السبت 2021/10/23

آخر تحديث: 19:20 (بيروت)

أصالة وهيفاء ومنّة شلبي: قماش أجسادهن معياراً أوحد

السبت 2021/10/23
أصالة وهيفاء ومنّة شلبي: قماش أجسادهن معياراً أوحد
منة شلبي في مهرجان الجونة
increase حجم الخط decrease
ما زال الإعلام العربي حتى اليوم، يتعاطى مع الفنانات العربيات وفقاً لمعايير ذكورية متطرفة جندرياً، مستلهَمة من القيم السائدة في المجتمعات البطريركية؛ إذ أن الفنانات العربيات لا يكتسبن قيمتهن وفقاً لما يقدمن من منتجات فنية وحسب، بل تتدخل في عملية التقييم معايير أخرى لا علاقة لها بالفن، منها عدد سنتِمترات القماش التي تغطي أجسادهن وحشمتهن ورصانتهن أثناء وقوفهن على المسرح أو أمام الكاميرات في المقابلات التلفزيونية. 

هذه المعايير ما زالت سائدة حتى بعدما شهد الإعلام العربي صعوداً للخطاب النسوي في السنوات الأخيرة بتأثير الحركات النسوية العالمية، وبعدما ظهرت منصات عديدة وبرامج تلفزيونية تشدد على ضرورة احترام حرية المرأة وتطالب بحقوقها. 

فإلى اليوم ما زالت الفنانات العربيات يعانين سطوة الإعلام في المجتمع الذكوري، الذي يبدو وكأنه قد وضعهن ضمن قوالب لا يمكن تقبلهن خارجها. هكذا نجد أن المغنيات في عالمنا العربي تُرسم لهن صور إعلامية جامدة، ولا يتقبلهن الجمهور خارجها. فمن الصعب مثلاً أن يتقبل الجمهور العربي صورة لفيروز وهي ترتدي الشورت الجينز، أو أن يتقبل نشر فيديو لماجدة الرومي وهي تقوم بعرض راقص على خشبة المسرح؛ فهؤلاء الفنانات أسيرات أثواب الحشمة والالتزام التي حاكها لهن الإعلام لسنواتٍ طويلة وباتت هذه الصورة جزءاً ثابتاً من قيمتهن الفنية. 

ووفقاً لمعايير الإعلام العربي، فإن المغنيات اللواتي يرتدين أثواب الحشمة يتمتعن بالضرورة بمكانة فنية عالية لا تصل إليها المغنيات اللواتي يرفضن أي قيود يفرضها الإعلام على أجسادهن، بغض النظر عن الإمكانات الصوتية والخيارات الفنية؛ لأن المغنية ستكون عرضة لدخول قفص الاتهام، وسيتم وسمها بأنها تعتمد على الإثارة الجسدية للوصول إلى الشهرة إذا ما شذت عن هذا المسار.

يمكن الاستدلال على ذلك من خلال هيفاء وهبي، التي ما زالت تحاصرها هذه الاتهامات رغم النجاح الكبير الذي حققته خلال مسيرتها، ورغم امتلاكها عدداً كبيراً من الأغاني والأعمال الدرامية الناجحة جماهيرياً؛ فما زال الإعلام العربي يلاحقها يومياً ويسخف إنجازاتها بسبب ما ترتديه، وما زالت المواقع الإعلامية الرخيصة تنشر فيديوهات ومقالات بعناوين تجارية مرتكزة على هذه الصورة، من قبيل: "شاهد هيفاء وهبي بملابس فاضحة" و"هيفاء وهبي بثياب البحر".

ويبدو أن هذه الممارسات الإعلامية الذكورية ستظل مستمرة، طالما أنها تُدعم من قبل النقابات الصحافية والفنية التي تتوافق مع ما تضخه من أفكار ذكورية لا تحترم حرية المرأة بالتحكم في جسدها.

ذلك أنه، وبدعمٍ من نقيب الفنانين هاني شاكر، وُضعت معايير لظهور النساء في المحطات التلفزيونية المصرية، حيث باتت هناك مقاسات معينة لطول الفساتين التي ترتديها الفنانات، ومقاس محدد لفتحة الصدر! 



تداعيات هذا القرار طاولت هيفاء وهبي ذاتها، عندما غطى التلفزيون المصري حفلة لها كانت ترتدي فيها "هوت شورت"، لكن التلفزيون المصري أجبرها على ارتداء بنطال أثناء اللقاء التلفزيوني الذي أجري بعد الحفلة. ولم تنتهِ المهزلة عند هذا الحد؛ فأصدر هاني شاكر بياناً صحافياً أعلن فيه أن هيفاء وهبي ستتعرض للمحاسبة القانونية بعدما نشرت صوراً من حفلتها بـ"الهوت شورت"، بل وظهر هاني شاكر في مقابلة تلفزيونية وسخف الفن الذي تقدمه هيفاء وهبي، وقال بأنها لا تقدم حفلات غنائية وإنما استعراضات.

ولا يقتصر دور الرقابة التي يمارسها الإعلام على الفنانات بتحديد شكل اللباس اللائق وحسب، بل يصل في بعض الأحيان إلى حد التدخل في حياتهن الشخصية ولومهن على قراراتهن من منطلقات المجتمع الأبوي.

ففي الآونة الأخيرة، تصدرت الفنانة السورية أصالة، عناوين الصحف، بعدما تزوجت للمرة الرابعة. الخبر نُشر بلُغة تُدين أصالة وتحكم عليها، كونها اتخذت قراراً لا يتوافق مع المعايير الذكورية حين تزوجت شاباً يصغرها سناً، على خلاف الأعراف في المجتمعات العربية، التي لا تحبذ هذا الشكل من الفوارق بين الزوجين، كما لا تحبذ تعدد الزيجات بالنسبة للمرأة. ولم تتوقف الانتقادات عند هاتين النقطتين، بل طاولت أيضاً شكلها والمظهر الجديد الذي اختارته لنفسها بالشعر القصير، إذ ارتأى البعض أنه تشبُّه بالرجال! 



وما يجعل الحملة التي شنت ضد أصالة، أشد وقعاً، أنها حملة مبنية على التمييز الجندري من أصلها، فلم تُشنّ أي حملات مشابهة ضد الفنانين الذكور الذين تزوجوا مرات عديدة، أو ارتبطوا بفتيات صغيرات في عُمر أحفادهن، ولم نرَ حملات ضد الفنانين الذكور الذين دِينوا بالاغتصاب أو البيدوفيلية وتزوجوا من قاصرات. فهذه الحملة لم تكن لتقام ضد أصالة، لو لم تكن امرأة تحكمها معايير إعلامية لا تحكم الرجال. 

من الأمور الغريبة في قضية أصالة، أن البعض قام بتشبيهها بالمغنية الراحلة صباح، في سياق ساخر يقلل من شأنها! ليعيدنا هذا النوع من التعليقات إلى صباح، التي لم تقبل الانصياع للمعايير الإعلامية ولم ترتدِ ثوب الحشمة والرصانة، فوُضعت في مكانة أدنى من مُعاصراتِها، رغم كل ما قدمته خلال مسيرتها من أعمال ذات قيمة عالية.
 

وفي الأيام الأخيرة، تعرضت قيم الإعلام العربي الذكورية لهزة عنيفة، بعدما رُشّحت الممثلة المصرية منّة شلبي للحصول على جائزة  "إيمي" عن دورها في مسلسل "في كل أسبوع يوم جمعة" الذي عرض عبر منصة "شاهد" العام الماضي. 

هذا الحدث الاستثنائي استقبله الإعلام العربي بالتهليل كما هو متوقع، قبل أن تظهر شلبي في مهرجان الجونة بفستان، وُصِف بأنه "فاضح"، لينقسم الإعلام العربي سريعاً بين من يهلل لشلبي تيمناً بالتقدير العالمي الذي تحظى به، وبين من ينتقدها على ظهورها "الفاضح". علماً أن الأجزاء المكشوفة من أجساد الفنانات المشاركات في مهرجان الجونة كانت حاضرة في عناوين معظم المقالات الفنية الرخيصة المنتشرة في الإنترنت في الأيام الأخيرة؛ لتفضح هذه الأحداث المتزامنة الهوة الكبيرة بين آليات تقييم الفنانات في العالم العربي وفي الخارج.
   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها