الإثنين 2021/11/01

آخر تحديث: 14:16 (بيروت)

ريمي داييه.. ماذا لو نجح مخططه الانقلابي في فرنسا؟

الإثنين 2021/11/01
ريمي داييه.. ماذا لو نجح مخططه الانقلابي في فرنسا؟
increase حجم الخط decrease
"إحباط محاولة انقلابية"، خبر قد يظهر على وسائل الإعلام في أي وقت، فعادة ما تجري الانقلابات في بلدان غير ديموقراطية أو ضمن الديموقراطيات طرية العود. العجيب أن يكون المقصد من هكذا عنوان، دولة مثل فرنسا التي تعرف منذ عقود تداولاً سلمياً للحكم.

صحيفة "لو باريزيان" كشفت الأسبوع الماضي عن تفاصيل المخطط الذي حمل إسم "عملية آزور". العقل المدبر يدعى ريمي داييه، سعى من خلاله إلى استهداف مراكز التلقيح ضد فيروس كورونا كما قطع شبكة الإنترنت لإحداث بلبلة في مرحلة أولى، على أن تتوج العملية باحتلال قصر الإليزيه والاستيلاء على إحدى الوسائل الإعلامية. بناءً على تحريات المديرية العامة للأمن الداخلي، عمدت الأجهزة الفرنسية إلى توقيف داييه إلى جانب 14 شخصاً آخر بتهمة الإرهاب.

ورغم اهتمامها بتغطية الخبر، لم تعمد وسائل الإعلام الفرنسية إلى التهويل أو حتى تخصيص مساحة ضخمة له، مقارنة مع التغطية الإعلامية التي حظيت بها عريضة الجنرالات الفرنسيين المتقاعدين الذين لوحوا، في نيسان/أبريل الماضي، بانقلاب عسكري. فالعناوين التي اختارتها صحف ومواقع إخبارية، تدفع إلى الاستنتاج أن ما كان يتم التحضير له لم يرقَ إلى الجدية المطلوبة: صحيفة "Libération" صنفت العملية في خانة "الهذيان". وعبر موقعها الالكتروني وصفت إذاعة "Europe 1" مخطط داييه بـ"الجنوني". من جهتها قللت صحيفة "Marianne" من شأن داييه بعدما اكتفت بتقديمه في إحدى مقالاتها كـ"يوتيوبر".

وتساءلت الصحيفة المذكورة في المقال نفسه، عن فرص نجاح المخطط، فخلصت إلى ضرورة توافر عاملين اثنين لنجاحه: أولاً عنصر المفاجأة، وثانياً مشاركة شخصيات من قلب الدولة الفرنسية، كجنرلات الجيش القادرين على تحريك وحدات عسكرية. وعليه، حُكِم على مخطط داييه بالفشل المسبق بعدما قرر الاعتماد على "الشعب" لتنفيذه، هذا من دون الأخذ بعين الاعتبار افتقاد هذه الأعمال لاستحسان الرأي العام والشارع الفرنسي. خلاصة تفسر التغطية الإعلامية على هذا النحو.

لكن لو تم التسيلم جدلاً بنجاح الانقلاب، كيف كان سيكون شكل فرنسا تحت حكم داييه؟ في الواقع، لا حاجة إلى تحليلات للإجابة عن هذا السؤال، حيث لجأ داييه، طيلة سنوات، إلى وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لعرض رؤيته لمستقبل البلاد يوم سينجح "بقلب الطاولة". لم يُخفِ يوماً نيته الانقلاب على الحُكم مبتعداً بذلك عن السرية التي يفترض أن تواكب مخططاً كهذا، ما يحيل إلى غياب عنصر المفاجأة الذي ذكرته "Marianne". تصرف يعكس شخصيته غير المتزنة.

والحال أن داييه (57 عاماً) شارك مطلع التسعينيات في حرب الاستقلال الكرواتية كمتطوع. لم يُعرف له أي نشاط سياسي قبل العام 2007 حين انتسب إلى حزب "الحركة الديموقراطية"، الحليف الأبرز لإيمانويل ماكرون اليوم. في حينها سعى إلى تكوين جماعة حوله خصوصاً بعد توليه بعض المسؤوليات التنظيمية، كما اتسمت مواقفه بالتطرف الشديد لتصل إلى حد الفاشية. حاول قيادة تحركات عمالية، لكنه لم يلق المساندة المطلوبة من النقابيين بعدما تيقنوا أن كل ما يبتغيه هو الظهور الإعلامي.

لم تمض ثلاث سنوات حتى طرد من الحزب إثر تسريبه تسجيلاً صوتياً لأحد الاجتماعات الداخلية. عقب هذه التجربة الحزبية السريعة، بدأ ببث افكاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات. مواد أزيلت من قبل القيمين على المواقع.

بالاستناد إلى ما كان ينشره، يلاحظ أن حجر الزاوية في شخصية داييه يتجسد بانحيازه الأعمى لنظريات المؤامرة المتعددة. في إحدى مدوناته حثّ الأهل على اللجوء إلى التعليم المنزلي عوضاً عن إرسال أولادهم إلى المدارس التي باتت "مرتعاً للمتحرشين بالأطفال وتجار المخدرات". كما رأى فيها بيئة لغسيل الدماغ من قبل الحكومة.

لم يكتف داييه بالمدونات، بل استعان بـ"يوتيوب" وتطبيق "تيلغرام" من أجل الترويج "لفرنسا المستقبل". في إحدى فيديوهاته اليوتيوبية، اعتبر أن حكام فرنسا يفتقدون لمفهوم الصالح العام، معلناً أنه سيعيد الاعتبار لـ"فرنسا الحقيقية" ذات الوجه المسيحي. فالخطر الإسلامي لن يتراجع أمام جمهورية تحكمها المادية وتعادي الذات الالهية على حد تعبيره، ما يؤكد ميوله اليمنية المتطرفة.

وفي تطبيق "تيلغرام" أطلق قناته الخاصة "فرنسا الجديدة" عازماً من خلالها على إعادة النظام الملَكي(!) وتفكيك شبكة الجيل الخامس من الإنترنت وسحب قانون الإجهاض وإلغاء 580 ضريبة، إزالة رادارات السرعة من الطرق، وقف حملات التلقيح ضد فيروس كورونا، سحب التراخيص من وسائل الإعلام الخاصة، وإغلاق المحافل الماسونية. لكن أبرز أنشطته تجسدت في تخطيطه لعملية اختطاف الطفلة ميا، في شهر نيسان/أبريل الفائت، وإعادتها إلى والدتها في تحدٍ منه للسلطة القضائية التي وضعت الطفلة تحت وصاية أجدادها.

كما بادر داييه إلى وضع لائحة بالشخصيات التي ستخضع للمحاكمة "تحت حكمه" وتلك التي يتوجب تكريمها. تكريم سيطاول يمينيين متطرفين اشتهروا بعنصريتهم الشديدة، كما وجه عدد منهم دعوات إلى تولي الحكم بالقوة، ومنهم الشخصية لبنانية الأصل سيرج أيوب. حظيت مواده المنشورة بمئات آلاف المشاهدات واستمالت جمهوراً متنوعاً: متشددون دينياً، نازيون جدد، أصحاب نظريات المؤامرة، معارضو الإجراءات الصحية.

بطبيعة الحال رصدت الأجهزة الأمنية الفرنسية تحركات داييه ابتداء من تشرين الأول/أكتوبر 2020 بعد نشره مقاطع مصورة في "يوتيوب" دعا فيها للانقلاب سلمياً على الدولة، من دون تحديد معالم تلك السلمية. ووفقاً للتحقيقات، بدأ داييه بالتخطيط لعملية "آزور" من ماليزيا التي استقر فيها منذ سنوات مع أفراد من عائلته، قبل ترحيلهم منها أواخر أيار/مايو على خلفية إقامتهم غير الشرعية. أما العامل المباشر الذي دفعه لهذا التصرف، فتمثل في الإجراءات التي اتخذتها السلطات الفرنسية لمكافحة فيروس كورونا، معتبراً إياها "المؤامرة" بلغت مداها.

المديرية العامة للأمن الداخلي أشارت، في أحد تقاريرها، إلى تمتع داييه "بالكاريزما"، ما يفسر جانباً من نجاحه في تشكيل خلايا محلية، انقسمت كل منها إلى مجموعتين: مدنية وعسكرية. وضمت خلاياه عدداً من المتطوعين المدنيين، إلى جانب عسكريين ورجال شرطة خارج الخدمة، وحتى رئيس إحدى البلديات.

في مقابلة له مع أحد المواقع اليمينية المتطرفة، أكد داييه تواصله مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والزعيم الروسي فلاديمير بوتين، مضيفاً أن "ما عجز الأميركيون عن فعله سيحدث في فرنسا" في إشارة منه إلى أحداث الكابيتول! الدليل على ذلك هو الخطة التي رسمها لاحتلال قصر الإليزيه. وفقاً لما ورد في الصحافة الفرنسية، كان لينقسم أنصاره، عند حلول ساعة الصفر، إلى ثلاث مجموعات: الأولى ستتولى إلهاء رجال الأمن، فيما ستفتعل المجموعة الثانية الحرائق، على أن تدخل المجموعة الثالثة إلى مقر الرئاسة للسيطرة عليه.

في هذا السياق، لم تسجل أي مواقف مؤازرة لداييه، ولو من باب المزايدة السياسية، بخلاف عريضة الجنرالات التي رحبت بها زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان فور نشرها قبل ستة أشهر، ما يؤكد على "صبيانية" المخطط الذي جرى إجهاضه. الوحيد الذي خرج عبر الإعلام للدفاع عن داييه كان محاميه: لم ينف الدعوات التي وجهها موكله للانقلاب على النظام السياسي، لكنه شدد على نواياه السلمية، واصفاً إياه بالمعارض السياسي. لكن، حين طلب منه المُحاور توضيح ماهية "السلمية"، وما إذا كان داييه ينوي خوض الاستحقاقات الانتخابية على سبيل المثال، بدا على المحامي التخبط الشديد والعجز عن تقديم إجابة مقنعة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها