الأربعاء 2021/12/08

آخر تحديث: 15:59 (بيروت)

أزمة المئة دولار البيضاء.. كذبة لا يمكن تكذيبها!

الأربعاء 2021/12/08
أزمة المئة دولار البيضاء.. كذبة لا يمكن تكذيبها!
ابتزاز الصرافين مستمر رغم ايضاحات مصرف لبنان والسفارة الاميركية (المدن)
increase حجم الخط decrease
لم تنهِ كل الإيضاحات من السفارة الأميركية في بيروت ومصرف لبنان المركزي الذي اضطر للإيضاح بعد بيان السفارة الأميركية، أزمة ورقة المئة دولار البيضاء التي يحجم الصرافون عن تبديلها. جددت هذه الأزمة النقاش حول الشائعة، وأثبتت مرة أخرى أن الايضاحات والتصحيحات لا يمكن أن تزيل الشائعة، بقوة انتشارها نفسها. 

بدأت القصة قبل أسبوعين حين بدأت ماكينات الـATM العائدة للمصارف اللبنانية، بضخّ أوراق المئة دولار من نسخة 2006. الورقة البيضاء، التي سبقت الورقة الزرقاء الصادرة عن الخزانة الأميركية في العام 2009 ودخلت السوق اللبناني في العام 2013. ويبدو أن المصارف اللبنانية اعتمدت ذلك، بسبب وفرة الأوراق البيضاء في السوق المحلي على حساب الأوراق الزرقاء، وذلك ناتج عن أمر قضائي قضى بتوقيف عمل شركة "مكتف"، أكبر شركات نقل الاموال من لبنان الى الولايات المتحدة، حسبما ذكر ميشال مكتف في تصريح لموقع "اساس ميديا". 

هذا الواقع، خلق فرصة للمضاربة في السوق، ومحاولة ابتزاز الناس. لعب الصرافون دوراً كبيراً في ذلك، حين قايضوا الناس على تلك العملة، وبدأوا باقتطاع نسبة منها لصالحهم، تناهز الخمسة دولارات عن كل ورقة نقدية من فئة المئة دولار، وثلاثة دولارات عن كل ورقة نقدية من فئة الخمسين دولاراً.

وازداد الأمر موثوقية لدى الناس، حين عانت المصارف من شح في الاوراق النقدية الزرقاء، وكانت ترفض مبادلة الزرقاء بالبيضاء، علماً أنها لم ترفض تلقي تلك الأوراق من التجار الذين يرغبون في تحويل مبالغ مالية (فريش دولار) الى الخارج، أو من يرغبون في اجراء دفوعات بالفريش دولار. 

من راجع الصرافين بالاسباب، تلقى اجابة بأن "مصرف لبنان" المركزي لا يقبلها، كما لا تقبلها شركات التحويل. ولأن القانون اللبناني يحصر تعامل المواطنين بالمصارف التجارية والصرافين، ويمنع التعامل مباشرة مع مصرف لبنان، انتشرت "كذبة" الصرافين، وباتت بمثابة شائعة يتم تداولها في مجموعات "واتسآب"، وفي مواقع التواصل الاجتماعي. 


نشر "مصرف لبنان" بياناً قال فيه إنه لا علاقة له بالعملة الأجنبية، وأنه مسؤول عن العملة الوطنية فقط. السفارة الأميركية في بيروت، بدورها، عممت توضيحاً عبر حسابها في "تويتر" قالت فيه ان الخزانة الاميركية تقبل العملات المطبوعة لديها منذ 1914 وتعتبرها سارية. وأرسلت إيضاحات أخرى مرتبطة بكيفية التثبت من أن العملة غير مزورة، لتؤكد مرة أخرى أن العملة إذا لم تكن مزورة، فإنها سارية ومقبولة. وفي السياق نفسه، أصدرت شركة تحويل الاموال OMT بياناً قالت فيه انها تقبل ورقة المئة دولار البيضاء. وتلاه بيان لجمعية المصارف أكدت فيه أنها ملتزمة بالتعامل بالأوراق النقدية النظامية من دون أي تعديل في اجراءاتها.


والحال إن الأزمة اختلقتها كذبة الصرافين لتبرير تحقيق أرباح اضافية. يشبه الواقع ما يجري في إيران والعراق. تنتشر الكذبة نفسها، لدى الصرافين في البلدين، وهو ما أدى الى "هيركات" بنسبة 20% على كل ورقة بيضاء من فئة المئة دولار. تعززت الشائعة بتضافر الوقائع الثلاث، الناتجة عن كذبات الصرافين التبريرية في الدول الثلاث. 

وأثبت سريان الشائعة في مواقع التواصل أنها أقوى من إيضاحات وسائل الإعلام التقليدية التي أعدت التقارير، ونقلت البيانات الايضاحية. عرفت الشائعة بقوتها على الانتشار في زمن قياسي، أما الايضاحات، فلا تسلك الطريق نفسه. لا يستطيع الايضاح، إزالة تأثير الشائعة بأكثر من 50%، ويعود ذلك بشكل أساس الى العوامل النفسية التي تتركها الشائعة في نفوس المعرّضين لها. 

منذ أزمة "كورونا"، تضافرت جهود دولية لمكافحة الأخبار الزائفة في مواقع التواصل الاجتماعي. ظهرت منصات متخصصة لمكافحة تلك الأخبار، كما عملت بعض الجهود على مكافحتها من مصدرها، عبر إرسال الرسالة الى المصدر، وفق آلية "الضخ العكسي". اختبرت هذه التجربة في لبنان في خريف العام 2020، عبر إعادة إرسال الرسالة الإيضاحية الى مجموعات "واتسآب" نفسها التي انطلقت منها، ومع ذلك، لم تقنع الناس بتلقي لقاح "كورونا". 

اليوم يتكرر الأمر نفسه. كذب الصرافون كذبة، وصدقها الناس. تداولوا الكذبة حتى باتت واقعاً. ولدى مواجهة أي صراف اليوم بهذه الوقائع، يطلب من حامل الورقة البيضاء أن يبادلها في المصرف أو المصرف المركزي أو حتى الخزانة الأميركية!

الابتزاز مستمر، في ظل غياب الدولة وأجهزتها الرقابية. فلبنان لا يعاني الشائعات والأخبار الزائفة فحسب، هو يعاني من ترهّل مؤسساته الرقابية، ونهاية الثقة في الدولة وإجراءاتها، ما أتاح للصراف أو لصاحب مولد الكهرباء أو صاحب محطة وقود أن يبتزّ الناس، ويدوّر الأزمات لصالحه ولمنفعته الخاصة، ما يدفع لبنان الى مصاف الدول الفاشلة، ولن تكون إيران أو سوريا أو بعض مناطق العراق أولها.. ولا آخرها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها