الثلاثاء 2020/06/02

آخر تحديث: 17:40 (بيروت)

في معنى أن تكون صحافياً أسوَد في أميركا..

الثلاثاء 2020/06/02
في معنى أن تكون صحافياً أسوَد في أميركا..
أماندا باريت، نائبة مدير التحرير في وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية
increase حجم الخط decrease
بالنسبة إلى العديد من الأميركيين، يعني الفضاء الخارجي مغادرة الغلاف الجوي للأرض واستكشاف المجرة، وكثير منهم يفكر في إطلاق المركبة الفضائية "SpaceX" في نهاية الأسبوع الماضي، أو الذهاب إلى حيث لم يذهب أحد من قبل في سلسلة "Star Trek". لكن مفهوم الفضاء له معنى مختلف بالنسبة للأميركيين الأفارقة.


ويتعلق الأمر بإيجاد مكان في المجتمع الأميركي الأبيض، حيث يمتلك السود الحق في الوجود فقط. وقد تقلصت هذه المساحات في الأشهر الأخيرة. ومع انتشار اللهب الذي انطلقت شراراته في مدينة منيابوليس إلى مدن أخرى بعد وفاة رجل أسود آخر، شعرت أنه لم يبق سوى مساحة صغيرة للتنفس.

هذه الكلمات جزء من تدوينة طويلة كتبتها أماندا باريت، نائبة مدير التحرير في وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في نيويورك. مضيفة: "أنا متعبة. تعبت من كيف كان العنف الروتيني المستمر ضد الأميركيين الأفارقة على أيدي البيض. وأنا غاضبة كصحافية لأن هذا حدث مرات كثيرة لدرجة أننا نعلم جميعاً الزوايا التي يجب تغطيتها، والأسئلة التي يجب طرحها، والقصص المراد كتابتها. ومازالت غاضبة لأنني كصحافية أميركية من أصول أفريقية، يجب أن أشرح مراراً وتكراراً كيف أن هذا كله الأمر مجرد من الإنسانية".

وأكملت باريت: "أفكر بيني وبين نفسي: هل القيام بهذا النوع من العمل يكفي؟ ألا يجب أن أفعل شيئاً لوقف العنصرية والعنف ضدنا؟ طوال سنوات كانت هويتي كأميركية من أصل أفريقي وكصحافية، متلازمين. عندما كبرت، كنت دائماً فضولية خلال نشأتي. قرأت صحيفة مسقط رأسي لأسباب دينية وشاهدت الأخبار المسائية. لقد أحببت بشكل خاص كيف استخدم الصحافيون الحقائق لإلقاء الضوء على الظلم في العالم مع سرد القصص التي يحتاج الناس إلى معرفتها لاتخاذ قرارات في حياتهم. عندما كنت مراهقة، حضرت ورشة عمل صحافية مخصصة للأقليات لمدة أسبوعين، واخترت بذلك طريقي المهني، لكن في الآونة الأخيرة، ازداد التنافر بين شطري هويتي".

وقالت باريت: "استيقظت صباح الثلاثاء على شريط فيديو لجورج فلويد، وهو رجل مكبل اليدين، يكافح من أجل التنفس بينما ضغط ضابط شرطة بركبته فوق عنقه لعدة دقائق حتى بعد توقفه عن الحركة والتوسل من أجل الهواء. التقط أحد المارة الفيديو الذي يمكن سماع صوت جورج فيه وهو يتوسل بشكل متزايد إلى الضابط ديريك شوفين وثلاثة آخرين، من أجل المساعدة. سمعت أصداء إريك غارنر تتكرر. قال جورج فلويد لا أستطيع التنفس. انفطر قلبي. وبكيت. ولكن كصحافية، كان يجب علي أن أضع مشاعري الفردية جانباً".

وأكملت الصحافية في تدوينتها المؤثرة: "لقد شاركت هذا الفيديو على الفور للتأكد من أن زملائي كانوا يستجيبون للقصة بسرعة ويغطون الغضب الناشئ عبر الإنترنت، وفي شوارع مينيابوليس وغيرها. لقد قمت بدوري. لكن في داخلي، انتقلت من الغضب إلى الحنق إلى الإرهاق". مشيرة إلى أن البؤس في ذلك الأسبوع، بدأ عندما طلب رجل أسود من امرأة بيضاء في سنترال بارك أن تقيد كلبها. وعندما سحب مراقب الطيور كريستيان كوبر هاتفه لتصويرها، قامت باستدعاء الشرطة وأبلغت زوراً أنها كانت مهددة من قبل "رجل أميركي من أصل أفريقي"، تم القبض عليه.

وعلقت باريت على ذلك مستشهدة بقول يوغي بيرا، بأن الأمر كان استذكاراً لواقع سابق. وفيما تم طرد المرأة من عملها لاحقاً في شركة للاستثمارات، قال كوبر أنه شعر بأنه مستهدف مثل أحمد أربيري، وهو عداء أسود في جورجيا، قُتل عندما طارده أب أبيض وابنه في حيهم وأطلقوا عليه الرصاص في شباط/فبراير الماضي. ولم توجه أي اتهامات لهما إلا بعد شهرين، بعد تسريب مقطع فيديو لحادثة إطلاق النار عبر الإنترنت.

وأكملت باريت بأنها استيقظت يوم الجمعة على كلمات رئيس الولايات المتحدة في "تويتر": "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار"، مستدعياً حقبة الحقوق المدنية بعبارة استخدمها في الستينيات رئيس شرطة ميامي العنصري العدواني جورج والاس. وهكذا إذا كان مقتل الأميركيين من أصل أفريقي على أيدي الشرطة هو السمة المميزة لعصرنا، فإن طبول الاعتداءات على المساحات البيضاء هي الإيقاع الثابت له. لا تقد سيارتك إن كنت أسود البشرة. ولا تسبح إن كنت أسود البشرة. لا تتنزه إن كنت أسود البشرة. لا تتسوق إن كنت أسود البشرة. لا تقف إن كنت أسود البشرة. لا تنم إن كنت أسود البشرة. لا تتنفس إن كنت أسود البشرة، لا تكن إن كنت أسود البشرة.

وكل هذا بينما يطارد فيروس كورونا أجساداً سوداء، ما يقتلنا بشكل غير متناسب. يتحدث الأطباء عن أمراضنا، لكنهم لا يخوضون في التمييز ضمن نظام الرعاية الصحي الذي يجعل تلك ألمراض تزداد. وبالطبع فأن تكون مريضاً وأسود البشرة يعني أنك خطير أيضاً. ومع ذلك، هنالك مكان واحد يتم الترحيب بنا فيه وهو الوظائف، والتي كانت خلال الوباء ضرورية.

نحن نحافظ على حركة ميترو الأنفاق والحافلات ومخازن البقالة وخدمات توصيل الطعام، بينما يبقى العديد من العمال ذوي الياقات البيضاء في المنزل. ويشنق الرجال البيض دمىً تمثل حكامهم لعدم إعادة فتحهم المحلات بالسرعة الكافية مع ارتفاع وفيات الأميركيين الأفارقة.

وأشارت باريت إلى أن باراك أوباما ، الرئيس الأسود الأول والوحيد للبلاد، تطرق إلى معنى العودة إلى الحياة الطبيعية بالنسبة للأميركيين الأفارقة، وذلك في بيان يوم الجمعة حول وفاة جورج فلويد، قال فيه: "علينا أن نتذكر أنه بالنسبة للملايين من الأميركيين، فإن التمييز على أساس العرق هو أمر مأساوي، مؤلم، جنوني. سواء كان ذلك أثناء التعامل مع نظام الرعاية الصحية أو التفاعل مع نظام العدالة الجنائية أو الركض في الشارع أو مجرد مشاهدة الطيور في الحديقة".

وأكملت باريت: "جزء مني يريد الخروج والانضمام إلى القتال، ووضع هويتي الصحافية جانباً، وإعطاء صوتي بالكامل لغضبي، لأن خيبة أملي كبيرة بأن بلدي لا يرقى دائماً إلى المثل العليا النبيلة للمساواة والعدالة، ولا لبناء مستقبل أكثر إشراقاً كما يبدو في ستار تريك، حيث تعيش الأعراق والجنسيات وحتى الأنواع معاً في احترام متبادل، بوجود الملازم أوورا كضابط أسود محترم وكفء أعطى وجوده لأماندا الصغيرة مكانهاً بينهم".

"لكني أقوم بواجبي حيث أنا. أنا أروي القصص التي تساعد القراء على فهم العالم من حولهم. أنا أشارك أصوات من لم يسمع بهم أحد وأحاسب من هم في السلطة. وعلى نفس القدر من الأهمية، أعمل على جعل غرف الأخبار الخاصة بنا تعكس بشكل أكثر دقة المجتمعات التي نغطيها، وعلى جعل سرد القصص وصنع القرار لدينا أكثر شمولاً. صوتي هو صوت الحقائق والسياق. صوتي هو الأمل في أن يتمكنوا من تحقيق التفاهم، وفي النهاية، المساواة التي تعد بها وثائق تأسيس بلدي. الفضاء الخاص بي هو غرفة الأخبار. أنا بخير هنا"، ختمت باريت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها