الإثنين 2021/12/20

آخر تحديث: 14:55 (بيروت)

"Procession": ضحايا اعتداءات الكنيسة ينجزون خلاصهم بالدراما

الإثنين 2021/12/20
"Procession": ضحايا اعتداءات الكنيسة ينجزون خلاصهم بالدراما
increase حجم الخط decrease
تتعامل السينما مع قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل القساوسة منذ عقود، مع نمو كبير في السنوات الأخيرة عطفاً على ظهور الحوادث أكثر فأكثر للضوء. ظهر هذا في السينما الروائية مثلما في الفيلم الفائز بالأوسكار "سبوتلايت" (2015، توم مكارثي)، كما في نظيرتها الوثائقية، كما في فيلمي "نجّنا من الشرير" (2006، إيمي بيرغ) و"من أفدح خطاياي" (2012، أليكس غيبني)، لكن ربما لم يفكّر ويتجرّأ أحد على الاقتراب من الموضوع بالطريقة التي يفعلها روبرت غرين في فيلمه الجديد "Procession" (مسيرة) الذي يعرض حالياً في "نيتفليكس".


هذه المقاربة الفريدة ليست من قبيل الصدفة، إذ اعتاد المخرج على العمل مع صيغ وثائقية غير معتادة في أفلام مثل "ممثلة" و"كيت تلعب كريستين"، تتكئ على مساءلة مفهوم "الواقع" ويلعب فيها التنفيس والترويح جزءاً مهماً من نظام السرد نفسه، ليس بالطريقة التقليدية بل في حالات معيّنة لخدمة أهداف محددة للغاية.

هنا واحدة من تلك الحالات. يبدأ الفيلم من موقفٍ يسهل رؤيته متحولاً إلى فيلم وثائقي تقليدي على الطريقة الأميركية ومدرستها الإخبارية التقريرية: مجموعة رجال في خمسينيات وستينيات أعمارهم يعقدون مؤتمراً صحافياً يعلنون فيه كيف تعرّضوا للاعتداء الجنسي في طفولتهم على أيدي قساوسة ورجال دين كاثوليك، تقريباً قبل نصف قرن من الزمان. لكن، من الناحية القانونية، سقطت هذه الجرائم بالتقادم ولم يعد من الممكن محاكمة الجناة. سيرضى أي مخرج وثائقي آخر بسرد قصصهم ويسعي لتحقيق العدالة بطريقة تقليدية، فيما غرين يقترح شيئاً يلائم مفهوم "العدالة الشعرية" بامتياز.


لتحقيق ذلك، دعا غرين أولئك الناجين مع آخرين، معظمهم من الغرب الأوسط الأميركي، وعرض عليهم اختيار كيفية سرد هذه القصص بشكل روائي، بالتعاون مع أخصائية نفسية متخصصة في "العلاج بالدراما". ما يفعلونه هو اختراع أو إعادة إنشاء مشاهد من اختيارهم بحيث يمكنهم استخدامها ليس فقط لرواية ما حدث، إذ تتعلق المشاهد بالأحداث نفسها أو بالكوابيس أو بخيالاتهم، وإنما للفظها/طردها بطريقة ما وتجاوزها، للتغلّب عليها، للشفاء.

عملية كهذه يسهل تخيّل وصفها بمفاهيم مثل "الاستغلال العاطفي" و"تكرار الأذى"، لكن غرين فكّر في الأمر وفهم، وكذلك الناجون، أنهم إذا قرروا أن هذه هي الطريقة التي يريدون رواية قصصهم عبرها وأن هذا النهج يمكنه مساعدتهم في المضي قدماً، فإن هذا النوع من "الصراعات الأخلاقية"، لا وجود له أو هو ثانوي في أبعد تقدير.

رغم ذلك، يبقى الاقتراح الفنّي مسألة قابلة للنقاش، لكن الفيلم ينجح عموماً في الهروب سالماً من هذا الاتهام المحتمل. يدور "Procession" في الغالب حول إعداد تلك المَشاهد، استكشاف المواقع، اختيار الممثلين، الأزياء، إنشاء وتصميم موقع التصوير، والأفكار والنصوص التي يختار الناجون رواية قصصهم من خلالها. في عملية ما قبل الإنتاج هذه ومن خلال المحادثات والمقابلات، يتعرّف المشاهد على قصص كل منهم، والتي تتضمّن اختلافات محددة ولكنها في الوقت ذاته تتشابه إلى حدّ كبير: كلهم ​​مازالوا، بعد عقود، مضطربين ومكروبين بسبب تلك الانتهاكات.

شيئاً فشيئاً، وبايجاز، تُعرض المشاهد المختارة والمُخرَجة بواسطة الناجين، لكنها، على أهميتها، تبقى بُعداً جانبياً لما هو أكثر أهمية: ليس فقط مقدرتهم على الخوض في صدماتهم تحضيراً لتلك المشاهد، العثور على مواقع محددة حيث وقعت أحداث مروعة يثبت فائدة التنفيسية، مثلما هو الحال مع الروائح أو الأشياء، وإنما أيضاً إمكانية إيجاد الدعم والشعور بالفهم ومرافقة الضحايا الآخرين، وهم عديدون، ممن لا يعرفون بعضهم البعض وينتهي بهم الأمر بتشكيل ما يشبه العائلة.

الشخصيات الرئيسية هي مايك فورمان، وهو الأكثر غضباً وحنقاً ربما على ما حدث له؛ دان لورين، الذي يبدو أكثر قلقاً بشأن أخيه الشاعر بالذنب تجاهه لعدم حمايته، أكثر من اهتمامه بصدمته الشخصية. إد غافاغان الذي انتقل إلى نيويورك ويحلم بإخراج فيلم يأتي فيه "المنتقمون" لإنقاذه من الكهنة المعتدين، جو إلدريد الذي لم يخرج بعد من ليله وما زال يعاني بشدة آثار ما حدث في طفولته، مايكل ساندريدغ وهو مصمم ديكور داخلي صموت يتمتع بقدرة كبيرة على الملاحظة، وتوم فيفيانو الذي لا يستطيع الحديث عن قضيته لأسباب قانونية لكنه يساعد الآخرين من خلال التمثيل في "أفلامهم القصيرة".

وعلى امتداد الفيلم، ستزداد معرفة المتفرج بهم، عبر قصص ومواقف يتشاركونها وردود الأفعال المختلفة والتحليلات والتعليقات التي يبدونها.

الفيلم صعب المشاهدة وغير مريح في عديد المواضع. على سبيل المثال، يوظف الأبطال الممثل/الطفل نفسه ليؤدي أدوارهم في جميع "أفلامهم القصيرة"، وبقدر احترافيته التمثيلية وإعلانه من وقت لآخر أن كل الامور على ما يرام، يستحيل التفكير في مدى صعوبة كونه جزءاً من تلك التجربة. لكن "Procession" لديه هذا الامتياز الذي يُسكت الواحد بشأن إمكانية اتهامه بأي استغلال للصدمة، لأن الضحايا/الناجين أنفسهم هم مَن قرروا أو وافقوا على التعامل مع قصصهم القاسية بهذه الطريقة. بعبارة أخرى، تحويل "الإيذاء" إلى "التمكين" هو طريقة العمل هنا، مع حفاظ الفيلم على احترام شخصياته والتزامه الأخلاقي تجاههم. وعلى الأقل بناءً على ما نراه في الفيلم، يبدو هذا النهج ناجحاً. مثلما يبدو أنه يثير ويغضب بالطبع المشاهدين.

أفضل ما في الفيلم الوثائقي المؤلم ليس المَشاهد الخيالية المُعاد بعثها، بل الطريقة التي يتعامل بها الناجون مع المشاعر والألم والغضب والسخط والتوق إلى العدالة في وجه مؤسسة مثل الكنيسة الكاثوليكية تنكر وتخفي وتغطّي وتتكتّم على آلاف وآلاف الحالات الموجودة في جميع أنحاء العالم. كل منهم في رحلة مختلفة لمواجهة ماضيه وإيجاد طريقة للشفاء أو على الأقل إيجاد طريقة للتعامل مع الصدمة. في مرحلة ما، إذا كان "إحياء" تلك اللحظات يعمل كتجربة تنفيسية، إذا أخذتهم، كما تقول المعالجة النفسية في الفيلم، خارج موقع الضحية وحوّلتهم إلى ناجين، وإذا ساعدهم ذلك على التأقلم بشكل أفضل مع التجارب الرهيبة من طفولتهم. عندها يستحق الفيلم كل هذا العناء. يمكن للمرء المجادلة في بعض الأشياء حول الفيلم نفسه، لكن ينتفي الاستفهام حين رؤية التأثير الشافي الذي يبدو أن هذه العملية تمنحهم إياه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها