الخميس 2021/10/14

آخر تحديث: 20:28 (بيروت)

الشاشات اللبنانيّة تبحث عن مطلقي النار في الطيونة.. وتجهّلهم

الخميس 2021/10/14
الشاشات اللبنانيّة تبحث عن مطلقي النار في الطيونة.. وتجهّلهم
(تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
لم يكن صعباً على المشاهد اللبناني التكهن بمواقف التلفزيونات اللبنانية التي تهافتت على تغطية أحداث الطيونة اليوم. في هذه التغطية لعب الاعلام اللبناني دور المحقق، والمدافع، والمبرّر، والمحلّل، غير أنّه عجز عن اتمام دوره المركزي القائم على بث معلومة صحيحة تخدم المواطن، لا القوى المتصارعة.

عادت ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية على ألسنة المراسلين والمذيعين. استعادوا الماضي لتوصيف الحدث، علماً أنه في هذه اللحظات، يفترض أن يقتصر دورهم على نقل ما يحصل.

وسط إطلاق  كثيف للرصاص، ثبتت كاميرات الاعلام في مستديرة الطيونة، وفتح الهواء لساعات لنقل صورة الاشتباكات، في مقابل مساحة متواضعة لمناشدات الناس العالقة في بيوتها. لا جديد سوى "إطلاق نار مستمر"، يقول المراسل، ويضيف آخر: "تهدئة مصحوبة بتصاعد وتيرة الاشتباكات"، فيما يقول ثالث: "الجيش ينتشر في المكان".

ورغم المساحة الكبيرة التي منحتها التلفزيونات اللبنانية للحدث، فقد انحصر دورها في وصف الأحداث باستخدام عبارات مكررة. كان الاعلام شاهدًا على ما يحصل، لكنه شاهد وفق مقتضيات سياسية تحكم عمله.

اتخذت قناة NBN موقع تغطيتها في الشياح. نقلت رشا الزين أبرز التطورات من موقعها، وفيها بأن التظاهرة تعرضت لـ"كمين"، وأن التظاهرة "السلمية" كانت "مستهدفة"، ونفت معلومة بأن يكون أحد المصابين قد "استشهد".

بغض النظر عمّن بدأ الفعل أولًا، فالرد بالطريقة العنفية نفسها يعني تساوي الأطراف في معادلة الحدث القائم، وهذا ما يتطلب مهنية تامة في اعتماد التغطية المتساوية. يخال للمرء أثناء مشاهدة القناة المحسوبة على "حركة أمل"، بأن هناك استهدافاً أحادياً من دون ردّ مقابل. وإذا كانت "الاشتباكات" تعني اعترافًا بوجود طرفين متقابلين، فإن "الكمين" في هذا السياق هو حصر للقتال في طرف واحد.

رفضت الزين تحويل الكاميرا الى الجهة الأخرى، "حفاظاً على حياة المراسل"، كما قالت، وبعد ساعات قليلة، ارتدت الخوذة والدرع لتقطع الشارع باتجاه عين الرمانة حيث عاينت المكان المواجه للشياح مؤكدة تعرضه لرصاص من "عناصر مسلحة".

أما في شاشة "الجديد"، فقد ظهر جلياً التفاوت بين ما تقوله المراسلة، وبين المذيعة من داخل الاستوديو. بحثت المراسلة زهراء فردون، التي انضمت الى فريق الأخبار حديثًا، عن هوية الفاعل. حددت موقع إطلاق النار، مشيرة الى وجود قناص على سطح أحد المباني المجاورة في عين الرمانة. فيما أعادت سمر أبو خليل في الاستوديو "أننا بانتظار الرواية الرسمية ولا يمكننا تحديد ذلك الآن".

بدت "الجديد" حذرة في تبني أي رواية، حتى تلك القائمة على مشاهدات مراسلتها. بدا أن القناة تتخوف من تصاعد وتيرة الأحداث، حيث عمدت الى الاستفادة من أخطاء ارتكبتها في تغطيات سابقة، وذلك عن طريق تجهيل الفاعلين وتجنب رشق الاتهامات، غير أن ذلك لم يمنع من تأكيد أزمة الهوياتيّة التي تعيشها القناة في ظل غياب سياسة تحريريّة واضحة. تحاول "الجديد" أن تتجنب تسمية الأطراف علانيّة. تصبح الرمزية التاريخيّة للأمكنة، بحسب المحال التجارية الواقعة فيها، أداة للإشارة الى الأكثرية السياسية التي تحكمها. يستحق هذا التجهيل المتعمّد تحليلًا. هذه القناة التي اشتهرت بخصومتها مع "حركة أمل"، تمتنع اليوم عن اتهامها بشكل مباشر بالانخراط في اطلاق النار.

وفيما استكملت رشا الزين رسالتها الاعلامية على شاشة NBN والتي صاحبتها تصريحات المعلّق الممانع، فيصل عبد الساتر، معتبراً أن لا سرّ في انتماء عين الرمانة لـ"القوات"، فتحت MTV الهواء لرئيس وحدة الاعلام في "القوات اللبنانية" شارل جبور. حمّل جبور "حزب الله" و"حركة أمل" المسؤولية عما حدث. وعرضت القناة نفسها، فيديو لشاب يحمل سلاحاً، مرات متتالية، ليمر صوت المذيع قائلاً إنّه "في الإمكان رؤية علم أحد الأحزاب (حركة أمل) خلف هذا العنصر".

نقلت MTV خبراً عاجلاً عن إصابة الياس طوق، فيما بثت NBN خبراً عاجلاً أيضاً مفاده أن سيارة من نوع "باثفايندر" ذهبية شاركت في اطلاق النار، وعُرف من المسلحين كذا وكذا. يتم خلط الأوراق من جديد. تحكم التغطية لعبة المصادر. لكل قناة معلومات، حسب المصادر المقربة لها. آلية عمل الاعلام اللبناني تفيد بأن القرب السياسي يحتم تمتع المصدر بالمصداقية.

بين عين الرمانة والشياح، وقف بعض الإعلام اللبناني في منتصف الطريق، "بحيادية" مصطنعة لم تدعمها الموضوعية، وفضّل جزء آخر منه أن يقف على إحدى الضفتين بوضوح وقح. وإذا كان للإعلام الحزبي ما "يبرر" فعلته، أو بالأحرى يجعلها متوقّعة، فإن الوقوف في المنتصف في العمل الاعلامي لا يعني الإنصاف والمهنية، وإنّما بداية لاصطفاف سياسي قبل أن يحين موعد الانتخابات. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها