الإثنين 2021/10/18

آخر تحديث: 15:58 (بيروت)

جمعية الأورجي الحلال في الشمال السوري!

الإثنين 2021/10/18
جمعية الأورجي الحلال في الشمال السوري!
increase حجم الخط decrease
"جمعية الأورجي الحلال" هي العبارة الأكثر فكاهة في "فايسبوك" و"تويتر" لوصف "جمعية تعدد الزوجات" التي تم إنشاؤها في إعزاز بريف حلب شمال سوريا، وانتشرت صور لها وشعاراتها بين السوريين المنقسمين سياسياً ليس فقط بين موالين ومعارضين بل دينياً أيضاً بين محافظين وليبراليين كتصنيفات فضاضة قد تكون غير دقيقة أصلاً لعدم وجود هامش من الحريات السياسية في البلاد قبل الثورة وبعدها، يجعل الأراء المكتوبة تتعدى خيبات الأمل من واقع البلاد المزري.

على أن تلك المجموعات لا تتوازى مع بعضها البعض، فليس كل الموالين ليبراليين ولا كل المعارضين محافظين مثلما هي الصورة النمطية التي يتم تعميمها في وسائل الإعلام الرسمية في سوريا والممانعة الحليفة، والهادفة بالدرجة الأولى إلى تصدير فكرية إرهابية الثورة السورية وحركات الربيع العربي عموماً بوصفها مشروعاً إسلامياً سلفياً. وليس من الغريب بالتالي وجود استنكار من الناشطين والصحافيين المعارضين للمشهد "الذي لا يشبه الثورة" التي قامت في البلاد قبل عشر سنوات للمطالبة بالإصلاح، مع التحسر على ما آلت إليه الأمور اليوم، كما ليس من الغريب رؤية موالين يرون في القرار مشهداً إيجابياً يتمنون وجوده في مناطقهم أيضاً، لأن النظام السوري نفسه يرعى تلك العقلية المحافظة عبر تحالف مع رجال الدين، يقدم به النظام نفسه كحام لقيم العائلة والدين "الصحيح".


ولعل ما أثار الاستياء هو طريقة تقديم الجمعية لنفسها، من الشعار الذي يظهر ظلاً لرجل ضخم محاطاً بأربع نساء، مع أعلام المعارضة السورية. ولا تأتي خيبة الأمل بالتالي من وجود الجمعية أو تعدد الزوجات، لأن ذلك يبقى طبيعياً في دول الشرق الأوسط التي يتداخل فيها الدين بالسياسة، بل تأتي فقط من فقدان الشعور بالانتماء لهذه الشعارات "التجارية" التي باتت مرتبطة بأيديولوجيا إسلامية عطفاً على استخدامها من قبل مليشيات معارضة مسلحة غلب عليها الطابع الجهادي أو حتى الشخصيات السياسية في الهيئات "الرسمية" كالائتلاف المعارض وغيرها، ممن صدروا أفكاراً شديدة المحافظة لا تشبه دعوات التحرر السياسي/الاجتماعي التي كانت عنواناً للثورة السورية قبل 10 سنوات.

وحتى اللحظة مازال انتقاد الثورة السورية محصوراً في انتقاد المعارضة السياسية فقط. ولم ترتق المشاعر اللحظية التي تثيرها حوادث متفرقة، كجمعية تعدد الزوجات اليوم، إلى مرتبة توجيه أسئلة مُلحَّة من دون التخوين المعتاد، أبرزها ربما هو: هل عارض كثيرون من السوريين نظام الأسد لأنه في نظرهم "نظام عَلَوي" يحكم غالبية من السنّة، فقط؟ وهل كان ذلك الموقف سيتغير لو كان حكم النظام "الأقلوي" أكثر عدالة وأقل إجراماً؟

على أن الثورة السورية نفسها ليست أسمى من الانتقادات لأن خطاب المعارضة السورية وأداءها الإعلامي لم يوفرا لغير العرب وغير المسلمين شعوراً بوجود إمكانية لتغيير حقيقي في البلاد، بموازاة فشلها في الترويج لما يجب أن يكون من المسلّمات في أي دولة عصرية منشودة، كالحقوق المتساوية للمجموعات المهمشة بما في ذلك النساء والمثليون جنسياً والملحدون والأقليات الدينية والأقليات العرقية. وكانت الفكرة الأكثر حضوراً حتى على مستوى ناشطين طوال السنوات العشر الماضية هي أنه من المسموح تحدي النظام السياسي في سوريا، لكن لا يجب تحدي المنظومة الأخلاقية السائدة.


وتظهر الأرقام الرسمية على قلتها تفاقماً لأزمات الزواج الثاني في السنوات العشر الماضية. وقال مصدر قضائي لوكالة "سبوتنيك" الروسية العام 2019 أن نسبة 40% من الزيجات التي تم تسجيلها منذ العام 2011 حينها كانت لرجال تزوجوا من امرأة ثانية. فيما قال القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي لوكالة "فرانس برس" أن نسبة تعدد الزوجات في سوريا بلغت 30% في العام 2015 مقابل 5% فقط في 2010. ويتحدث خبراء عن عوامل اقتصادية واجتماعية أفرزتها الحرب في البلاد من ضمنها هجرة الشباب والتجنيد الإجباري، ما حول البلاد حسب النكتة المتداولة إلى "كوكب للبنات فقط".

في مناطق المعارضة لا تتوافر الكثير من الأرقام للأسف، لكن النساء السوريات في العموم يبقين مستضعفات من قبل منظومة اجتماعية وثقافية وسياسية يتحكم بها الدين بالدرجة الأولى. وإن كانت مناطق الإدارة الذاتية الكردية أصدرت قانوناً بمنع تعدد الزوجات، فإن ذلك يبقى حالة فردية تثير اتهامات للأسف للأكراد من قبل حتى معارضين بأنهم "انفصاليون" و"يروجون لمشاريع هدامة".

وربما تشكل هذه النوعية من الجمعيات، بالتوازي مع طيف من الذكريات المرتبطة بلافتات رفعت مراراً وتكراراً حول حشمة النساء وشرف العائلة وغيرها، رداً من قبل الهيئات المعارضة أو مليشيات نافذة وغيرها على الجمعيات النسوية التي تتواجد في شمال سوريا وتعاني من قمع متواصل، كان آخرها في شهر آب/أغسطس الماضي في خطبة بمدينة إعزاز نفسها ألقاها رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي، شن فيها هجوماً على النساء السوريات العاملات في منظمات المجتمع المدني، واصفاً إياهن بـ "المجندات من الأمم المتحدة ومراكز الكفر والتضليل لإفساد الشباب والنساء"، بموازاة حملة شارك فيها أعضاء في الائتلاف المعارض ضد الناشطات السوريات أيضاً.

وطوال سنوات تم استهداف الناشطين المدنيين في مناطق المعارضة سواء بالاغتيال أو الاعتداءات الجسدية والاعتقال وتشويه السمعة. ولا يمكن نسيان ما تفوه به الحقوقي السوري من خطاب معيب بحق الناشطة المغيبة قسرياً منذ سنوات، في حزيران/يونيو الماضي، والتي دافعت عن حقوق الإنسان في البلاد بغض النظر عن أي انتماءات أيديولوجية وسياسية، وأصبح وصفها بأنها امرأة متحررة، شتيمة للانتقاص منها، من باب أنها يجب أن تلتزم بحدود المقبول في البيئة المحافظة دينياً، حتى لو كانت ناشطة حقوقية تتفق مع تلك البيئة في الموقف السياسي المعارض من النظام الحاكم.



هذا الخطاب على تعدد حوادثه يحظى دائماً بمرحبين به وداعمين له في مواقع التواصل، لأن النظام السياسي الأبوي في سوريا، مثل بقية دول المنطقة، يعتمد في أساسه على النصوص الدينية التي تشكل مشكلة بحد ذاتها. فتعدد الزوجات وفق الفتاوى الشرعية ليس مجرد أمر حلال للرجل المسلم بل هو أيضاً ضرورة من منطلق أحاديث نبوية تتحدث عن ضرورة التكاثر من أجل "التفاخر" بالمسلمين أمام الأمم يوم القيامة، فيما يتم تكرار نموذج النبي محمد الذي تزوج بـ9 نساء وامتلك جاريتين، وفق النصوص الدينية.

ورغم أن الجمعية أنشئت في مناطق المعارضة، فإن مسألة حقوق المرأة السورية ترتبط تاريخياً بقانون الأحوال الشخصية في سوريا، الذي أراد النظام تغييره العام 2009 لكن التعديلات المقترحة حينها أوقفت بسبب ضغط وزارتي العدل والأوقاف ومجموعة من رجال الدين، والذين اعترضوا على المس بأن يكون القانون تكريساً للفقه الإسلامي في البلاد، وأشار المعلقون إلى هذه الحادثة بكثافة، للقول أن النظام أراد دائماً الحفاظ على علاقته الجيدة مع رجال الدين، السنّة بالتحديد. وذكر حقوقيون أن الوزراتين رفضتا حينها تعديلات شكلية، مثل تسمية عقد النكاح بعقد الزواج، وهو نصر صغير تحقق في تعديلات بسيطة طالت القانون العام 2019.

وحتى اللحظة لم يتم إقرار الزواج المدني في سوريا، ومازالت المرأة السورية المسلمة ممنوعة من الزواج برجل من دين مختلف لأن ذلك "حرام شرعاً"، بينما يقبل زواج المرأة المسيحية برجل مسلم. ولا يكفل القانون السوري للنساء، زيادة في النفقة بعد الطلاق ولا يمنع الطلاق التعسفي ولا يعطي النساء حق المساواة في الميراث ولا حضانة الأطفال في حال الطلاق، ولا يمنع تعدد الزوجات، وكلها مطالبات يكررها التيار العلماني في البلاد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها