الجمعة 2020/09/04

آخر تحديث: 17:21 (بيروت)

لا تجلدوا لبنان ونبضه.. قوته في ضعفه

الجمعة 2020/09/04
لا تجلدوا لبنان ونبضه.. قوته في ضعفه
يتلذذ بالدلال في المهد، ويغدق عليه الخارج بكل شيء، حتى بالكلاب المدربة
increase حجم الخط decrease
"لا طائرات لإطفاء الحرائق، ولا كلاب للبحث عن ناجين، ولا رافعات..."

تختصر تلك التغريدة كل الجدل القائم منذ منتصف ليل الخميس-الجمعة، لتوصيف حالة الدولة اللبنانية. حالة الكيان الذي فشل في أن يكون دولة.

كان الاعتقاد واسعاً لدى شرائح كبيرة من اللبنانيين أن العبارة التي حكمت لبنان، في الخمسينيات والستينيات، والقائلة "قوة لبنان في ضعفه"، تقتصر على القوة العسكرية. لم يفكر اللبنانيون للحظة، بأن الضعف الذي أراده حكام لبنان، منذ ذلك الوقت، يشتمل على كل شيء. على أدنى متطلبات الحياة، ومقوماتها، وأدنى شروط انقاذ المواطنين، ورفع الموت عنهم. 

تبين أن الضعف هو سلوك حياة. هو وصفة للبقاء في المهد، استناداً الى حقيقة ان لبنان هو أصغر الدول مساحة جغرافية في العالم، ويحتاج الى رعاية أم، أو حضانة "بايبي سيتر". يتلذذ لبنان بهذا الدلال، فانكشف امام مواطنيه الذي سأل أحدهم اليوم: "ما المانع من أن يكون لبنان لديه كلاب مدربة مثل تشيلي تساعد في عمليات الانقاذ؟"

المانع الوحيد هو التلذذ بالرعاية، والتنعّم بالعيش على موائد الافاضل. لم يختر الكيان، منذ انشائه، خيار التخلي عن التبعية، او الاكتفاء الذاتي. يثير السياسيون السخرية حين يتحدثون عن توق لتحويل لبنان من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج. فلا موارد لديه، وان وُجدت، فإنها محكومة للتوازنات الدولية وقوة الاقليم (بلوك رقم 9 في المياه الاقتصادية اللبنانية نموذجاً). ولا طاقة له على الانتاج، ولا موازنات لها. وحين قام طلاب جامعة هايكازيان في الستينات بتطوير مشروع صواريخ للنفاذ الى الفضاء، توقف المشروع بسبب غياب التمويل. 

لبنان بلد يصدر الأدمغة، ويستورد كل شيء. هذا ما أراده، ووضع نفسه ضمن هذا الاطار منعاً لتحميله أي وزر انقاذي. اختار أن يكون تابعاً، بالسياسة والاقتصاد والمأكل والمشرب، وحتى بأدوات الانقاذ التي يفترض أن تتواجد في كل بيت. حتى ان الحكومة السابقة باعت طائرات وصلت اليها كهبة في العقد الماضي لإطفاء الحرائق، بسبب تكلفة الصيانة. 

نبذ البلد طاقاته، وابعدها الى الخارج. ففي حين هجر الكثير من المفكرين البلاد للبحثث عن فرص التطوير والاختراع في الخارج، وترتفع ارقام االأطباء والممرضين الذين وصلتهم عروض للعمل في دول اوروبية الآن، يحاصر البلد من يحاول أن يكون منتجاً، إسوة بمتطوعي الدفاع المدني الذين يتواجدون في الكوارث المتواصلة من أواخر أيلول / سبتمبر الماضي (حريق المشرف)، ويبخل عليهم حتى بتوظيفهم. ويتناقل رواد مواقع التواصل صور الناطق باسمهم يوسف الملاح ورفاقه، ويتساءلون عن حق هؤلاء بأن يكون مواطنين، أو يشعروا بمواطنتهم لبلاد يمكن ان تقدم لهم مكافأة على عملهم. 

رفع كشف كلبة يستعين بها فريق الانقاذ التشيلي عن نبض تحت الركاام، زيف البلد وليس هشاشته. هو ليس بلداً، كما يطمح اللبنانيون. هو مزرعة يتولى اقطاعيون ادارة بقع جغرافية فيه، وتنتخبهم شعوبهم. كما في النظام المقاطعجي، يعمل هؤلاء لتسديد ديون استدناها ولاة الامر السياسيون، او قامروا بها، أو نقلوها الى خزائنهم. وفي المقابل، لا يحصلون الا على ما يبقيهم أحياء من أكل ومشرب مدعوم من المصرف المركزي. 

قوة لبنان في ضعفه؟ ينسحب الميدأ على أحوال اللنبانيين وخدماتهم. على أمنهم الشخصي. على معيشتهم وشروط البقاء أحياء. ضعفاء، ونعيش على مائدة الدول المانحة التي اغدقت علينا مساعداتها الطبيعة والغذائية، وفرق البحث عن ناجين واشلاء.. 

ومن المثير للسخرية جلد الدولة، او انتقادها. فهي أصغر من أن تُنتقد، لأن النقد سيكون اعترافاً بها كدولة. هي كيان، ليست أكثر من ذلك، له ظروفه، ولم يحكمه من يحبه. بل حكمه من يوالي الخارج، ليبقيه على حاجته. 

لبنان لم يمت، لأنه لم يتم انشاؤه اساساً كدولة، بل كمحافظة تابعة، تنقل ولاءها من فرنسا الى مصر ثم الولايات المتحدة ثم سوريا والخليج وايران، وتعود الآن الى فرنسا... انها رحلة التحول لولاة ينقلون تبعييتهم من دولة الى دولة، حين يُجلون بالعصي على الابواب العالية. اما اللبنانيون، فليسوا اكثر من رعايا ينتظرون الترحال في بلاد الله الواسعة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها