الثلاثاء 2021/10/19

آخر تحديث: 18:20 (بيروت)

وثائق "باندورا" تكشف "سويسرا جديدة" في ولاية أميركية

الثلاثاء 2021/10/19
وثائق "باندورا" تكشف "سويسرا جديدة" في ولاية أميركية
increase حجم الخط decrease
لم تكن أسماء كبار الأثرياء والشخصيات الشهيرة في مختلف المجالات، الذين كشفت "وثائق باندورا" الأخيرة تورطهم في ممارسات تستهدف إخفاء ثرواتهم عن السلطات الضريبية، هي المفاجأة الكبرى الوحيدة، لكن المفاجأة الحقيقية كانت ظهور اسم ولاية ساوث داكوتا الأميركية كملاذ ضريبي مهم. فهذه الولاية الصغيرة التي يقل عدد سكانها عن المليون نسمة، أصبحت "سويسرا الجديدة" من حيث حجم الأصول والأموال التي يضعها أصحابها في بنوكها وشركاتها بعيداً من عيون المراقبة.

يقول المؤرخ الأميركي ستيفن ميهم، أستاذ التاريخ في جامعة جورجيا ومؤلف كتاب "أمة من المزورين: الرأسماليون والرجال المخادعون وصناعة الولايات المتحدة"، في تحقيق نشرته وكالة "بلومبرغ" للأنباء، إن ظهور ساوث داكوتا كمركز مالي يجذب أقوى البنوك والعملاء بالغي الثراء، بدأ منذ سنوات. ويعود الفضل في هذا التطور إلى حاكم جمهوري مبدع للغاية وفريق من المحامين والمشرعين البارعين.

في سبعينيات القرن العشرين، كان اقتصاد ساوث داكوتا أقرب الشبه بما كان عليه منذ حزمة برامج الإصلاح الاقتصادي الأميركية التي عرفت باسم "الاتفاق الجديد" خلال الفترة من 1933 إلى 1936 لمواجهة الكساد  الكبير.

وفي العام 1978، خاض ويليام جانكلو، انتخابات حاكم ولاية ساوث داكوتا، وفاز بها. وخلال فترته الأولى، نجح في إخراج اقتصاد الولاية من القاع، ليفوز بولاية ثانية بغالبية قياسية في تاريخ الولاية. وشهدت سنوات حكم جانكلو لولاية ساوث داكوتا من 1979 إلى 1987، ثم من 1995 إلى 2003، ما يشبه الأسطورة الاقتصادية، على حد وصف ستيفن ميهم المؤلف المشارك لكتاب "دورة مكثفة في مستقبل التمويل". 
وتعود غالبية نجاحات جانكلو، إلى التفسيرات المبتكرة لأحكام المحاكم المتعلقة بالضرائب والتشريعيات المالية والمصرفية. وخلال سنوات حكمه، جعل جانكلو وحلفاؤه، من برلمان الولاية، مختبراً للابتكار وتخفيف الضوابط المالية. في الوقت نفسه، أصدرت المحكمة العليا الأميركية حكماً تاريخياً قالت فيه إن البنوك وشركات إصدار بطاقات الائتمان تستطيع تحديد الفائدة على قروض البطاقات وفقاً لقواعد الولاية المسجل فيها البنك أو الشركة، من دون التقيد بالقواعد القائمة في الولايات الأخرى حيث تباع هذه البطاقات.

ولما كان جانكلو قد خفف القواعد والقيود المفروضة على النشاط المصرفي، تحولت ساوث داكوتا إلى نقطة جذب قوية للبنوك والمؤسسات المالية الأميركية الكبرى، بما في ذلك "سيتي بنك" الذي نقل نشاط بطاقات الائتمان بالكامل إلى الولاية الصغيرة.

وبدأ جانكلو البناء على نجاحه في جذب "سيتي بنك"، وغيره من البنوك والمؤسسات المالية الكبرى، إلى ولايته، للدرجة التي جعلت المؤرخين يطلقون عليها اسم "وول ستريت في البراري" في إشارة إلى كونها ولاية زراعية في الأساس. كما أطلق جانكلو عدداً كبيراً من المبادرات التي تستهدف جعل ولايته أكثر جاذبية للشركات المالية والأثرياء الذين يريدون العمل في ظل أقل قدر من الرقابة. ودفع جانكلو برلمان الولاية إلى تمرير قانون يسمح بإنشاء بنوك لا يزيد رأسمالها عن 5 ملايين دولار، وهو ما شجع عدداً كبيراً من البنوك الخارجية على إنشاء بنوك تابعة لها فيها.

وفي مقابلة إعلامية في ذلك الوقت قال جانكلو: "وظيفتي هي عمل أي شيء لجذب الاستثمارات والوظائف والتنوع إلى ساوث داكوتا". 

ومنذ ذلك الوقت أصدرت ساوث داكوتا المزيد من التسهيلات والمزايا الإضافية للبنوك والمؤسسات المالية والتي جعلتها خليفة لسويسرا في مجال الحسابات السرية والملاذات الآمنة. وخلال العقد الماضي فقط، زادت الأموال التي تدفقت إلى صناديق الاستثمار السرية في الولاية 4 مرات، لتصل إلى أكثر من 360 مليار دولار.

وإذا لم تشهد القوانين الاتحادية الأميركية المنظمة للقطاع المالي والمصرفي، تغييرات جذرية، فإن هذا المبلغ سيزيد في المستقبل. ورغم وفاة "وايلد بيل" جانكلو منذ عقد تقريباً، فإن تركته وتأثيراته يبدو أنها ستستمر لسنوات عديدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها