الجمعة 2021/01/29

آخر تحديث: 19:50 (بيروت)

وقائع على مؤامرة طرابلس.. وتصفية الحسابات فيها

الجمعة 2021/01/29
وقائع على مؤامرة طرابلس.. وتصفية الحسابات فيها
الجيش اللبناني في "ساحة النور" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ليس غريباً أن يحاول البعض استثمار أي حدث ذي طابع أمني، في السياسة. تلك المعادلة القائمة، لا يمكن نفيها، ولا إيقافها، ذلك أن الأزمات ولّادة للتوتر، والفوضى طريق حتميّ لاستغلال سياسي، وإلا.. لن تكون السياسة "فن الممكن".

الممكن في لبنان، على الدوام، هو الاستثمار. استثمار بالدم، بالوجع، بالجوع، بالخوف، بالطائفة، بالمذهب... لا يتوقف الاستغلال، لأن السياسي في لبنان، في الأغلب الأعمّ، بلا مبدأ، ولا ينتمي، بالعادة، الى وجع الناس ولا همومهم. وعليه، فإن الاستثمار بالدم، هو نتيجة حتمية لفوضى تمتد، وتمثّل أرضيّة خصبة للدفع بالرسائل السياسية.

لكن النقاش الدائم بين السياسي والمواطن، حول الاستغلال والتخويف والتحذير والتنبيه من الاستثمار السياسي، لم يدفع المسؤولين أنفسهم في اتجاه ايقافه. هذا ما تمتلئ به صفحات ومجموعات الشبكات الاجتماعية، وما كررته التلفزيونات مراراً. سُمع هذا الخطاب في انتفاضة "17 تشرين" العام الماضي، وقبله في أزمة النفايات، وما سبقها من توترات طرابلس والشمال إثر القتال بين جبل محسن وباب التبانة... ويُسمع الآن في بيانات على مدّ عين القارئ ونظره، من غير أن يستدرج أي علاج لإيقاف الاستغلال.

"كيف نوقف الاستثمار السياسي؟" بهذا السؤال يتوجه ناشط في "تويتر" الى أحد مؤيدي الأحزاب الذين هالهم وجود "أيادٍ خفية" تتسرب "من الفوضى"، ويتحول إثرها الناشطون والجائعون الى "مطية" يمتطيها العاملون على "زعزعة الاستقرار".

لا إجابة واضحة، لأن هول الحدث يستدرج تصعيداً في خطاب الخوف والتحذير... وما بعده، سيكون كما قبله: دعوات للحكومة لمعالجة الأسباب.

والحال، إن المسؤول عن تعميق الفجوة الطبقية بين مكونات الشعب، لا يحق له الحديث عن مؤامرة تستهدفه شخصياً. تلك تحصيل حاصل لحدث أمني يخلق موجة عالية، سيمتطيها من يمتلك المال، ومن يحمل "أجندة مشبوهة". ذلك الاستثمار طبيعي، يحصل في كل دول العالم.

عندما تتواجد أرضية لدخول عوامل خارجية، أو حسابات داخلية، لن يوفر أي طرف فرصة مشابهة. المسؤول اللبناني، في هذه الحالة، مسؤول عن سد تلك الثغرة التي يتسرب منها "المتآمر" الى المشهد، ولا حل لها إلا بإلغاء أسباب الانتفاضة، ودوافع الاحتجاج، أي بالقضاء على الفقر والبطالة والأميّة، وتلك مقومات الدولة الناجحة بكل الأحوال.

غير أن لبنان، محكوم بمعادلة الفشل. لا تخفي الأطراف الخارجية المعنية بالملف اللبناني أن البلاد "فاشلة"، والدولة "عاجزة"، وتنزلق الى التدهور.

اليوم بات التحدي أبلغ. الجوع والكبت، يولد العنف. هذا واقع لا مفر منه، وهو نتيجة حتمية للفقر والاتهامات بما يتيح خنق الحريات. ما تقوم به السلطة، خطاب مكرر، يتجاهل ما قاله رؤساء الأجهزة الأمنية منذ سنوات كثيرة، بأن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسياً. خطاب المسؤولين اليوم، لا يُصرف في شوارع طرابلس ولا في أي موقع لبناني آخر، يُراد في بعضه تصفية حسابات سياسية، كما هو حال المتسلقين على موجة الثورة.

ثمة طرفان في موقع الاستثمار. مستغل الحدث للتسلل الى المشهد السياسي، وسياسي يريد البناء على استثمار الأول لتصفية حساباته معه. لكن الفارق بينهما أن أحدهما مجهول، يُتهم بلا دليل حسي قبل انتهاء التحقيقات الأمنية بما حدث على الأقل، بينما الثاني معلوم المصدر وشخصياته.

المؤامرة مشتركة، لا جدال في ذلك، أحدهما بشرعية وجوده في صناديق الاقتراع، والثاني بشرعية غيابه ولو أنه يقف (أو يُتهم بالوقوف) وراء مجموعات متفرقة نُظمت في مجموعات "واتسآب". وعليه، لماذا لا يُتهم السياسي أيضاً باستغلال ما حدث لتصفية حساباته مع مجهولين؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها