الجمعة 2021/12/31

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

أسماء الأسد في رأس السنة: راعية الطلاب ونصيرة الفقراء!

الجمعة 2021/12/31
أسماء الأسد في رأس السنة: راعية الطلاب ونصيرة الفقراء!
increase حجم الخط decrease
ما يلفت الأنظار في منشورات صفحة "الرئاسة السورية" حول استقبال السيدة الأولى أسماء الأسد للطلاب المتفوقين في البلاد، ليس الخطاب المصطنع حول دور العلم في البلاد ولا كمية البوتوكس والفلاتر المستخدمة لتجميل "سيدة الياسمين" ولا الدور الدعائي الذي تمارسه ضمن النظام، بل اختفاء التعليقات الساخرة والآراء المعارضة، بالكامل، وكأن هنالك جهداً لحذفها، بموازاة رسم صورة براقة لها كراعية للعلم ومناصرة للفقراء وكسند يرتكز عليه في الأوقات الصعبة، مع نهاية عام وبداية عام جديد يتوقع خبراء أن يكون أكثر قسوة على السوريين.

وتحدث سوريون في "فايسبوك" عن وضعهم تعليقات على صفحة "الرئاسة" قبل حذفها، فيما يلاحظ أيضاً غياب تعليقات الموالين التي تتذمر من الوضع المعيشي، والتي تتواجد عادة في مثل هذه المنشورات كطريقة سهلة لإيصال رسائل إلى "القيادة الحكيمة"، مقابل عبارات التمجيد لأسماء، يكتبها عاملون في "الأمانة السورية للتنمية" التابعة لأسماء، أو عاملون في الإعلام الرسمي مثل مدير قناة "الفضائية السورية في حلب غسان عيسى أو مراسلون حربيون مثل ريم مسعود، وغيرهم، وهو ما يمكن تلمسه في نظرة سريعة على الأسماء المعلقة التي أعادت تدوير تلك العبارات في الحسابات الشخصية.



ويمكن القول أن توجيهات رسمية أعطيت لأولئك "الأتباع" (Minions) من أجل تقديم المؤازرة الإلكترونية. علماً أن هذا التوجه لإظهار أسماء تحديداً بصورة مشرقة وخادعة، قديم ويمكن ملاحظته في منشورات "الرئاسة" منذ العام 2019 على الأقل. ويمكن الدلالة عليه أكثر بوجود الكثير من ردات الفعل الضاحكة التي لا يمكن حذفها حتى لو تم حظر أصحابها من الصفحة.

واللافت هنا، ان جميع التعليقات تثني على خطوة الاسد، وتمدح بسوريا وبالمتفوقين وبـ"العباقرة" الذين تنجبهم رغم "الحرب الكونية". ومن ضمن مئات التعليقات التي وصلت الى 1500 تعليق توزعت بين منشورين اثنين، لم يظهر اي تعليق لمعارض للنظام أو مشتكٍ من الأوضاع الاقتصادية. ويشير ذلك الى ان النظام يعمل على تنقية صفحاته في مواقع التواصل، وتصفية الآراء المعارضة منها، وذلك لاظهار جانب واحد من التعليقات، تلك التي تمدحه، وخلق صورة زائفة أمام جمهوره المحلي وبيئته الحاضنة.

والحال أن مثل هذا السلوك ليس عبثياً، بل يرتكز في الواقع على مفهوم "غرف الصدى" (Eco chambers) الذي يتعزز حضوره اليوم بفعل السوشيال ميديا وعلاقتها بانتشار الأخبار الكاذبة تحديداً. وضمنه، فإن الأفراد يتعرضون اليوم لضخ محدد من المعلومات يجعلهم معزولين عما حولهم ضمن فقاعات وحلقات مفرغة.

وبما أن تلك الغرف تشكل مع تكرارها بيئة يشعر فيها الفرد بالأمان بدلاً من التطلع نحو محتويات مختلفة في عصر ما بعد الحقيقة (Post Truth)، فإنها تساعد على "صناعة الجهل" وتحديداً في المجتمعات الضيقة، مع الإشارة هنا إلى أن سوريا تعتبر دولة منغلقة على نفسها منذ نحو خمسة عقود شهدت حكماً شمولياً من قبل عائلة الأسد، فيما يشكل خلق تلك البيئات المنعزلة حتى ضمن الواقع الافتراضي، مهمة يحرص عليها أي نظام دكتاتوري ضمن محاولته للتحكم في المعلومات، ما يبرر بالتالي عدم اتجاه النظام إلى حجب مواقع التواصل رغم شكواه الدائمة منها.

ولا يتوقف ذلك عند حد التعظيم والتمجيد لخلق فكرة وجود ولاء وتأييد شعبي للعائلة الحاكمة أو محبة جارفة لأفرادها ما يعطيهم الشرعية للبقاء في رأس السلطة، بل يتم نقل تلك الأفكار مجتمعة نحو حيز آخر من الأخبار الكاذبة، لخلق وهمٍ موازٍ بوجود مستقبل أفضل في البلاد، يستوجب بالتالي الصمود والصمت من الشعب الذي يقبع أكثر من 85% من أفراده تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فيما يقول برنامج الأغذية العالمية أن ما لا يقل عن 12.4 مليون سوري، أي 60% من السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي والجوع.

في ضوء ذلك، يتم نقل تلك الدعاية في التوقيت نفسه إلى مستوى آخر، بتصوير أسماء شخصياً على رأس فريق مكافحة الفساد في البلاد، وهي مهمة دعائية كانت مرتبطة بشخص الرئيس بشار حصراً. ونشرت عشرات الصفحات الموالية، الخميس والجمعة، منشورات عن حملة أسماء ضد شخصيات نافذة ورجال أعمال وشركات مقربة من النظام، ووصل البعض إلى حد القول أنها تقوم بذلك بمعزل عن زوجها المرتبط بدوائر الفساد.



هذه المعلومات التي لا يمكن التأكد من صحتها والتي لا تعتبر أكثر من إعادة ترويج للأكاذيب بصيغ جديدة فقط، بالتوازي مع الاستياء الشعبي من تردي الاقتصاد والخدمات في البلاد وغلاء الأسعار، ترتبط بمحاولة أسماء السيطرة على الاقتصاد السوري ولعب الدور الذي كان يلعبه رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد، ليس فقط من خلال الجمعيات الخيرية التي كان يمتلكها، بل أيضاً من خلال المشاريع الاقتصادية وتحديداً في مجال الاتصالات والكهرباء، علماً أنه تجرد من نفوذه الواسع تدريجياً عبر ملاحقته بقضايا فساد وتهرب من الضرائب في وقت سابق من العام الماضي.

وتحدثت الحملة الموالية لأسماء، عن عمليات حجز على الأموال وإنذارات بالدفع وقرارات بمنع السفر، استهدفت المتهمين بالفساد والتهرب من دفع الضرائب والديون. وأشارت إلى أنه من بين الذين استهدفتهم أسماء الأسد، رئيس اتحاد كرة القدم السابق فادي الدباس، وزوجته سماح الجابي، ورجال اعمال كبار مقربين من دائرة نظام بشار الأسد، مثل سامر الفوز ووسيم قطان وماهر خوندة وخالد حبوباتي وسامر درويش ونعيم الجراح، وآل حمشو وآل خياط وآل قاطرجي.

وفيما يتم الترويج لتلك الأسماء، تغيب أسماء أخرى لا تقل نفوذاً في البلاد وترتبط ارتباطاً مباشراً بأسماء، مثل رجل الأعمال طاهر علي خضر، المشهور بلقب أبو علي خضر، الذي تقول تقارير ذات صلة أنه يشكل مجرد واجهة لنشاطات تجارية تشرف عليها أسماء، بما في ذلك شركة الاتصالات "إيما تيل" أو مشاريع استيراد الهواتف الذكية وسيارات لامبورغيني الفاخرة. 

كما يغيب أيضاً اسم آخر من الأسماء الفاسدة المرتبطة بأسماء، وهو مهند دباغ، ابن خالة أسماء أو شقيقها فراس الأخرس، اللذين يمتلكان شركة "تكامل" المشرفة على مشروع "البطاقة الذكية" في البلاد، والذي يثير غضب السوريين لكونه تحديثاً لنظام البونات المذل الذي كان متبعاً في الثمانينيات والتسعينيات من أجل توزيع المواد المدعومة من "الدولة السورية" على المواطنين، علماً أن الحديث عن رفع الدعم يبقى مستمراً في البلاد رغم الوعود الرسمية بعدم التخلي عن الفقراء.
وبالطبع، لا يوجد أي بيانات رسمية حول تلك العقوبات الخيالية، التي وصلت إلى حد وضع مهلة 30 يوماً لميليشيات مثل ميليشيا القاطرجي لتسليم أسلحتهم للأمن العسكري وإنهاء كافة المهمات الأمنية الممنوحة لهم. والمثير للاهتمام هنا عدم وجود أي ذكر للرئيس بشار في كل تلك المنشورات، ليس لأن هنالك يأساً موالياً منه، بل لعدم وجود فصل بين الزوجين من الأساس في الخطاب الشعبي والخطاب الرسمي على حد سواء، حيث يطلق عليهما ألقاب متوازية مثل "أم الكل" و"الأب القائد للدولة والمجتمع".

والحال أن أسماء لم تكن بعيدة من سياسات النظام السوري الإجرامية مثلما يتخيل البعض، بل لعبت منذ مطلع الألفية دوراً بارزاً في تلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي، كوجه "لطيف" يمثل القوة الناعمة للنظام من أجل إيصال أفكاره بشكل "خطاب ودي شخصي" أقل رسمية. وكان لها دورٌ في إعادة رسم صورة النظام على المستوى المحلي عبر الأعمال الخيرية والإطلالات "العفوية" بين العامة، إضافة لممارستها الدور نفسه على صعيد السياسة الخارجية، وبالتحديد عندما نجحت في فك العزلة عن زوجها بشار خلال جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني العام 2005، عندما رفض زعماء العالم الحديث معه وحتى الوقوف معه بسبب اتهام الأسد حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لتتدخل أسماء حينها للحديث مع ملكة إسبانيا ومع شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها