الثلاثاء 2021/11/16

آخر تحديث: 18:00 (بيروت)

لماذا استجداء التغيير في لبنان من المغتربين؟

الثلاثاء 2021/11/16
لماذا استجداء التغيير في لبنان من المغتربين؟
اقتراع المغتربين اللبنانيين في أبيدجان (أرشيف - غيتي)
increase حجم الخط decrease
انتشر فيديو مدته 38 ثانية موجّه إلى المغتربين اللبنانيين. وهو مفعم بصور متلاحقة لمَشاهد مودّة وحنان وبذل، تصاحبها موسيقى رشيقة مشوّقة توحي بأن التغيير حاصل لا محالة، علماً أن هذا العمل المصوّر لا يدعو إلى تغيير. هو يحمل المغتربين اللبنانيين على التسجيل للانتخابات النيابية المرتقبة في 27 آذار/مارس. أما الدعوة إلى التغيير، فهي من ضمن حملات التسجيل المصاحبة لحض لبنانيي الشتات على المشاركة بكثافة في الاقتراع، لعلّهم وعساهم يغيّرون الأوضاع في الداخل.

وأول سؤال يتبادر إلى الأذهان حيال هذا التمني هو "هل نفدت كل احتمالات التغيير في لبنان لكي يُلقى بهذا الحمل على مغتربيه؟".
 

يحتوي الفيديو على نص مكتوب بالإنكليزية ومترجم إلى العربية، تتعاقب جُمَله مع تعاقب الصور فتقول: "دعمتونا معنوياً / دعمتونا بالبضائع / دعمتونا بالدوا / دعمتونا مادياً / دعمتونا بالحب / بس اليوم / الدعم يلي نحنا بحاجة إلو / اكتر من اي شي تاني / هو صوتكم / صوتكم بيعمل كل الفرق"... وتقفل الموسيقى بضربة صنوج جامدة وحاسمة.

والحال المزرية في لبنان تجعل المُشاهِد يخال لوهلة أن القصد مما جاء في الشريط هو ألاّ ينقطع المغتربون عن تقديم كل أنواع الدعم المذكورة، وأن يضيفوا عليها مهمة الاقتراع لإحداث تغيير.

كانت تكفي الدعوة إلى التسجيل للاقتراع والتشجيع عليه مع المطالبة بجعل نظام التسجيل أقل تعقيداً. وحبّذا لو بلّغ الفيديو المغتربين بحصول تغيير في لبنان أولاً، لكان أكثر جدوى وتشجيعاً. فهذا الشريط لا يعدو كونه وسيلة تسوّل إضافية على سابقاتها التي ازدادت وتيرتها مع بدء الانهيار وشروع مسؤولين، كل من موقعه الحصين، في مطالبة لبنانيي الشتات بإرسال ما تيسّر من الدولارات لمساعدة أقاربهم المقيمين، وهذا ليس بجديد لكنّه كُرّس كعملية مسترسَلة لا نهاية قريبة أو بعيدة لها… فهل تنتهي ذات يوم بقيام الاغتراب مقام "الدولة"؟!

وفي المقابل، ذهب مسؤولون آخرون إلى الجهات الأربع أيضاً للاستجداء. وعادوا محمّلين بشروط الدعم، ولكنها شروط تدفع الأطراف في الداخل إلى مزيد من التناحر. وهذا بدوره ما يجعلهم يتوجّهون نحو مزيد من الاتكال على المغتربين الذين، بسبب العاطفة وروابط القربى، لا يقوون على تصعيب العيش على عوائلهم المقيمن أكثر مما هو صعب، فيهبّون للمساندة. وهكذا، تكون السلطة ولفيفها قد ألقت بمسؤولياتها في قيام دولة لإدارة شؤون الناس، على أكتاف المغتربين، وغدا الكل يدور في دوّامة "الشحادة".

ومع صدور دعوات كثيرة إلى التسجيل من جهات مختلفة ومنها السلطة ولفيفها، أصبح التغيير مقترناًً في شكل ثابت وجلي بالمغتربين. على الأقل هذا ما يتردّد في مقالات كثيرة ولقاءات حضورية ورقمية، فضلاً عن آراء تفيد بأن استحالة التغيير من الداخل جعلت الأنظار تتجه نحو دول الاغتراب، فـ#الاغتراب_قوة، كما يقول الهاشتاغ.

المشهد السياسي الاغترابي
طُرحت المسألة إياها خلال لقاء جمع مغتربين لبنانيين في مونتريال، دعت إليه قناة "أم تي في". ولعل الحاضرين عبر الشاشات في الداخل والشتات، لاحظوا أن شيئاً لم يتغيّر بالفعل، أقلّه في العقليات: القواتيون والعونيون والمستقبليون، هم هم، في لبنان كما في مونتريال، يتحاذقون، جرياً على عاداتهم أثناء لقاءات كهذا، لتسجيل النقاط على بعضهم البعض. لم يأت هؤلاء، ولا حتى المستقلّين، بأي جديد خلال الحلقة الرابعة من حلقات سبر أغوار الاغتراب، ولو من باب التأثر ببلد ديموقراطي، الانتخابات فيه أحد واجبات المواطن، بينما من واجبات السياسي تقديم برامج وخطط يُنتخَب على أساسها، ويُحاسَب إذا أخفق.

أما الثوار، في الداخل كما في الشتات، فعلى حالهم في محاولات لملمة بعضهم بعضاً، وفي صوغ البرامج ونسج التحالفات. هم وحدهم، في تلك الحلقة المونتريالية، تحدثوا بمنطق مختلف  -لكنه قطعاً ليس جديداً- في محاولة منهم لكسر الخوف من التغيير. وهو خوف مزمن يشلّ اللبنانيين الذين ما زالوا مقتنعين بأن الحلول تأتي من زعاماتهم وأحزابهم وطوائفهم. وهو خوف يكبّل أيضاً الساعين إلى التغيير.

على أي حال، التغيير صعب وشاق، وطريقه وعرة، وهو الأمر الذي يقرّ به شطر من الثوار ممن يطمحون إلى تحقيق تقدّم، ولو معنوي، على السلطة والمعارضة، أقلّه في دفع أعداد كبيرة إلى الاستعداد للاقتراع.

ولا يغفل هؤلاء الشباب عن أن الانتخابات النيابية مهددة بالفشل في حال قررت السلطة والمعارضة إلغاءها برمّتها، أو منع الشتات في المشاركة فيها. ذلك أن الذين يفصّلون قوانين انتخابية على مقاساتهم ولا يواجَهون أو يردَعون، يستطيعون عند الضرورة تنفيذ ما يناسبهم. كما أن الحديث الذي كان، عن فرض 6 نواب للشتات، ينطوي على تقليص لاحتمالات التغيير وتضارب مع عمل السفراء وعلى هدر أموال بلا طائل. 6 نواب، لو أقِرّ انتخابهم سيكونون على صورة السلطة ولفيفها ومثالها، وبلا تأثير أو وزن. وحينما طار هذا الاقتراع العَوني، لم يتغير الكثير في الاستنتاج.

من يريد التغيير فعلاً؟
ينبري الأطراف المعنيون بالعملية "التغييرية" للبحث عن مصادر رياح تحرّك طواحين التغيير. ومما جاء أعلاه، يبدو أنهم وجدوا مصادر كثيرة، لكنها كلها تهبّ من خارج حدود الوطن.

ففي الداخل، لا يبدو أن أحداً يريد أن يبدأ بتغيير نفسه أولاً، لا السلطة ولا المعارضة ولا المستقلون ولا الثوار، بدليل أن كلاً منهم باقٍ على حاله وعلى موقفه من مجمل القضايا ومن "الآخرين"... إلاّ قلة من المغامرين والمتمرّدين المنفتحين الذين يسعون بصمت.

فالمستقلّ يصرّ على النأي بنفسه وغالباً ما يحسبها بيضة قبّان. الثوار يحْذَرون بعضهم بعضاً وينأون عن التعاون غير المحسوب "على البِكْلة" أو عن التشبيك مع جهات من خارج حلقاتهم المألوفة أو ينقسمون في أي وقت إلى نُتفٍ سائغة. والمعارضة كعادتها تتواطأ مع السلطة في دحر أي محاولة لزعزعة مغانمهم من الدولة، وتتعاون أيضاً معها على قطع الطريق على أي غرٍّ يتسلّل إلى الشأن السياسي، إلاّ إذا استطاعوا تدجينه.

أما "حزب الله"، الطرف الأساسي في السلطة، فهو الثابتً العصيُ على التغيير في تكوينه. وليس لديه أي سبب للتغيير، كونه، في كل جردة حساب وعند كل مفصل ومنعطف ومناسبة، يعلن أنه "كان معنا حق…". وفي مقابله، هناك أيضاً الأطراف المتغيّرة في مواقفها ومصالحها. وهذه بدورها عصية على الإحصاء، نظراً لوتيرة تنقّلاتها، وهي أيضاً عصية على الحصر، إذ لا ضمان لبقاء الأطراف نفسها ثابتة في لحظة معيّنة قبل أن تتبدل. ويروق لتلك الكيانات المتحولات أن يكون ثباتها في تغيّراتها.

في المحصّلة، إذا كان أحداً، في الداخل، لا يرغب في التغيير أو ينوي عليه، فكيف يتحقق التغيير؟ أنوف كثيرة تتنسّم رياح التغيير من الخارج، من إيران، روسيا، الولايات المتحدة، أوروبا، تركيا، إسرائيل، الصين... وحتى من دول الخليج التي أعلنت أخيراً نفض أيديها عن لبنان. إلاّ أن ذلك الخارج المشار إليه، يضع شروطاً، تلبيتها متفجّرة، ولا أحد يريد أن يتحمّل مسؤولية تفجير الأوضاع تفجيراً مدمّراً، حالياً على الأقل.

لذا، لم يبق للسلطة ولفيفها إلاّ أن توهم اللبنانيين بأن رياح التغيير ستهبّ عبر مضيق الاغتراب. وعلّة الاغتراب أن صراعاته صورةٌ طبقاً للأصل عن صراعات الداخل، فضلاً عن سهولة سد ذلك المضيق، بكل وسائل التعطيل وممارساته وذرائعه المجرّبة سابقاً، لو أتت الرياح بما لا تشتهيه مصالح أطراف الداخل المتناحرة والمتواطئة والمتقاربة والمتباعدة والمتغيّرة والثابتة.

في هذه الأثناء، تتقهقر أوضاع اللبنانيين المقيمين نحو الأسوأ، ويأتي الفيديو إياه، مهما كانت الجهة المنتِجة ونوايا صانعيه، ليعطيهم جرعة أمل فاسدة، هم في غنى عنها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها