الأربعاء 2020/08/12

آخر تحديث: 16:54 (بيروت)

إعلام إسرائيل يُلاحق "ضيوفاً" مِن لبنان

الأربعاء 2020/08/12
إعلام إسرائيل يُلاحق "ضيوفاً" مِن لبنان
وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتّي، رفض الظهور، كذلك الصحافي بيار عقل.. فتم تعويضهما بوليد فارس!
increase حجم الخط decrease
يحرص الإعلام العبري بشكل لافت منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت، الأسبوع الماضي، على اصطياد أي محلل أو خبير سياسي لبناني حتى لو تواجد خارج حدود لبنان، ليكون ضيفاً لدى محطات التلفزة والصحف في إسرائيل.
راقبت "المدن" عملية الملاحقة التي تجريها الفضائيات الإسرائيلية لضيوف لبنانيين يقيمون في الخارج؛ علّهم يمتلكون قدرةً أكبر من نظرائهم في الداخل على قول كلمة "موافق" على الحديث مع إعلام إسرائيل؛ نظراً لتجريم الدولة اللبنانية أي مواطن يحاول التواصل مع صحافيين أو وسائل إعلام عبرية بتهمة "التواصل مع العدو". 

إعلامي من فلسطينيي 48 كشف لـ"المدن" أن قسم الأخبار في الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "مكان" طلب مساعدته في توفير أسماء وعناوين الكترونية لصحافيين او محللين وخبراء سياسيين لبنانيين مقيمين في الخارج كي يتواصل معهم؛ لاستضافتهم وبثّ قراءاتهم للمشهد اللبناني وتطوراته، خصوصاً بعد واقعة انفجار بيروت وما تسببت به من تعاظم لغضب الشارع في لبنان، ومروراً باستقالة حكومة حسّان دياب.

ولمّا فشل راديو وتلفزيون "مكان" في انتزاع موافقة صحافيين ومحللين وأكاديميين لبنانيين يقيمون في الخارج على الظهور عبر أثيرها أو شاشتها المستطيلة، امثال الصحافي اللبناني المتواجد في فرنسا بيار عقل، ووزير خارجية لبنان الأسبق ناصيف حتي، وغيرهما.. حتى وجدت القناة ضالّتها في الأميركي من أصل لبناني وليد فارس الذي عمل سابقاً مستشاراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية، كي يتحدث عن عُنفوان الشارع اللبناني ومخاضه.

 "هذه ثورة أم فوضى في لبنان؟".. هكذا كان السؤال الأول الذي هندسته غرفة تحرير الأخبار، واستهل به مذيع "مكان" محاورة وليد فارس المنتمي للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.. حتى أجابه الأخير، قائلاً: "بغض النظر عن التسمية، فإنّ واشنطن ترى أن ما جرى من حراك غاضب في الشارع اللبناني بعد نكبة آب/أغسطس في مرفأ بيروت بمثابة ردّ فعل شعبي غاضب.. لكن في السياق، انها ثورة تريد تغيير نظام الحكم في لبنان ونزع سلاح حزب الله".

ثمّ طرح المذيع سؤالاً بوليسياً أكثر من كونه صحافياً: "هناك من يقول إن اقتحام فئة من المتظاهرين في الأيام الماضية لمقر وزارة الخارجية اللبنانية ومقار سيادية أخرى، كان مدبراً من اجل اتلاف ملفات فساد لعدد من المسؤولين، وإلا كيف يُفسَّر اقتحامها لهذه المباني الحساسّة؟!".. 

وردّ وليد فارس على السؤال كـ"مدافع" عن الشباب المنتفض عبر إجابة مفادها: "هذه نظرية المؤامرة الموجودة لدى البعض.. لكن ما جرى في بيروت عبارة عن ثورة شعبية تضم بعض الضباط السابقين في الجيش اللبناني. إن اقتحام مبنى الخارجية كان لتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي أبرزها نزع سلاح الميليشيات وإسقاط الحكومة. وهم غير موحّدين حتى الآن على الأهداف وهذا طبيعي في الثورات غير المنظمة واللامركزية".

قناة "مكان" ليست الوحيدة التي تبحث عن لبنانيين يتحدثون إليها عما يجري في بلدهم، بل حذت قنوات وصحف إسرائيلية أخرى الحذو نفسه.. فحاولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التواصل مع الصحافي والباحث اللبناني المقيم في الولايات المتحدة جو معكرون. وقام الأخير بنشر رسالة الصحافي الإسرائيلي الذي تواصل معه في صفحته في فايسبوك، لكنه رفض طلبه مُطلقاً. وعلّق معكرون بطريقة لا تخلو من التهكم، قائلاً: "صراحة مضطر اعتذر لانني اعلم ما يجري في اسرائيل اكثر مما يجري في لبنان".

كما وسُجلت محاولة فاشلة مماثلة من قناة "i24" التي لم تنجح في اصطياد الصحافية اللبنانية لونا صفوان كضيفة على شاشتها المستطيلة.

والحال، أن دافع إعلام إسرائيل لملاحقة ضيوف ومتحدثين لبنانيين مرتبطة بكون "الصدمة" التي تعيشها بيروت والحقد الشعبي المتنامي على الطبقة السياسية الحاكمة، لا بد من أن تكون فرصة ذهبية بالنسبة للكيان؛ كي يُطبّع حضور اللبناني في الإعلام العبري "ضيفاً" ليصبح "عاديّاً" و"مألوفاً"؛ بما يحقق "نشوة الإنتصار الإسرائيلي ولو معنوياً" على مأسسة العداء مع إسرائيل.

بالمُجمل، بدت تغطية الإعلام الإسرائيلي لأحداث الأيام الأخيرة في لبنان كما لو أنّها "حملة منظمة".. فمثلاً تخصص القناة العبرية الرسمية "مكان" مساحات يومية لمواكبة تطورات المشهد اللبناني، كارتباط بمراقبة المؤسسة الرسمية في تل أبيب لحزب الله في لبنان.

وكي تتحقق هذه الغاية سالفة الذكر، يلعب راديو "مكان" على وتر الفنانين اللبنانيين لاستمالة معجبيهم أيضاً لإتخاذ الموقف ذاته. وإن كان الفنانون محقون، ويتحدثون بوجع عن السلطة اللبنانية الفاشلة والقامعة، إلا أن الإعلام الإسرائيلي يريد استغلال هذه المأساة وهذه الأصوات المستنكرة عن حق، في ماكينته الدعائية لمصلحته، وبالطبع ليس لمصلحة الشعب اللبناني الجريح. فيطرح الإعلام مواقف فنانين لبنانيين وتصريحاتهم الغاضبة من المنظومة السياسية في دولتهم، تحت عنوان أن "الفنانين في لبنان خرجوا عن صمتهم وباتوا أكثر جرأة في المطالبة بتغيير النظام".

وقد بثت "مكان" مقتطفاً صوتياً للفنان ملحم زين مدته أربع دقائق وخمس عشرة ثانية، يقول فيه غاضباً "بيتي تضرر واولادي تجرحوا.. نحنا محكومين من زمرة وعصابة"، معرباً عن أسفه جراء الوضع الراهن في لبنان.

ثم نجد برنامج "نسيم الصباح" في "مكان" وقد أجرت مقدمته ايمان القاسم سليمان مقابلة مع مدير البرامج الفنية في الإذاعة الإسرائيلية شادي بلان تحت عنوان "بين تضامن وإصابات.. كيف تفاعل الفنانون في لبنان مع حادث الانفجار؟".. عملت مذيعة "مكان" في المقابلة التي مدتها 4 دقائق و14 ثانية، على إثارة ما سمّتها "جرأة كافية من فنانين لبنانيين في انتقاد الحكومة والمطالبة بالتغيير"... وهو الحق الذي يُراد به باطل. فسلطت الضوء على نداء الفنانة نجوى كرم وكذلك الأضرار التي طاولت الفنانين اليسا وراغب علامة، وإصابة الممثلة نادين نجيم التي هي بصحة جيدة وزوجة الفنان رامي عياش. 
ولم تنسَ إذاعة "مكان" أن تروّج لـ"إنسانية" إسرائيل، من خلال الترويج لتضامن "مكان" مع الشعب اللبناني والتعبير عن ذلك من خلال بث أغانٍ تعبّر عن هذا التضامن والحب للبنانيين.. الذين سبق أن قصفتهم وقتلت المدنيين منهم وشرّدتهم مراراً!

وإنطلاقاً من تمثيلية "الإنسانية" التي تغلف حقيقة البروباغاندا الإسرائيلية الرامية إلى استغلال الظرف المعقد في لبنان، واظبت قناة "مكان" على بث مشاهد للدمار الذي طاول بيروت، مروراً ببكاء شابة لبنانية فقدت والدها في انفجار بيروت ولم يُعثر عليه حتى اللحظة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها