الأربعاء 2021/11/10

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

بعثيون يحيّون "الروح الوثابة" للإمارات بعد عودتها لحضن الأسد

الأربعاء 2021/11/10
بعثيون يحيّون "الروح الوثابة" للإمارات بعد عودتها لحضن الأسد
الأسد مع وزير الخارجية الإماراتي في دمشق
increase حجم الخط decrease
يتقلب موالو النظام السوري بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الخاطفة إلى دمشق، بين أغنيتين للمغنية اللبنانية نوال الزغبي: "مش مسامحة" و"خلاص سامحت"، في مشهد يلخص كيف يغير نظام الأسد خطابه الإعلامي حسب تغير المعطيات السياسية من حوله، لأنه بعد سنوات من الحديث عن عدم عروبة سوريا مقابل مشرقيتها كدولة ممتدة في عمق التاريخ، عاد إلى الحديث عن العروبة كمرجعية ثقافية تحدد هويته كنظام سياسي.

وفيما كان المعارضون عموماً يتحدثون عن فظاعة التطبيع العربي مع نظام متوحش أباد شعبه طوال عشر سنوات، وإن لم يكن ذلك مفاجئاً لهم نظراً لدور أبوظبي الإقليمي المعروف كقائدة لمحور الثورات المضادة بعد الربيع العربي ولكون الإمارات أول دول عربية أعادت فتح سفارتها في دمشق العام 2018، فإن الموالين بدوا حائرين أمام المشهد بعد سنوات من الضخ الرسمي المعادي للدول العربية، وحافظوا بالتالي على مزيج متباين من المشاعر تجاه "عربان الخليج" مثلما كانت الشاشات الرسمية في سوريا تصف الحكام الخليجيين، طوال سنوات، من منطلق أنهم "شركاء في المؤامرة الكونية على سوريا" و"أدوات للمخطط الصهيوأميركي" في الشرق الأوسط.



ونظراً لذلك استمر البعض في تقديم تعليقات حادة اعتبرت الإماراتيين غير مرحب بهم في البلاد بينما قدم آخرون رؤية أكثر تفاؤلاً وتسامحاً من باب الأخوة والأخلاق العربية الأصيلة، فيما كان لافتاً اختفاء الأصوات الأكثر راديكالية من مواقع التواصل عن التعليق، وكأن توجيهات رسمية موحدة جعلت الصوت الموالي في العموم مقتصراً على تبادل خبر الزيارة نقلاً عن "سانا"، لا أكثر. ووصل ذلك إلى الإعلام الرسمي نفسه الذي كانت الزيارة غائبة عنه إلى حد كبير باستثناء الجانب الخبري منها وتلاوة البيانات الرسمية الصادرة عن رئاسة الجمهورية.

يعاكس ذلك الصورة التي تتبادر للأذهان عند سماع خبر الزيارة رفيعة المستوى وهي الأولى لمسؤول إمارتي إلى دمشق منذ العام 2011، فالتعاطي الإعلامي الباهت يخالف ما جرت عليه العادة من مبالغة. واختفت بالتالي العبارات الطنانة ورقصات الدبكة وحتى كلمات المديح لرئيس النظام بشار الأسد الذي "يهرول العرب عائدين إليه". وتبدو الزيارة من هذا المنطلق ذات جوانب اقتصادية متعلقة بخطوط الغاز والطاقة التي يجري الحديث عنها في المنطقة، أكثر من كونها زيارة سياسية بحتة.

يدرك النظام تلك الحقيقة ويرضى باللعب على النفس الطويل إعلامياً ودبلوماسياً، مع كل الأطراف، من أجل إبقاء نفسه على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، فيما تصعب عملية تعويم النظام عربياً إلى حد كبير لعدم سيطرته على كامل الأراضي السورية من جهة، وتحوله من جهة أخرى إلى مجرد واجهة للقوى الداعمة له: إيران وروسيا خارجياً وشبكة الميليشيات ورجال الأعمال المرتبطة به داخلياً، بالإضافة للرفض الأميركي والأوروبي لذلك التعويم مثلما بدا على الأقل في التصريحات الرسمية بهذا الخصوص، مع عدم وجود أفق سياسي للحل في البلاد، بسبب تزمت النظام طوال سنوات بهذا الشأن.



ورغم كل ذلك تبقى الزيارة ككل مثيرة للنكات والسخرية بسبب كمية التناقضات التي تحتويها، فمن جهة تقود أبو ظبي محور التطبيع مع إسرائيل في وقت يقدم فيه نظام الأسد نفسه واحداً من قادة دول محور الممانعة. ومن جهة أخرى كان النظام يقدم معارضيه على أنهم عبيد منبطحون أمام "البترودولار" فيما يقوم هو اليوم بذلك بدليل افتتاحية جريدة "البعث" الرسمية التي حملت عنوان "خطوة عربية أصيلة" وامتلأت بعبارات الثناء للقادة الخليجيين الذين تجاوزوا "كبوات التاريخ" أخيراً بفعل "الروح الوثابة" التي يمتلكونها.

يصل الأمر إلى حد فكرة الهوية ومعنى الدولة السورية أيضاً، حيث كانت العروبة فكرة دافع عنها النظام طوال عقود، لكنه تخلى عنها بعد الثورة السورية بشكل واضح بعد طرده من جامعة الدول العربية ومقاطعة تلك الدول له. وتجلى ذلك في إحياء التراث السوري الآتي من الحضارات الأولى التي قامت في المنطقة، على الشاشات الرسمية والتي بلغت ذروتها العام 2016 في الاحتفال الرسمي بعيد السنة الآشورية "أكيتو"، وهو أحد الأعياد الممنوعة في البلاد على غرار عيد النوروز الكردي، قبل ذلك.

لكن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري ودول عربية منذ العام 2018، أفضت إلى عودة حاسمة نحو الفكر العروبي، كما أن الثقل الذي باتت تمتلكه وزارة الأوقاف السورية في البلاد، شكل دفعة إضافية لتبني الخطاب العروبي مجدداً، لأن الخطاب الديني يمزج دائماً بين الإسلام والعروبة. وهو ما تجلى في خطاب لوزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد العام الماضي  قال فيه أنه "لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام" فيما كان الأسد شخصياً أكثر وضوحاً عندما قال في خطاب العام الماضي أن الدولة السورية هي دولة عربية حصراً في رده على على الدعوات التي تحدثت طوال السنوات الماضية عن أن سوريا ليست بلداً عربياً بل بلد غزاه العرب بعد الإسلام فقط.

ومن المثير للسخرية أن النظام قدم كل ذلك من باب شعارات حزب "البعث" الحاكم لتحقيق الوحدة العربية رغم أن مشروع القومية العربية انهار منذ سنوات طويلة وأثبت فشله وعدم واقعيته. وبهذا يرجع إلى جذوره ويتخلى مجدداً عن رغبته في تقديم نفسه كنظام متحضر حام لثقافات متعددة في بلد يحتوي طوائف إثنية ودينية متعددة، وإن لم يكن ذلك مهماً تماماً طالما أنه لا يحكم إلا من خلال القوة بوصفه مجرد ميليشيا تتحكم بالسلطة بدعم من قوى خارجية.

وبما أن حكام الإمارات يحبون كيل المديح لهم فمن اللائق هنا رفع القبعة لهم على تمهيدهم لهذا التطبيع مع النظام الأسدي المسؤول عن مقتل نصف مليون شخص وتهجير 12 مليوناً آخرين، عبر التطبيع أولاً مع نظام أقل إجراماً ربما هو إسرائيل، كي لا يكون الخبر صاعقاً ومؤلماً للمتابعين. سخرية لا بد منها لأن المشهد ككل يبقى محزناً ومخزياً في وقت واحد.


وهنا، أعاد معارضو النظام حديثهم عن انحسار الثورة السورية والمعارضة بشكل عام، تدريجياً خلال السنوات الماضية، ورأوا في الزيارة نهاية رسمية للثورة السورية، التي تآمرت عليها قوى إقليمية ودولية قادت الثورة المضادة للربيع العربي. وكانت الحسرة واضحة في عشرات التعليقات التي رأت في سياسة الإمارات الخارجية، نهاية للربيع العربي وأحلام جيل بكامله رغب في التحرر من الدكتاتوريات التقليدية وبناء مجتمعات ديموقراطية.

وكانت الدول العربية، بما فيها الإمارات، قطعت علاقتها مع النظام السوري في بداية الثورة العام 2011، على المستوى الدبلوماسي، أي إغلاق السفارات، بسبب استخدامه القمع ضد المتظاهرين السلميين. وأغلقت الإمارات بالتحديد سفارتها العام 2012 تزامناً مع إجراءات مماثلة اتخذتها عدة دول عربية وغربية، نتيجة قرارات غير ملزمة من جامعة الدول العربية بنزع الشرعية عن نظام الأسد، لكن على عكس تلك الدول، أبقت الإمارات قسماً قنصلياً في السفارة السورية في أبو ظبي قيد الخدمة، من أجل تقديم الخدمات للجالية السورية الموجودة على الأراضي الإماراتية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها