الخميس 2020/07/30

آخر تحديث: 19:29 (بيروت)

حزب الله المقيد بالجوع وبالمرض

الخميس 2020/07/30
حزب الله المقيد بالجوع وبالمرض
من يذهب الى الحرب بشعب جائع؟
increase حجم الخط decrease


يأتي الصيف وتأتي معه أخبار الحرب. اعتدنا عليها في الجنوب منذ كنا أطفالاً. إسرائيل تحب الحروب صيفاً. بعد أن يشهد المرء حروباً عديدة، يتكون لديه نوع من الخبرة عن كيفية سيرها وقواعدها، كيف تبدأ، كيف تتطور، كيف تنتهي. 

إسرائيل مثلاً، حين تبدأ الحرب، ترسل طائراتها الحربية لتغير على المواقع الخلفية لـ"حزب الله". أي توتر لا يتضمن الطائرات الحربية في سمائنا لا يعول عليه. لا تبدأ الحرب قبل أن تقوم بأولى غاراتها. 

"حزب الله" بدوره لديه أسلوب مختلف لإشعال الحرب، يرسل مقاتلوه عائلاتهم إلى بيروت وحين نسألهم ما الخطب؟ يجيبون: "لا شيء، مجرد زيارة ولا داعي للقلق". ندرك حينها أننا الدروع البشرية في سبيل القضية الكبرى.

التوتر بسبب الحرب لطالما كان موجوداً ولدى كل جنوبي خطة نزوح جاهزة، مستعد لوضعها قيد التنفيذ في أي لحظة. لكننا هذا العام لا نملك رفاهية الحرب. إلى أين سيهرب سكان الجنوب؟ أي بلاد ستستقبلهم؟ إن لم يموتوا بالقصف، ستقتلهم "كورونا" مكدسين في مراكز النزوح. إن لم تقتلهم "كورونا"، سيفتك بهم النقص الحاد بالمواد الغذائية والأدوية. الجميع كان يعرف ذلك، حزب الله يعرف وحتى البسطاء من الجنوبيين يعرف والجميع يستبعد الحرب، إن لم تبدأها اسرائيل، فحزب الله لن يبادر الى حرب.

قبل الانهيار الاقتصادي، العام الماضي، أرسى حزب الله معادلة أن سقوط أي من عناصره في سوريا سيستدعي رداً من قبل الحزب من لبنان ووضع معادلته حيز التنفيذ حين رد على مقتل جنديين في سوريا العام الماضي. 

اليوم بعد أن قتلت اسرائيل أحد عناصره، يجد الحزب نفسه في موقع حرج. من جهة، هناك حفظ ماء الوجه وآلاف التغريدات يكتبها جمهوره على مواقع التواصل تطالبه بالرد لكن، من جهة أخرى، يقيده انهيار اقتصادي، تفشٍ للمرض، انقطاع للكهرباء سيحول بيروت إلى جحيم للنازحين عدا عن المشاكل الداخلية وصعوبة تأمين المواد الغذائية وتململ لبيئة حاضنة لن تصمد طويلاً. من يذهب الى الحرب بشعب جائع؟ 

عندما بدأت المواجهات في مزارع شبعا منذ أيام، لم نحرك ساكناً. تابع الجنوبيون حياتهم بشكل طبيعي جداً، إلا سكان القرى الحدودية الذين فضل بعضهم الابتعاد عن المواجهات. كنا نجلس على الشرفة نحتسي القهوة ونتفرج على مزارع شبعا من بعيد. الطريق العام أمامنا يشهد حركة سير عادية، لا زحمة نزوح باتجاه بيروت، لا سيارات تتدافع على محطات الوقود، لا نساء تولول، لا رجال تترقب، لا أطفال يختبئون.

تابعنا يومنا بشكل طبيعي جداً وهادئ جداً، تصلنا الأخبار عبر وسائل التواصل ونسمع صوت التلفزيون القادم من صالون البيت. على الرغم من سماعنا لصوت الطيران الحربي في سماء مزارع شبعا إلا أننا كنا على يقين أنها مجرد اشتباكات محدودة لا أكثر. 

بين الحين والآخر يتحدث أحدهم عن مقتل قائد اسرائيلي كبير أو عن سقوط أربع جنود اسرائيليين. مع ذلك بقينا هادئين، لم نتأثر بكل الأخبار الزائفة. قتلى اسرائيليون يعني بداية حرب كنا على ثقة أن حزب الله لا يريدها. أما الجنوبيون فكان كل ما يريدونه هو أن تخلي طائرات التجسس سماءهم لينعموا ببعض الهدوء. 

أعتقد، هذه المرة أن هموم الجنوبيين كانت أكبر من الحرب، يسيطر عليهم القلق من فيروس بدأ يفتك بهم بالتوازي مع غياب الثقة في الدولة والحكومة والمستشفيات. من جهة أخرى، هناك القلق على لقمة العيش وسط انهيار اقتصادي بدأت بوادره تظهر واضحة على الجنوبيين. القلق من الحرب بات يحتل المرتبة الثالثة. أما السلاح فقد أصبح دوره محصوراً في المحافظة على السلطة ويفقد، في ظل الأوضاع الراهنة، كل قيمته ضد اسرائيل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها