السبت 2021/10/30

آخر تحديث: 15:58 (بيروت)

"مناورة" لبنانية بعد تصعيد السعودية.. لتثبيت "قواعد الاشتباك"

السبت 2021/10/30
"مناورة" لبنانية بعد تصعيد السعودية.. لتثبيت "قواعد الاشتباك"
فرنجية أعلن من بكركي رفضه لاستقالة قرداحي
increase حجم الخط decrease
الانقسام اللبناني حول استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، من عدمه، لا يقارب الأزمة الدبلوماسية التي اشتعلت بين لبنان والمملكة العربية السعودية من زاويتها السياسية، وحجم تأثيراتها في الواقع اللبناني الهشّ، بالنظر إلى أن الأزمة هي الأولى من نوعها. لم يختبر لبنان تصعيداً مشابهاً منذ الستينيات، إثر الاصطفاف الاعلامي اللبناني مع جمال عبد الناصر، كما لم يختبر عجزاً عن مقاربتها، كما هو حال اليوم. 

لا جدال في أن ردّ الفعل العربي ضد تصريح قرداحي، على ضحالته، أكبر من حجم التصريح ومن حجم الوزير نفسه الذي بات، وزعيمه سليمان فرنجية، رمزاً بالنسبة إلى شريحة من اللبنانيين، موالية لمحور الممانعة، لطالما انتظرت مواجهة مع السعودية، ضمن خطوات الإعلان التدريجي لإخراج لبنان الرسمي من موقعه السياسي النائي بنفسه عن التطورات الإقليمية، الى محور المواجهة معها. 

مثّل ردّ الفعل مفاجأة، وأعاد النقاش حول المناورة اللبنانية التي اتخذها أركانها، ومن ضمنهم حلفاء للسعودية، إلى إعادة النظر في حساباتهم الضيقة بعدما بلغ التصعيد ذروته، ولم يبقَ للبنانيين إلا استعادة انقساماتهم، بصرف النظر عن حقيقة لا لبس فيها بأن الخليج هو العمق العربي للبنان. 

وإعادة الحسابات بالنسبة لحلفاء السعودية، تقوم على فكرة أنه من شأن ردّ الفعل الخليجي الاخير أن يعزز موقف الممانعة ويرمي البلاد بأكملها في الحضن الإيراني، على قاعدة أن الفراغ سيُملأ ببديل يتحين فرصة مشابهة ليملأ الشغور، وهو ما يعني انكساراً سياسياً ومساً بالتوازنات اللبنانية القائمة. أما بالنسبة لخصوم السعودية، فإن إعادة الحسابات تنطلق من أن المساس بقواعد فض الاشتباك، وضرب هامش التمايز، من شأنه أن يسعر الانقسام الداخلي ويودي به الى توتر أمني ينفجر في الشارع، وهو ما لا يريده كثيرون، خصوصاً لجهة إحياء خطوط التماس بين الشيعة والسنة التي ذُللت منذ العام 2016، وتراجعت الى مستويات كبيرة. 

ينقسم رواد مواقع التواصل حول شعارات متصلة بالسيادة، أو بنقاش اقتصادي جوهره الخوف من تأثير الأزمة في المغتربين اللبنانيين العاملين في دول الخليج، وهو نقاش مجتزأ من حجم الأزمة المتنامية التي لن تقتصر تداعياتها على قطع العلاقات مع السعودية والبحرين والكويت التي انضمت أخيراً، بل ستصل الى دول أخرى.
 

منذ اشتعال أزمة تصريح قرداحي، كانت هناك اعتبارات لبنانية داخلية حاضرة في التعامل السياسي معه. تريث الأفرقاء المسيحيون، ومن ضمنهم حلفاء السعودية، في إبداء أي موقف، منعاً لأن يُستغل الأمر في الشارع المسيحي بوصف المسيحيين "كبش محرقة" في الأزمات السياسية، بالنظر الى أن قرداحي ماروني، وينتمي الى الطائفة نفسها التي كانت ينتمي اليها وزير الخارجية المستقيل شربل وهبي بعد أزمة مشابهة. 

أما الأفرقاء السنّة، وخصوصاً رؤساء الحكومات السابقين، فلم يدلوا بموقف حاسم من التصريحات، إلا متأخرين (وبعد بيان "حزب الله" ورد "تيار المستقبل" عليه)، منعاً لأن يُتهموا بالتضحية بوزير مسيحي لإرضاء السعودية، فضلاً عن أن المشكلة هي محط تجاذب داخلي بين سليمان فرنجية والعهد، وبالتالي لن يمنحوا العهد ورقة مجانية في صراعه الرئاسي مع زعيم تيار "المردة".
 

وفرنجية رفض استقالة قرداحي للسبب نفسه، وقد أعلن ذلك من بكركي اليوم السبت، بالقول أنه منع الاستقالة كي لا يقدم ورقة للعهد يستغلها أمام السعودية. كما قال أنه لن يقدم كبش فداء، في تصويب على جبران باسيل الذي ضحى بشربل وهبي، فيما هو يتعامل مع الملف بـ"وفاء لأصدقائه"، الى جانب تقديم ورقة اعتماد لـ"حزب الله" الذي تبنّى مواقف قرداحي وأثنى عليه. 


هذه العوامل الداخلية، تُضاف الى عوامل أخرى متصلة بصراع "حزب الله" مع السعودية، وتوتر آخر بين الدولة اللبنانية والسعودية، إذ تأخذ الأولى على الثانية عدم ملاقاتها في منتصف الطريق لدى تقديم مبادرات حسن نية، ومن أبرزها عدم استجابة السعودية لتصريح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول قِبلته السياسية والدينية، وعدم استجابتها لزيارة طلبَها إلى المملكة، وعدم مبادلة لبنان بمبادرة "حسن نية" بعد إجبار الوزير وهبي على الاستقالة عند اشتعال أزمته... فيما بات ملف اليمن، بالنسبة للسعودية، ركن أي حوار أو ليونة في العلاقة مع لبنان، وهو موقف يجب أن يصدر عن "حزب الله"، والا فإن البلاد -غير القادرة على مواجهة الحزب- ستدفع ثمن تشدده بملف اليمن. 


تلك العوامل كلها، انفجرت دفعة واحدة، وأدخلت البلاد في أزمة شبيهة بأزمة العام 2017 اثر استقالة الحريري التي أعلنها من السعودية. وبالمقاربة نفسها، لجأ لبنان الى فرنسا والولايات المتحدة لمحاولة بلورة حل لا يتخطى استقالة قرداحي، مقابل إعادة التمثيل الدبلوماسي، وبالتالي إعادة الستاتيكو ما قبل تداول تصريحات قرداحي الى ما كان عليه، لا ترحيب بالحكومة ولا معاداة لها، وتلك نقطة جوهرية لضمان عدم انفجار الداخل اللبناني على وقع الانسلاخ العربي عن لبنان في لحظة مصيرية، تريد منها فرنسا والولايات المتحدة التفاوض مع صندوق النقد، وإجراء الانتخابات النيابية، وبلورة حل لأزمة ترسيم الحدود البحرية، وهي ملفات لن تُنجز الا بالتضامن الوزاري وبوجود حكومة فاعلة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها