الإثنين 2021/11/01

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

عنصرية سامر وحود: توقفوا عن جعل الحمقى مشهورين

الإثنين 2021/11/01
عنصرية سامر وحود: توقفوا عن جعل الحمقى مشهورين
نجم "يوتيوب" السوري سامر وحود.. صاحب قناة "ابن سوريا"
increase حجم الخط decrease
من الطبيعي أن يتساءل أي شخص عن مصير الأموال التي جمعها نجم "يوتيوب" الكويتي الشهير "أبو فلة" من أجل اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط، تحديداً سوريا، كنوع من الرقابة والبحث عن مزيد من الشفافية فيما يخص حملات الأمم المتحدة والتمويل والمنظمات غير الحكومية، لكن من غير الطبيعي أن تصل تعليقات "مؤثرين" محليين حد وصف تلك الأموال بأنها "حرام" وفق التعبير الإسلامي الكلاسيكي لأن المتبرعين بها هم من "الراقصات والديوثين والتافهين".

هذا المزيج من الكراهية والحقد والعنصرية قدمه نجم "يوتيوب" السوري سامر وحود صاحب قناة "ابن سوريا"، مهاجماً زميله الكويتي الذي يتابعه أكثر من 20 مليون شخص في "يوتيوب"، بدافع من الغيرة أو الحقد الشخصي أو غير ذلك. لا يهم. المهم هو الطريقة العنصرية التي يعبر بها عن أفكاره التي تخالف حتماً الشروط المجتمعية في "يوتيوب" حيث يقدم فيديوهات الألعاب الإلكترونية منذ سنوات لنحو سبعة ملايين مشترك في قناته التي اشتهرت بلعبة الموبايل العنيفة "ببجي".

وفيما جمع "أبو فلة"، واسمه الحقيقي حسن سليمان، أكثر من مليون دولار أميركي ضمن حملة "دفي قلوبهم" الهادفة لتوفير الإغاثة الشتوية لنحو 6 آلاف أسرة لاجئة ونازحة، أي أكثر من 17 ألف شخص، بالتعاون مع مع مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، اعتبر وحود المشهد استعراضاً وتلاعباً بمشاعر الضحايا من أجل كسب الأموال والشهرة. بالطبع لم يقدم هو شخصياً على الهواء أي مساعدة للاجئين كما يقول لأنه لا يريد المتاجرة بالسوريين الذين يجب أن يحافظوا على "عزة نفسهم" و"كرامتهم" وغير ذلك من المصطلحات الخالية من المعنى.



ينظر وحود إلى القضية السورية على أنها تريند يجذب الأموال، وذلك كان صحيحاً قبل سنوات عندما كانت الحرب مستعرة وكانت صور المعاناة السورية تنتشر في كل مكان عبر الإعلام والإنترنت، لكن القضية السورية تراجعت سياسياً وإعلامياً ولم يعد المشهد السوري حاضراً. وتعتبر مبادرة أبو فلة مع الأمم المتحدة واحدة من مبادرات قليلة في السنوات الأخيرة استطاعات حصد متابعة واسعة. وبالتالي فإن الأجدى بشخص يتبجح بالحديث عن مصلحة السوريين، بوصفه واحداً ممن عانوا خلال الحرب، أن يكون مساعداً لتلك القضية بدل لوم الآخرين وتوجيه الاتهامات لهم لمجرد محاولتهم المساعدة.

على أن نموذج التفكير الذي يقدمه وحود ليس غريباً بل تمتلئ به غروبات السوريين في "فايسبوك" ونقاشاتهم الإلكترونية عموماً. الحديث الدائم عن الكرامة وعزة النفس والأنفة واضطرار قبول المساعدة من "ألكفار" و"دول الغرب" وغير ذلك، يعطي دائماً لمحة عن عنصرية عميقة ضمن المجتمع السوري لا يتم الحديث عنها كثيراً وتأخذ شكل "نزعة تفوق" تقول أن السوريين "خير أمة أخرجت للناس" من عدة زوايا: دينية إسلامية لكون دمشق حضرت في نبوءات دينية عن نهاية العالم ومسيحية من ناحية كون البلاد مهداً قديماً للمسيحية حيث مازالت قرى في القلمون السوري تتحدث السيريانية، وسياسية/ثقافية بسبب عقود من الحكم الشمولي الأسدي الذي عمل على تكريس تلك الفكرة بشكل ممنهج.

ومن المستفز حقاً وصف الأفراد المتبرعين من أموالهم الخاصة، مهما كانت مهنتهم بأنهم "ديوثون" و"راقصات" و"تافهون". من قال أن الرقص مثلاً مهنة أو هواية معيبة! ومن المقزز استعمال كلمات تحقيرية مليئة بالذكورية السامة ليس للسخرية والتقليل من شأن الآخرين بل لتقديم الشخص نفسه على أنه أعلى مرتبة أخلاقياً. هذا بالتحديد ما يثير الاهتمام لأن الحرب السورية طوال عشر سنوات كشفت عن أزمة أخلاقية عميقة ضمن المجتمع السوري المحافظ عموماً. حيث لم ينجح الدين الذي يتبجح كثيرون بأنهم يعتنقونه بتكوين أخلاق فردية معاصرة، مقارنة بفكرة الأخلاق المجتمعية الرجعية التي تخنق الأفراد وحرياتهم الشخصية.

ووحود بالتالي هو مجرد نتيجة أخرى تدفعها البشرية كضريبة للتطور التكنولوجي، حيث سمحت مواقع التواصل الاجتماعي للأفراد بالظهور والبروز وتحقيق الشهرة، حتى لو لم تكن لديهم أي مقومات حقيقية لذلك. يكفي أن تكون ثقيل الظل وأن تبتكر مفرداتك الخاصة التي تكررها ثم تتحدث عبر فيديوهات "شخصانية" عن أسخف تفاصيل الحياة اليومية، وستحظى بأكبر عدد من المعجبين والمتابعين، والكارهين الذين يمثلون أكبر عنصر في الانتشار عبر السوشيال ميديا

الجدل بحق وحود يستمر دائماً، ففي العام 2019 طالته اتهامات بمبايعة تنظيم "داعش" الإرهابي وانتشرت صور ومقاطع فيديو له وهو يحمل أسلحة ويرتدي خواتم عليها شعارات التنظيم، من دون أن يعرف حينها إن كانت الصور مركبة أم حقيقية، كما أثار الجدل بين السوريين في نفس العام بسبب استضافته للفنان الموالي للنظام حسام جنيد صاحب أغنية "يا ريتني عسكري، في أحد فيديوهاته، داعياً لفصل السياسة عن لعبة "ببجي"، معتبراً جنيد الذي تغنى مراراً بجرائم نظام الأسد "ابن بلده".

وفيما يهاجم كثيرون وحود منذ سنوات بسبب ابتعاده عن تصوير معاناة السوريين في قناته ذائعة الصيت، هو الذي اختارته الشركة المنتجة لـ"ببجي" ناطقاً باسمها في الشرق الأوسط قبل عامين، فيما يكره آخرون السماجة التي يقدمها ضمن مقاطع الفيديو الخاصة به أو المحتوى العنيف في الألعاب التي يلعبها، لكن المشكلة الأكبر هي ضحالة كل ما يقوم بتقديمه للجمهور العام، وعدم وجود أفكار أساساً في كم الثرثرة التي يحرص على تقديمها.

ولعل المشكلة الأساسية في نموذج وحود ومن قبله مؤثرون سوريون في مواقع التواصل مثل محمود بيطار، الذي نصح السوريين في أحد الأيام بالبقاء في بيوتهم أو ما تبقى من أنقاضها وألا يفكروا باللجوء إلى السويد على عكسه تماماً، هي العلنية والنشر على أكبر مستوى ومحاولة اصطياد الجمهور العام وتحصيل الشهرة بأي وسيلة، وبالتالي لا تغدو المسألة أكثر من تشويش آخر حول طبيعة استخدام السوشيال ميديا بين العام والخاص، وبين ما ينبغي نشره ومتابعته وما ينبغي تجاهله، وعليه ليس مستغرباً أبداً أن يرفع كثيرون من السوريين هذه الأيام شعار "توقفوا عن جعل الحمقى مشهورين".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها