وبدأت القضية، الخميس الماضي، إثر الكشف عن اعتقال عيسى بسبب منشور كتبه في 2 آب/أغسطس الجاري، بعنوان "طفح الكيل" ويتحدث عن تحمل جنود النظام للجوع والعطش ورفض الفساد المستشري في القطع العسكرية، مع توجيه انتقادات حادة لمن يسرقون الطعام المخصص للجنود حسب تعبيره.
وفيما أرفق عيسى منشوره بصور لطعام يبدو بحالة سيئة جداً ويوحي بأنه وجبة للثكنة أو القطعة التي يعمل فيه، تتكون من مجموعة من الخضراوات التي باتت تميل للتعفن، ردت صفحات موالية للنظام بالقول أن ما يظهر في الصورة هو ثمار البطيخ الأصفر التي تنتشر في الصيف بين السوريين، وأنها تعتبر نموذجاً لحرص القيادة على الجنود، وليس العكس، مع التحريض على كل من ينتقد جيش النظام، والتهديد بالملاحقة القانونية.
وكتب عيسى: "طفح الكيل.. تحملنا الجوع والعطش والحصار.. خضنا الموت ولم نمت.. وضعنا فوق الجرح ملحاً مراراً وتكراراً ولكن لايمكن أن نقبل فيما يحصل اليوم"، مضيفاً: "إذا كنتم تعتبروننا حيوانات نعلمكم أن طعامنا هو العلف والتبن.. وإن كنتم تعتبرونا حشرات فإننا نقتات على الفضلات.. ولكن غصبًا عنكم نحن بشر وأشرف وأنبل منكم.. أين القيادات العسكرية والأمنية من هذا العهر الممنهج؟.. هل هذا هو الوطن الذي نحارب من أجله".
... طفح الكيل... تحملنا الجوع والعطش والحصار.. تحملناالحروالبر والأمطار.. خضنا الموت ولم نمت.. وضعنا فوق الجرح ملحاً...
Posted by معن عيسى on Sunday, August 2, 2020
وينحدر عيسى من بلدة صافيتا بريف طرطوس في الساحل السوري، وهو من خريجي الكلية الكلية الجوية، ومن قوات النظام السوري التي حوصرت لسنوات في مطاري منغ وكويرس العسكريين على أيدي فصائل المعارضة السورية، ونال شهرة واسعة بين الموالين، بعدما احتفت به قنوات النظام السوري وأجرت معه مقابلات عديدة، قبل نحو خمس أعوام، عقب فك الحصار عن مطار كويرس.
ومثلما هو متوقع، كانت ردود أفعال الموالين رومانسية وسطحية، حيث كرروا مناشدتهم للرئيس بشار الأسد من أجل التدخل وتطهير الجيش من الفاسدين وتحقيق العدالة لعيسى. وكتبت صفحة "فساد دواعش الداخل" مثلاً: "سيدي الرئيس هل يعقل بأن المناداة والمناشداة لم تصلك ولم تطلع على الملف!!؟؟ سيدي الرئيس يوجد الكثير مثل معن في السجون مسجونين ظلماً بعدما ضحوا وقدموا للوطن ما لم يقدمه أكبر مسؤول هو وعائلته. هل يعقل هذا!! لمن نناشد ولمن نشكوا الظلم الذي نعاني منه جميعاً؟؟".
ويجب القول أن نظام الأسد ينفذ رقابة شديدة على مجنديه في ما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، وتوجيه الانتقادات التي "تسيء لصورة الدولة" بالتوازي مع حالة التقديس الموازية للجيش "الذي حرر البلاد من الإرهاب"، ووصل الأمر حد إصدار
قرار صدر العام 2018 يقضي بمنع المقاتلين من نشر صورهم في الإنترنت.
وفي شهر تموز/يوليو الماضي
ضجت البيئة الموالية بحديث بعض العسكريين عن سوء معاملة ضباط لهم وفسادهم في القطع العسكرية، عبر "فايسبوك"، وبالتحديد
صفحة "فساد دواعش الداخل" التي نالت شهرة كبيرة في الأوساط الموالية للنظام مؤخراً، كونها أرفقت الاتهامات التقليدية التي تنشرها معظم الصفحات العسكرية وغير العسكرية في البلاد، بمجموعة من الوثائق التي تظهر حجم الفساد ضمن الجهاز العسكري.
وفي الشهر نفسه، أصدرت وزارة الدفاع، قراراً يقضي بتقليص مخصصات الإطعام لعناصر وضباط الجيش، بما في ذلك مادة الخبز، في ما بده أنه ارتداد لقانون "قيصر" الذي فرض عقوبات شديدة على النظام السوري حينها، وانتشرت حينها صور مشابهة للصورة التي نشرها عيسى، لكنها لم تؤدي لاعتقال أصحابها، وقد يعود ذلك للسرية كانت تعتمد عبر النشر في صفحات عامة من دون الإشارة لأسماء الجنود المنتقدين، بعكس عيسى الذي كشف هويته علناً وتحدث بوصفه أحد المشاهير في البيئة المحلية.
إلى الان لم يخرج المقدم #معن_عيسى !!!! سيدي الرئيس هل يعقل بأن المناداة و المناشداة لم تصلك ولم تطلع على الملف !!؟؟...
Posted by فساد دواعش الداخل on Sunday, August 23, 2020
ورغم أن كل ما سبق ليس جديداً بحد ذاته، بل يعد ممارسات يعرفها السوريون جيداً، فإن ترداده بهذه الصورة من الاستياء، يرتبط بحقيقة أن الحديث عن مقاتلي الجيش عموماً في خطاب النظام الإعلامي والدبلوماسي يتسم بشيء من القدسية، حيث يتم استغلال الجنود عادة لتلميع صورة النظام السوري، أمام البيئة الموالية. وإن كان الاستخفاف بأولئك الجنود وعائلاتهم بات متكرراً ومستفزاً للموالين، خصوصاً أن النظام السوري سابقاً بتوزيع ساعات حائط ومَواشٍ ومواد غذائية معلبة وصناديق من البرتقال، كتعويضات لأسر القتلى في جيشه، ما يثير سخرية الناشطين باستمرار من تلك الطريقة المهينة في التعامل مع "أبطال النظام".
وكانت مطالبات جنود النظام تتراوح في السنوات الماضية، بين الحصول على ميزات مادية أكبر وتقييد مدة الخدمة العسكرية في البلاد والمطالبة بتسريح المجندين القدامى، وتوسعت مع مرور الوقت لتشمل الحديث عن سوء حياة العسكريين اليومية، بما في ذلك سوء التغذية مقارنة بالمقاتلين غير الرسميين في قوات الدفاع الوطني أو حتى الجنود الروس. وهي قضية تفجرت العام 2017 عندما ألقت وزارة الدفاع القبض على ضباط ضالعين ببيع مخصصات طعام الجيش.
أن يسيء البعض للضابط الموقوف معن عيسى فهذا إجحاف كبير أملنا بمن تبقى من شرفاء في بلادنا لحسم هذا الجدل والانقسام الكبير.
Posted by Jafar Muhana on Thursday, August 20, 2020
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها