حجم الخط
مشاركة عبر
قبل سنوات، أطلقت مجموعة من الناشطات النسويات في كل من لبنان ومصر هاشتاغ "افضح متحرش" في مواقع التواصل الاجتماعي. تفاعل مع الحملة عدد كبير من النساء، ليساهمن بنشر حكاياتهن الخاصة عما تعرضن له من تحرش أو اغتصاب، بالإضافة إلى نشر فيديوهات وصور تفضح المتحرشين وأفعالهم.
وإثر التفاعل الكبير مع الحملة، انطلقت العديد من المنصات والمدونات النسوية كمدونة "دفتر حكايات" وصفحات متخصصة بفضح المتحرشين، وبدأت بنشر القصص مع ضمان السرية الكاملة والخصوصية للضحايا، ليتبعه بعدها هاشتاغ "نصدق الناجيات" كنتيجة لحملات التكذيب وتشويه السمعة التي تعرضت لها نساء أدلين بشهاداتهن.
خلال تلك السنوات ساهمت هذه الحملات بفضح عدد كبير من المتحرشين ومن ضمنهم شخصيات بارزة في الأوساط الفنية والإعلامية، كالصحافي المصري هشام علام وغيره.
وعلى الرغم من الآثار الكبيرة التي أحدثتها هذه الحملات الإلكترونية في العالم العربي، إلا أن أثرها تأخر بالوصول إلى الشارع السوري، الذي يشهد اليوم أول مناصرة حقيقية للحملة.
إنطلق هاشتاغ "افضح متحرش"، وبات يجتاح صفحات السوريين منذ يومين، عندما نُشر فيديو يفضح محمد مرهف القاسمي، الذي يعمل كمدرس جامعي في جامعة الفرات في مدينة دير الزور، والذي يظهر في الفيديو وهو يمارس العادة السرية ويطلب من إحدى طالباته فتح كاميرا لرؤيتها خلال استثارته الجنسية لإنجاحها في مادته ومنحها علامات عالية، مقابل إرسالها صورها وهي عارية.
انتشر الفيديو كالنار في الهشيم في الصفحات والمجموعات السورية في "فايسبوك"، ورافقت النشر معلومات تفيد بأن القاسمي كان على مدى سنوات يقوم باستغلال مكانته الوظيفية لاستغلال طالباته جنسياً، وهناك طالبات عديدات قمن بالإبلاغ عنه، لكن من دون جدوى.
وفي حين أبدت المنصات الإعلامية السورية البديلة اهتماماً بالغاً بالقضية، إلا أن الإعلام الرسمي السوري تجاهلها تماماً، ولم يخصص للقضية سوى دقائق معدودة على إذاعة "شام إف إم"، وذلك خلال مقابلة مع عميد كيلة الحقوق في جامعة الفرات، أحمد عبد الرحيم، الذي حاول أن يقدم رواية مختلفة عن القضية. هي رواية يمكن وصفها بأنها غير منطقية وغير متماسكة.
وقال عبد الرحيم إنه قام بإجراء تحقيق مع القاسمي منذ ما يقارب الشهر بخصوص الفيديوهات الجنسية المسربة له مع الطالبات، وأكد أن القاسمي أقر حينها بصحة تلك الفيديوهات وتمت إحالته إلى المجلس التأديبي لمقاضاته وتوقيفه عن العمل، لكنه أشار إلى عدم اتخاذ القضاء إجراءات مباشرة لعدم وجود مدعٍ مباشر، ولأنه لم يسبق أن تلقى أي شكوى بهذا الخصوص.
وحاول أن يغير مسار القضية كاملاً من خلال اتهامه للطالبات اللواتي نشرن الفيديو بأنهن متنمرات، واتهمهن بأنهن يسعين لإثارة هذا اللغط لتعطيل عجلة الإصلاح ومحاربة الفساد، ليشير إلى أن القاسمي هو ضحية خدعة دبرت له ومؤامرة كبيرة حيكت ضد الجامعة لضرب سمعتها، وتوعّد الفتيات اللواتي قمن بتسريب الفيديو بالعقاب.
هذه الرواية، التي تعتبر الرواية الرسمية الوحيدة التي تمثل الجامعة، تتعارض مع كل المعطيات والوقائع، بما فيها البيان الذي نشره القاسمي عبر صفحته الرسمية في "فايسبوك"، والذي نفى فيه صحة الفيديو، ليدعي بأنه فيديو مفبرك وأنه ليس هو من يظهر فيه، ويدعي أيضاً بأنه وقع ضحية ابتزاز من أحدهم لتسريب أسئلة الامتحانات وألقى باللوم على إدارة "جامعة الفرات" لتوقيفه عن العمل.
انقسم الشارع السوري الى طرفين في منصات التواصل الاجتماعي؛ الطرف الأول ارتأى ضرورة فضح المتحرش ومحاسبته، والطرف الثاني أبدى ميلاً للوم الضحية وفضّل التستر على المتحرش.
وبعد أن بدأ الناشطون بتداول الفيديو كوثيقة تؤكد الفساد في بنية النظام التعليمي السوري، بدأت بعض المنصات الإعلامية السورية بنشر شائعات عن انتحار القاسمي، ليتصدرها العنوان: "انتحار الدكتور محمد القاسمي بسبب حملات التنمر التي تعرض لها في مواقع التواصل الاجتماعي"، ليبدو أن هذه المنصات تحاول أن تتلاعب بالمفاهيم بما يفيد أجنداتها السياسية، فوسمت هذه الحملة بالتنمر بدلاً من مناصرتها!
الأمر الذي يبدو غريباً في ظل هذه المعمعة، هو الموقف الذي تبناه عدد كبير من الفنانين والإعلاميين الداعمين للنظام السوري، إذ قاموا بنشر منشورات للتضامن مع المجرم على حساب ضرب سمعة الضحية، كما فعل الإعلامي حيدر مصطفى (مدير تحرير شام تايمز)
حين نشر: "أنا هلأ شفت فيديو الدكتور، برأيي هو انتهاك خصوصية، وتشهير خارج اطار القانون وابتزاز متبادل، بلا شك معيب بحقه يستميل طالبات. لكن للأمانة هزني الفيديو وشعرت بالأسف عليه، أكاد أجزم بأن النسبة الأكبر من الناس عندها محادثات جنسية، وهذا أمر خاص ومعيب نشره وبرأيي يدين الناشر بذات القدر من الإهانة للضحية". واضاف: "الدناءة متساوية في هذه الحالة".
حين نشر: "أنا هلأ شفت فيديو الدكتور، برأيي هو انتهاك خصوصية، وتشهير خارج اطار القانون وابتزاز متبادل، بلا شك معيب بحقه يستميل طالبات. لكن للأمانة هزني الفيديو وشعرت بالأسف عليه، أكاد أجزم بأن النسبة الأكبر من الناس عندها محادثات جنسية، وهذا أمر خاص ومعيب نشره وبرأيي يدين الناشر بذات القدر من الإهانة للضحية". واضاف: "الدناءة متساوية في هذه الحالة".
وفي المقابل فإن العديد من الفنانين السوريين استثمروا هذه المناسبة لتوطيد علاقاتهم مع أساتذتهم بالوسط الفني بدلاً من إبداء التعاطف وإدانة المتحرش.
ومن خلال التفاعلات، يبدو أن الشارع السوري لم يصل بعد إلى مرحلة تصديق الناجيات، إذ شكك عدد كبير بشرف الضحية واتهموها بالعهر، بدلاً من الإشادة بشجاعتها وبقيامها بفتح الباب أمام حملة لدعم النساء ضد التحرش في سوريا للمرة الاولى، ناهيك عن كونها قد نجحت بالفعل بفضح القاسمي، الذي في الغالب لن يتمكن بعد اليوم من ابتزاز الطالبات وسيفكر ألف مرة قبل القيام بجريمته خوفاً من الفضيحة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها