الإثنين 2020/04/06

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

"أبو طلال".. مسيرة مقززة كاملة من احتقار النساء

الإثنين 2020/04/06
"أبو طلال".. مسيرة مقززة كاملة من احتقار النساء
increase حجم الخط decrease
أخطأ "أبو طلال" الظنّ حين اعتقد أنه يقدّم نكتة طريفة عن الإغتصاب، ربما لأنه لم يفطن بعد لحقيقة أنه ليس في الإغتصاب، والتحريض عليه، ما يضحك. وتخلص هذه النكتة الإفتراضية و"البريئة" من إبداع الممثل وسام سعد، مقدم برنامج "عمشان شو" في تلفزيون "الجديد"، إلى أن رقص المرأة هو بمثابة دعوة لاغتصابها. 

إستهدفت نكتة "أبو طلال" مستخدِمات تطبيق "تيك توك" اللواتي ينشرن مقاطع فيديو لهن وهن يرقصن في فترة الحجر الصحي، ثم "يظهرن محتشمات في الدكان من أجل شراء كيلو سكر"، يقولها "أبو طلال" وكأن هناك ما يثير الدهشة في إقدام إمرأة، تبرز مفاتنها بين كل حين وحين، على الذهاب إلى الدكان من أجل التبضّع. 

ثم يضيف متساءلاً: "ماذا تتوقعين؟ هل تظنين فعلاً أنه سيعطيك كيلو سكّر؟ أنا لو كنت مكانه لأقفلت باب والدكان و.." (نعتذر هنا عن إكمال الجملة لما فيها من إيحاء سوقيّ وتحريض مباشر على الإعتداء الجسدي).



أبو طلال الذي أصابه الذهول جراء التصرّف العجيب للنساء اللواتي يرقصن في منازلهن ثم يتجرأن على الخروج لشراء السكر وكأن شيئاً لم يكن، ذُهِل أيضاً أمام حملة الإنتقادات اللاذعة التي شنّها ضدّه كل من يرفض خطاب التسامح مع الإغتصاب أو تلطيفه أو تبريره. 

وعلى أثر هذه الجلبة الإعلامية التي أحدثتها نكته السمجة، إستضافته محطة "الجديد" في نشرة أخبارها من أجل الإعتذار عن "الزحطة" التي بدرت عنه، بوصفها "غلطة وبتصير" على حدّ تعبير الإعلامية سمر أبو خليل.

جاء إعتذار أبو طلال على نمط "أنا لستُ ذكورياً ولكن..."، فحرص على وضع نكتته في إطار "الهفوة المنعزلة"، نظراً إلى تاريخه الطويل في تقدير المرأة والإشادة بها، والدليل "أنني قدّمت اسكتش عن المرأة قلت فيه أنه يستحيل العيش من دونها، لكنكنّ (يا أيتها النساء الممتعضات) لا تتابعنني". 

لقد أخطَأَت النساء فهمه إذاً، لأنهن لا يتابعنه بالقدر الكافي ليعرفن أنه "ما في شي إسمو عم إدعي للإغتصاب، يلي عم يدعوا للإغتصاب معروفين"، وفق سعد الذي يضيف: "هيدا حكي مش وارد ولا بأي قاموس".

يبدو أن سعد لم يسمع بعد بحركة Me Too العالمية التي أثبتت أن المغتصب ليس دائماً شخصاً معروف الهوية، وأنه قد يكون أي رجل ذي مكانة أو سلطة أو شهرة أو تاريخ فنّي. وما يجهله سعد هو أن للإغتصاب ثقافته وقاموسه وأدواته الإعلامية التي تبرّره وتنمّقه بمفردات بديلة تدفع باتجاه التطبيع معه. 

ولطالما كانت الكوميديا العالمية واللبنانية من الأدوات الأساسية لنشر ثقافة الإغتصاب، بل حتى ذريعة لها. إلا أن كوميديا أبو طلال لا تكتفي بذلك، بل تذهب خطوةً إضافية أسوأ. 

وعلى عكس ظنّ سعد، ليس برنامجه بريئاً من المعجم الذكوري الذي يبرز في أكثر من حلقة. في إحدى عروضه، يتحدّث أبو طلال عن مساوئ الحجر الصحي وأولها "المكوث مع زوجتك في البيت" وما يستتبعه من معاناة قاسية من جهة الزوج المسكين الذي يضطر إلى التفريط براحته لكي يسمح لزوجته بأن تنظّف البيت أو تطعم الأطفال أو تجهزهم للنوم. 

فإلى جانب رمي عبء الأعمال المنزلية والعناية بالأطفال على كاهل المرأة حصراً، يبخّس أبو طلال من قيمة هذا العمل، بل يصوّره على أنه مصدر إزعاج للزوج. يواصل شكواه بالقول "بس ما فيك تقتلها، لأن مراسم الدفن مكلفة". 

أما في اليوم العالمي للمرأة، فلم يجد أبو طلال طريقةً للإحتفاء بالمرأة سوى بتسليط الضوء على جمالها، في مقابل التعبير عن قرفه إزاء تخيّل عالم بلا المرأة، أي عالم يقوم فيه الرجال بواجبات النساء "كالطبخ وإطعام الأطفال". كما يدعونا إلى تخيل مشهد "رجل يقول لك: حبيبي أنا حامل"، كمدعاة للقرف. 

في محاولته الفاشلة "لإنصاف" النساء، ينجح أبو طلال في الإساءة إلى المثليين أيضاً، مفصحاً عن رهابه للمثلية، وساخراً من الرجال الذين لا يطابقون الأدوار الجندرية التقليدية.

وفي حلقةٍ أخرى، يخوض أبو طلال في موضوع العنف الأسري، مقدّماً مرة جديدة نقداً سطحياً لأزمة إجتماعية مزمنة. يتجاوز مسألة تعنيف الرجل لزوجته، لينتقل مباشرةً إلى الحديث عن ذنب المرأة في إختيار الزوج الخاطئ. وبحسب سرديّة أبو طلال، فإن هذا الخيار غير الصائب مردّه طمع المرأة وأمّها في مال العريس بحيث أنها يتغاضيان عن أخلاقه الفاسدة مقابل المال. 

في إعتذاره الهزيل عبر قناة "الجديد"، يشير سعد إلى شتائم كثيرة طاولته بسبب نكتته الخائبة، لكنه لم يستمع إليها لأنها "لا تأتي بنتيجة". لكن التعليقات التي "جرحته"، بحسب تعبيره، هي تلك التي أعلنت فيها بعض الفتيات مقاطعة برنامجه. 

بعيداً من النقاش الأخلاقي المتعلّق بالشتائم، إعترف سعد بعدم إستعداده للإصغاء إلى ما تحمله هذه التعليقات من نقدٍ جدّي لخطابه، علّها تدلّه على مكامن الذكورية فيه، إلا عندما تهدّد هذه الإنتقادات عمله وشهرته. 


أظهر سعد عجزه عن فهم منطق الخطاب الموجه ضدّه وذلك بدليل أنه قدّم إعتذاره من "جماعة التيك توك"، وكأن إهانته إقتصرت على مستخدمات التيك توك فحسب، وليس كل النساء اللواتي يرفضن خطاب تسليع المرأة وتشريع إنتهاكها.

يقول سعد، في تبريره لنكتته، أن "أبو طلال هو مجرّد شخصية خيالية، أنا لا أتبنى موافقه، وأسعى لأن تبقى هذه الشخصية على مسافة واحدة من كل الأفرقاء".

وتردّ عليه أبو خليل "نحن نعرفك ونعرف أخلاقيتك". بادعائه السذاجة وتقمّص "الشخصية الشعبية"، كطريقة دفاعية، يكشف سعد عن خبثٍ ذكوري يدّعي الحيادية، بما في ذلك الحياد عن القضية النسوية، متظاهراً بجهله لديناميات القوة المسيطرة على العلاقات الجندرية، والمجتمع ككلّ. وإنطلاقاً من جهله المتعمّد هذا، يتسنى له المساهمة في تعزيز النموذج البطريركي، من دون تلطيخ إسمه. أو هكذا ظنّ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها