤلفين والملحنين المسرحيين، انتقد في بيان له "احتقار زيمور للمؤلفين"، مضيفاً في هذا الإطار: من غير المنطقي ادعاء تمثيل الفرنسيين بالتوازي مع انتهاك حقوقهم الأساسية. 

هذا على صعيد الشكل والمضمون، أما لناحية التوقيت فقد حرص إريك زيمور أن يتزامن دخوله نادي المرشحين، مع الانتخابات الداخلية التي أجراها حزب الجمهوريين، أبرز أحزاب اليمين الفرنسي، لاختيار مرشحه للسباق الرئاسي. اقتراع انطلق في الأول من كانون الأول الجاري، واستمر أربعة أيام، فأفضى إلى فوز فاليري بيكريس ببطاقة ترشيح حزبها. 

لم يفلح زيمور في مسعاه الرامي إلى خطف الأضواء من حزب الجمهوريين، ليس فقط لما اقترفه من "سرقة"، فالصحافة الفرنسية تتوقع أن تتحول بيكريس إلى منافسة جدية على كرسي الرئاسة. وهو "امتياز" لم يحظ به زيمور.

وتتمتع بيكريس بجملة من أوراق القوة، جعلتها مصدر خشية لمحيط ماكرون، بحسب صحيفة Le Parisien.  

بيكريس دخلت المعترك السياسي في العام 1998 كمستشارة في قصر الإليزيه لتكنولوجيا المعلومات. في العام 2007 أسندت إليها وزارة التعليم العالي واحتفظت بها طوال السنوات الأربع الأولى لولاية ساركوزي، لتتولى من بعدها وزارة المالية طوال السنة الأخيرة التي سبقت انتخاب فرنسوا هولاند رئيساً للبلاد. في العام 2015، انتُخبت بيكريس رئيسة لمجلس محافظة باريس، ولاية نجحت في تجديدها في حزيران الفائت. مسيرة تحرص بيكريس على وضعها في صدارة حملتها، معتبرة أن باريس وضواحيها نموذج مصغر لفرنسا وإشكالاتها. 
 
من جانب آخر، تنتهج بيكريس خطاً متشدداً في ما يخص القضايا السيادية (كملفّ الهجرة) إلى جانب تبنّيها رؤية اقتصادية ليبرالية. طروحات تبلورها على نحو يسمح لها "بمغازلة" ناخبي ماكرون من دون القدرة على اتهامها بالتماهي مع اليمين المتطرف. ففي أول تعليق على نتائج انتخابات حزب الجمهوريين، اعتبرت مارين لوبان، مرشحة حزب التجمع الوطني، أن بيكريس تصلح كرئيسة وزراء إذا ما نجح ماكرون في تجديد ولايته.
 

شكلاً، تخشى الدائرة المحيطة بماكرون خطف بيكريس للأضواء. فالرئيس الحالي الساعي إلى تجديد ولايته، ما زال قادراً على استثمار صغر سنه في الدعاية الانتخابية، لكن فوز سيدة وللمرة الأولى ببطاقة ترشيح اليمين الفرنسي، سيضعف من قدرته على احتكار "الحداثة والتجديد السياسيين".    

مقربون من ماكرون بادروا للهجوم على بيكريس، مستحضرين تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، إبان توليها وزارة المالية، ما يشير بنظرهم إلى فشلها في إدارة تبعات الأزمة المالية العالمية، فيما توجه سهام النقد لسياسة ماكرون الاقتصادية.  

لكن طريقها نحو الإليزيه دونها تحديات: الانتخابات الداخلية لحزب الجمهوريين، أظهرت في دورتها الأولى تقارباً بين المرشحين الأربعة الأوائل، بعدما حصد كل مرشح ما بين 22 و25% من أصوات الناخبين، بخلاف الانتخابات التمهيدية العام 2016 حين استحوذ فرنسوا فيون بمفرده على 44% من الأصوات في الدور الأول. وهذا ميزان قوى يمنع فاليري بيكريس من بلورة برنامجها الرئاسي على نحو منفرد، ما يفرض عليها "لمّ شمل" عائلتها السياسية قبل الانطلاق نحو توسيع قاعدتها الانتخابية واستقطاب ناخبي ماكرون (أي وسط اليمين) من جهة، وجمهور أقصى اليمين الذي قد تستميله برامج مرشحي اليمين المتطرف من جهة أخرى.

والحال أن الصحافة الفرنسية أجمعت على إلزامية نجاح بيكريس في "لمّ الشمل" إذا ما أرادت دخول التاريخ كأول امرأة تحكم فرنسا. علاوة على ذلك، فإن إخفاقها في الظفر بكرسي الرئاسة، أو أقله التأهل إلى الدور الثاني، سيعرض حزبها لخطر التشظي بعدما سبقت له خسارة استحقاقَين رئاسيَين متتاليَين (2012 و2017). بالتالي، لا تتردد الأقلام الصحافية والمنابر الإعلامية الفرنسية في تقديم انتخابات 2022 على كونها مسألة حياة أو موت لحزب الجمهوريين. 
 
وفي محاولة للتشويش على المرشحة اليمينية قبل ترتيب أوراقها، سارع كلٌ من مارين لوبان وإريك زيمور إلى توجيه رسائل لأنصار إريك سيوتي (منافس بيكريس في الدورة الثانية للجمهوريين ومرشح جناح أقصى اليمين) يدعونه فيها للالتحاق بهم. تدرك بيكريس ثقل سيوتي في أوساط الجمهوريين، ما حثها على التوجه يوم الإثنين إلى معقله، جنوبي البلاد، في أول جولة لها.  
 
أما التحدي الأخير فيتمثل في نيكولا ساركوزي. رغم فشله في تجديد ولايته العام 2012 وخسارته للانتخابات التمهيدية العام 2016، وبمعزل عن الشبهات القضائية التي تحوم حوله، ما زال الرئيس السابق "مرجعاً" لشريحة واسعة من جمهور اليمين التقليدي. 
انكفاء ساركوزي عن دعم أي مرشح خلال الانتخابات الداخلية، والتقارب السياسي والشخصي بينه وبين ماكرون منذ العام 2017، دفع بمصادر صحافية إلى طرح فرضية "خيانة" عائلته السياسية واصطفافه خلف الرئيس الحالي. تستند المصادر في ذلك إلى قراءة سياسية تقوم على التالي: قد يصل ساركوزي إلى خلاصة مفادها انعدام فرص بيكريس، أو حتى عدم يقينه بأهليتها لتولي المنصب المذكور. 

من جانب آخر، إذا ما صحت التسريبات التي تشير إلى إمكانية بلورة ماكرون ائتلافاً حكومياً يجمعه مع الجمهوريين، قد يبادر ساركوزي إلى تجيير قاعدته الانتخابية لصالح الرئيس الحالي أملاً بمضاعفة نفوذه السياسي، ففي ظل تلك المعادلة السياسية سيتحول ساركوزي إلى حلقة الوصل بين الجانبين. حتى اللحظة، تبقى مجرد تكهنات والأشهر المقبلة كفيلة بتأكيدها أو نفيها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها