الخميس 2020/05/28

آخر تحديث: 20:58 (بيروت)

إعلام كورونا.. مراسل"العربي"محمد الحاجي: احترتُ بين أبوّتي ومهنتي

الخميس 2020/05/28
إعلام كورونا.. مراسل"العربي"محمد الحاجي: احترتُ بين أبوّتي ومهنتي
كورونا ألزم الإعلام الفرنسي بـ"قانون المجاورة"
increase حجم الخط decrease
في زمن الحجر الصحي، لم يكن سهلاً على الصحافيين في فرنسا الموازنة بين تغطية الحدث ونقل الصورة من جهة، وتدابير الوقاية من جهة أخرى، حالهم حال أقرانهم في باقي الدول.
 
هذا ما أكده محمد الحاجي، مراسل تلفزيون "العربي" الذي فقد حرية الحركة والتنقل بعد فرض الحجر الصحي. يشير الحاجي في حديث لـ"المدن" إلى أن العائق الاساسي الذي واجهه، وتحديداً في الأيام الأولى، هي المداخلات المباشرة التي يجريها عادة من أمكنة عامة، وهو أمرٌ اعتبرته الشرطة الفرنسية مخالفاً لخطة الطوارئ الصحية، حتى أنه في إحدى المرات أُجبِرَ على مغادرة مكانه قبل لحظات من المباشر، ما دفعه في نهاية المطاف إلى إجراء هذه المداخلات من منزله وبما تيسّر من معدّات. 

ولم يخلُ الأمر أيضاً من صعوبات شخصية، خصوصاً حين اضطر إلى اصطحاب ولده معه بسبب إغلاق المدارس ودور الحضانة من جهة، وعدم قدرة زوجته، الطبيبة، على التغيب عن عملها في مثل هذه الظروف من جهة أخرى. ففي مرحلة معينة، تصدرت فرنسا لائحة الدول لجهة عدد الإصابات، وعليه لم يكن ممكناً التقاعس عن تغطية الحدث الفرنسي فتوجب عليه التغلب على كل التحديات المهنية والشخصية. 

يذكر موقفاً مربكاً واجهه ذات مرة: ما إن بدأ مداخلته على الهواء حتى علا بكاء ولده، ليجد نفسه ممزقاً بين دور الأب والصَّحافيّ في آن واحد، وهو أمرٌ لم يعهده ولم يكن حتى ليخطر في باله.

بالتوازي، انعكست هذه الجائحة في مهمة إعداد التقارير المصورة، حيث امتنع أفرادٌ عن تناول تجاربهم الشخصية على الشاشة تفادياً للاحتكاك بفريق التصوير، وهو ما يتفهمه الحاجي، ما اضطره للعدول عن إنجاز بعض التقارير التي تتطلب عرض أمثلة حية. 

في المقابل، يعتبر الحاجي أن فيروس "كورونا" شكل فرصة لتناول مواضيع ليست ذات أهمية في ظروف طبيعية: ففي واحدٍ من تقاريره، سلط الضوء على عدم تمكن أحد الجزائريين المغتربين من حضور جنازة والده بعد إغلاق المطارات، كما وفاة رجل جزائري خلال زيارته لولده المقيم في فرنسا

حتى أن الدور الأول من الانتخابات البلدية حظي بتغطية لم نكن لنشهدها لولا الكورونا، فكان إجراء الاستحقاق في ظل زمن الجائحة هو الحدث. بالمحصلة، مثلما وضعت الكورونا العراقيل أمام الصحافيين، دفعت إلى الواجهة بمواضيع كانت لتمر مرور الكرام في سياق مغاير. 

إلى جانب عمله كمراسل، تطوع الحاجي لتزويد المواطنين العرب، الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية، بآخر المستجدات في فرنسا. بصورة دورية، نشر تغريدات ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً عند الاعلان عن إجراءات حكومية جديدة. فالتقارير المصورة والمداخلات المباشرة لا تعطي دومًا صورة شاملة عن التطورات من مختلف جوانبها (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية). ولم يتردد أيضاً في الرد على استفساراتهم من خلال تبادل الرسائل الخاصة. بذلك، وفّر عليهم عناء الترجمة الالكترونية ومغالطاتها.

لكن التحديات كانت مختلفة للقنوات التي تتخذ من فرنسا مقراً لها: فقناة فرانس 24 خفضت عدد الموظفين والصحافيين المتواجدين في مبنى المحطة، إلى جانب فرض سلسلة من الإجراءات الوقائية. وعليه لجأت إلى إعادة النظر في نوبات العمل بما يتلاءم مع تدابير السلامة العامة. 

تعليق العمل بفقرة "باريس مباشر" الإخبارية بسبب تقليص عدد العاملين في غرفة التحرير، لم يحُل دون استمرار القناة في تغطية الحدث المستجد، بل أظهرت مرونة بعدما لجأ الصحافيون والصحافيات إلى العمل من بعد وتقديم البرامج من منازلهم/هن.

آخرون ذهبوا أبعد من ذلك: برنامج "هي الحدث" المخصص لقضايا وشؤون المرأة، أطلق سلسلة جديدة بعنوان "امرأة في زمن الجائحة" حيث روت نساء عربيات تجاربهن في الحجر الصحي. كذلك الأمر بالنسبة إلى برنامج "محاور" وسلسلة "ما بعد جائحة كورونا" التي عرضت رؤية وتصور عدد من الباحثين والمفكرين للتقلبات (السياسية، الاجتماعية، الثقافية ...) المتوقعة بفعل الكورونا. بذلك استمرت القناة في البث المتواصل المتكيّف مع تدابير الوقاية. 

وإذا كان محمد الحاجي لا يستغرب احتكار كورونا للتغطية الاعلامية، فإن المعهد الوطني للسمعي البصري في فرنسا (INA) كان له رأي مغاير حيث تضمنت تقاريره انتقاداً مبطناً للسياسة التحريرية التي اتبعتها القنوات والإذاعات الفرنسية. 

بعد متابعته لمحتوى البث خلال الحجر الصحي، خلص المعهد إلى أن مستجدات الجائحة احتلت 74.9% من جدول البرامج اليومية والتغطية الإخبارية. رقم ليس مستهجناً بحدّ ذاته، فعند وفاة جاك شيراك مثلاً خصصت القنوات والإذاعات الفرنسية ما يقارب الـ80% من بثها لتناول هذا الخبر، لكن ليس لأسابيع متتالية.

الـINA شبهت الأمر بالـBlast أي الحدث الذي يطغى على كل المستجدات من دون ترك مجال لتناول خبر آخر. المثال الأبرز كان الدور الأول من الانتخابات البلدية إذ استمرت الكورونا في تصدر المشهد الإعلامي ذاك النهار وشغلت 69% من التغطية. 

لم تكن غرف التحرير غافلة عن ذلك وفقا لستيفان جوردان، رئيس تحرير في إذاعة France Inter. لكنه أشار بالمقابل، في حديث للـINA، إلى أن البرامج التي تطرقت للكورونا حظيت في الآونة الأخيرة بنسبة متابعة تفوق بخمسة أضعاف البرامج الأخرى. وعليه اختار الإعلام الاستجابة لقانون الطلب وإشباع المشاهد و/أو المستمع. 
 
واتهمت بعض الأوساط وسائل الإعلام الفرنسية بخضوعها لـ"قانون المجاورة" (Proximity law - Loi de Proximité) الذي ابتدعته المدرسة الصحافية الفرنسية لوصف ظاهرة التركيز الإعلامي على أحداث تدور على مقربة جغرافية من المشاهد، على حساب أخبار أخرى، تفوقها أهمية، لمجرد حدوثها في بقع بعيدة جغرافيا.   
 
أياً تكن الانتقادات والاعتراضات، كان مبرراً لجوء الإعلام لهذه التغطية الواسعة: فإغلاق البلاد بين ليلة وضحاها وإجبار ملايين السكان على التزام منازلهم، فرض بصورة طبيعية مثل هذا السياسة التحريرية. 

تلقائيًا سيلجأ أي شخص لمتابعة مستجدات الجائحة "بشغف "كونها انعكست عليه على نحو مباشر. ولو امتنعت وسائل الإعلام عن هذه التغطية الواسعة، لن يكون مفهوما، بنظر السكان، سبب استمرار فرض الحجر.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها