الجمعة 2021/01/01

آخر تحديث: 17:59 (بيروت)

الدّحيح على "شاهد": المُتحَف يبتلِع الغرفة

الجمعة 2021/01/01
الدّحيح على "شاهد": المُتحَف يبتلِع الغرفة
increase حجم الخط decrease


طوال أشهرِ الصَّيف، ظلَّ جمهورُ الـ"بوب سينس" يترقَّبُ بفارغ الصَّبر موعدَ عودة نجمِه الأشهر: الدّحيح (أحمد غندور 26 سنة)، رائد (إن صحّتِ التَّسمية) هذا النّمط من البرامج، ومتصدِّر أعلى تصنيفات المُشاهَدة في "يوتيوب" في المنطقة العربية. 

غير أنه لم يكد خبرُ عودة الدّحيح يستقرّ، تحت عنوان جديد/قديم هو "متحف الدَّحيح"، حتى انتهى بثُّ البرنامج على "منصّة شاهد" الرّاعي الحالي لنسخته الجديدة، من دونَ سابق إنذار بعد خمسِ حلقات فقط، أي بعد قرابة شهر واحد على الانطلاقة! 

أظهر الانتهاءُ السريع أن الموسم الأول من العودةَ المُتحفيّة للدحيح، كانت أقلَّ اكتراثاً بسيرورة التجربة والصورة التي سيربطُها الجمهور بالكثافة الفنّية والإنتاجية السابقة، ولن يكف عن مقارنتها بتلك الفترة، إبّان العمل مع منصّة Aj+ الأوسع انتشاراً وجدلاً. 

بادئ ذي بدء، حضرَ امتحانُ التلقي العسير الذي تبدّى بهجرِ اليوتيوبر غُرفتَه الضَّيقة، مُتَخلِّياً عنها وعن تفاصيلها المُوحية بالروح "النّيرد". علاوةً على ذلك، يبدو أنّ أشياءَ كثيرة قد سقطتْ خلال عملية الانتقال من الغرفة إلى المَتحف، ليسَ أقلّها ولا أفدحها نصف الجمهور المِليونيّ الذي لا يَقدر على ولوجِ منصّة مدفوعة مثل "شاهد" سواء كانت التكاليف رمزيّة، أو لأنّ ثقافة الدّفع والاشتراك غير رائجة في الوقت الذي تُوفّر مواقع "الهاكرز/ القراصنة" كل ما يريده المشاهد تقريباً وبالمجان.

 في السياق، وإذا كانَ أمرُ التكاليف الماديّة محلولاً عند المُتفرّجين، إلا أنه لا يمكن إغفال التكاليف النفسيّة على جمهورٍ نشأت في ما بينه صلةٌ ما، أو رُوحٌ تخلق التّضامن، بكلمات الفيلسوف الإيطالي فرانكو بيراردي "جيلٌ تعلّمَ الكلمات من الآلات أكثر ممّا تعلمَها من أبويه". 
ربما يفتح الكلام عن الجماهير والمُشاهدات الحديث ويوسّعُه صوب تقييم تجربة "منصة شاهد" بشكل عامٍ، بمعزل عن انتقال الدّحيح إليها، يُمكنُ لنا أنْ نسألَ ماذا قدّمت هذه المنصة من محتوى للجمهور العربي؟ سوى مُسلسلات تُكرّسُ دور النّساء بوصفهن "ربّات بيوت" يتربّصن بأجهزة تحكُّم التلفاز بين الطّبخة والأخرى. 

بناء على ما سبق فالانطباع الأوّل عن منصّة "شاهد"، حتى ولو اكتشفنا أشياء أخرى تقبع في زواياها، هو أنَّ جمهورَ المنصّة هَرِمٌ من ناحية عُمْريّة، ومتوَغّلٌ بسائر مُكمّلات الاستقرار والدّعة لعائلة عربيّة، لذلك فمحتواها أقلّ جدلاً بين أوساط جيل الشّباب، سواء قورنَت بنظيراتها من منصات مدفوعة، -هل من داعٍ للحديث عن نتفلكس مثلاً؟- أو قورنت بخدمات الميديا المجانية، وعندها حدّثْ ولا حرج عمّا يَعجُّ به يوتيوب من "مؤثّرين".

وفي حال سلَّمنا بمسألة "المدفوع" وعاديّتها، طالما أنّ الاحتكار وبطاقات فك التشفير والحسابات البنكية هي تحصيل حاصل لأفراد مجتمعات الحداثة وما بعدها، يبقى التفصيل الخاص هنا، على أيّ شيء وما قيمة ما تريدُكَ "شاهد" أن تدفع أموالك لأجلِه؟ 

بعيداً عن التفاصيل، وفي العودة إلى موضوع "الدحيح" ومتحفه، فبعد أسبوعين لا أكثر من عودَتِهِ، وهذه مدّة طويلة في زمن النيو ميديا، أخذَ الجمهور يكتشفُ أنّ غرفة اليوتيوبر ورغمَ ما توحي به من عُزلة وتوحُّد، لا شكَّ كانت أقدر على لمِّ وخلق حالة من التفاعُل والمتابعة، من المتحف المُزوَّد بحمولة دلاليّة أثقل على صعيد العنوان، وبعتادٍ من الفخامة والتَّوسّع بالكوادر التمثيليّة. 

بالمقابل، هذا لا يعني الذهاب إلى أنَّ القدرات الإنتاجية للبرنامج في طَورِ الغرفة كانت ضئيلةً، ولو أيّدَ هذا الادّعاءَ بيانُ إدارة AJ+  في العاشر من حزيران/يونيو الماضي حول إيقاف البرنامج لأسبابٍ إنتاجيّة، إنّما نقصد هنا المعنى النّسبي للإنتاج، إلى أيّ النّاس يتوجّه وما خطوطُه الرّساليّة والتّرفيهيّة العريضة، وليس أيّ المنّصتين يُراكِم ميزانيّة أكبر؟  

تراكبَتْ في برنامج الدَّحيح عوامل الفُرْجة في سبيل تكريس وخدمَة النّمط، وهذه سمة مُشتركة نوعاً ما في عوالم اليوتيوبرز وصنّاع المحتوى، ففي الوقت الذي كان يُلهِمُ النّمطُ صانعَ المحتوى من جهة أولى، ويُلهب المُتَلقّي من جهة ثانية، يغدو الأمر مع مرور الوقت أصعب، خاصّة مع ظهور أنماط أخرى منافِسَة سرعانَ ما تصطبغُ بشيء من الميكانيكيّة، صعود وأفول  في آنٍ واحد، بلا آماد طويلة، إنّما تلميحٌ موجز لا يتخطّى العشرين دقيقة. 

لذلك ومع كُلّ أسبوع، تصيرُ التساؤلات الضرورية والأكثرَ إلحاحاً، التي يُوجّهها المُتفرّج ل"المؤثّرين" من أضراب وأتراب الدحيح، ما الخطوة التَّالية من حيث الأسلوب؟ وليس، ما الحلقة التالية من حيث الموضوع؟ ولو أنّ صانع المحتوى مثلُه كمثل لاعب الخفّة يُحاِولُ أن يُشغلَ مسرحَ الفُرجة بالسؤال الثاني ويموّه الأوّل. 

تبدو مقولة "المحتوى هو الملك" كسولة ومستهلَكة، في تفسير الجماهيريّة في "يوتيوب" والسوشال ميديا عموماً، وصحيحٌ أنّ المحتوى الأدائي قد تضافرت عدّة جهود إنتاجية من أجل إبرازه، وهي  ضخمة لدرجة لم تعد عملية "خلع" الدحيح لذاتِه في سبيل "خلق" شخصية أُخرى بالعمليّة السهلة، ولا يُمكنُ لأيّ منصة أن تتبنّاها بمجرّد إعلان انتهاء موسم وبداية آخر.  
بيد أنّه يُمكنُ الذهاب أبعد من ذلك على صعيد التّلقي، والعودة للاستعانة بأدوات بيراردي في السيمولوجيا، وقراءة الأنماط السلوكية لمُتَفرِّجين تلقّوا الكلمات عن الآلات "إنّ بينهم من يؤجّلُ انتحارَه يوماً آخر لأنّه ينتظرُ فصلاً من سلسلة مانجا أو طبعة جديدة لفيديو غيمز". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب