الجمعة 2021/11/05

آخر تحديث: 14:39 (بيروت)

المفتي حسون راثياً صباح فخري: رفض أن تسرقه الدول!

الجمعة 2021/11/05
المفتي حسون راثياً صباح فخري: رفض أن تسرقه الدول!
المفتي ملقياً خطبته فوق جثمان الفنان الراحل (غيتي)
increase حجم الخط decrease
استثمر النظام السوري، وفاة المغني الحلبي صباح فخري، قبل أيام، من أجل تلميع صورته كراعٍ للفن في وجه "الإرهاب" الذي تمثله المعارضة، إلى جانب تقديم مقولات سياسية حول الثورة ومستقبل البلاد.

وفيما لم يحضر رئيس النظام السوري بشار الأسد، الجنازة، وحضرها عدد من الوزراء في الحكومة السورية، ومجموعة من الفنانين مثل سلاف فواخرجي وأحمد رافع، فإن مفتي النظام أحمد بدر الدين حسون كان النجم الدعائي الأول في المناسبة، إذ نعى فخري كمنطلَق لذمّ المعارضين، والحديث عن معنى الوفاء من ناحية "البقاء في حضن الوطن".

وتحدث حسون عن أن فخري "ولدته حلب واحتضنته دمشق، وأرسلته إلى العالم صوتاً جميلاً وكلمة رائعة هادفة في الفن الذي أطلقته سوريا"، في استمرار للضخ الإعلامي الذي يقول أن البلاد ترعى الفن المجتمعي النظيف والهادف، طوال عقود من حكم الأسد، رغم أن الواقع مختلف، حيث تراجعت الحريات بما في ذلك حرية التعبير الفنية في البلاد، وتم تفريغ المشهد الثقافي والإعلامي من المواهب لصالح الولاءات السياسية، كما يظهر بوضوح في نقابة الفنانين التابعة للنظام التي تفصل وتمنع من العمل، كل من يخالف "القيادة الحكيمة" ولو بكلمة واحدة.



وأكمل حسون، الشهير بتحويل خطاباته الدينية إلى خطابات سياسية تمجد جيش النظام، بأن فخري رفض الحصول على جنسيات أخرى من دول كانت تحاول "سرقته" من سوريا، وأنه رد عليهم بأن "من ينسى جذوره لا فروع له ولا أزهار". لا يمكن التحقق من صحة ذلك، أو إن كانت مجرد أكاذيب يسوقها حسون من أجل تمكين خطابه، إلا أنه في الحالتين يبقى منسجماً مع السردية الرسمية التي ترى في مغادرة البلاد خيانة للنظام تستوجب العقاب.

ولم يكن من الغريب بالتالي أن يكمل بأن "بقاء فخري في سوريا، هو رسالة لكل من يحمل رسالة العلم والفن والتجارة، وإلى الذين تركوا سوريا، وأن ما حدث فيها من قتل ودمار ليس من أبنائها إنما من أعدائها، مطالباً إياهم بالعودة وحماية سوريا بدمائهم". علماً أن موقف فخري من الثورة السورية كان سلبياً، لكن المعارضين للنظام يقولون أنه لم يكن بكامل قواه العقلية خلال السنوات العشر الماضية، فيما استغل ابنه أنس ذلك على مستويات عديدة.

واعتبر المفتي، أن تكريم الأسد لفخري العام 2007، "أغلى" من أي أوسمة كان ليحصل عليها في الخارج، وأن تكريمه اليوم هو "تكريم لكل دماء الشهداء التي صمدت في سوريا، ومكافأة للفنان على إصراره في الإبقاء على جنسيته السورية، وهي رسالة لكل أبناء سوريا بالعودة إليها، فالعز والسيادة في الوطن وليست خارج الوطن"، حسب تعبيره.

وبالطبع فإن ذلك كله يبقى مجرد أوهام، لأن الحياة في البلاد تكاد تكون مستحيلة، مع انقطاع الكهرباء الذي يستمر لأكثر من 20 ساعة يومياً والطوابير التي تحتشد في المدن من أجل الحصول على الخبز والبنزين، وانعدام مقومات الحياة الأساسية عموماً، فيما تصل نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 85% حسب الأمم المتحدة، إلى جانب المشاكل الأمنية والسياسية بطبيعة الحال.

ومن المثير للاهتمام أن كل هذا العداء لـ"الخارج" في خطاب حسون، قابله احتفاء بنشر وسائل إعلام أميركية لتقارير إخبارية، معظمها كان نقلاً عن وكالة "أسوشييتد برس" لا أكثر، اعتبرتها صفحات واسعة الانتشار في "فايسبوك" يديرها عاملون في وزارة الإعلام السورية، "نعوة للفنان الكبير".



والمفارقة أن الخطاب الإعلامي للنظام السوري، والممانعة ككل في الواقع، يتميز بتناقض مذهل في شتم الغرب من جهة، والاستماتة في الاعتماد عليه من جهة ثانية، حتى في حالات محزنة مثل الوفاة. ويعني ذلك أن إعلام النظام لطالما هاجم الصحف وشبكات الإخبار الغربية بالاسم من "نيويورك تايمز" إلى "سي إن إن"، بوصفها "شريكة في سفك الدم السوري" و"قائدة للحرب الإعلامية على الدولة السورية" وغيرها من العبارات الجوفاء، لكن تلك الوسائل تصبح فجأة منبراً للحقيقة التي "يحاول السياسيون إخفاءها عن الشعوب" عندما تنشر ولو كلمة تفيد الدعاية الرسمية، ويتم التركيز على جزئيات في النصوص الغربية وإهمال كل ما يمكن أن يسيء للسردية الحكومية. ويشكل ذلك في جوهره المعنى الحقيقي للبروباغندا.

وبالتالي فإن العداء للولايات المتحدة تحديداً لا يصبح عداء ثقافياً لكون البلاد "شريرة" أو لأن قيمها "الليبرالية" خطر على "الإسلام" و"قيم المجتمع"، بل لأن واشنطن ببساطة لا تعطي تلك الدول الظلامية غطاء سياسياً لممارسة إجرامها ضد شعوبها بصمت. وتصبح المسألة مع مرور الوقت عقدة متراكمة لا يمكن حلها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها