الخميس 2020/04/30

آخر تحديث: 18:18 (بيروت)

النظام يعبث بمدرسة باسل الأسد: إحساس العلويين بالخسارة

الخميس 2020/04/30
النظام يعبث بمدرسة باسل الأسد: إحساس العلويين بالخسارة
increase حجم الخط decrease
ربط الانزعاج الذي عبّر عنه الموالون للنظام السوري، بعد تغيير اسم "معهد الشهيد باسل حافظ الأسد" وسط دمشق إلى "معهد الحرية"، بعدائهم لقيم الحرية وخوفهم حتى من ذكر كلمةٍ ارتبطت بتاريخ الثورة السورية طوال العقد الماضي، مثلما فسر ناشطون معارضون، يبقى قاصراً. فرغم حساسية الكلمة لـ"أعداء الحرية" بالطبع، شكّل التغيير المفاجئ حافزاً للتعبير عن طيف أوسع من القضايا التي أثيرت مؤخراً، والتي لم تنل مساحة واسعة من النقاش، رغم أهميتها، بسبب طغيان الجانب السياسي عليها.


وطوال الأسابيع الماضية، كان هناك إحساس بشيء غريب يحدث في سوريا الأسد، من التسريبات الإعلامية الروسية والحديث عن بديل لرئيس النظام بشار الأسد، وكافة القضايا الاقتصادية المرتبطة بابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف. ولم تتم مناقشة كل ذلك على نطاق واسع سوى بالتحذير من هذه الأخبار بوصفها أخباراً مزيفة وتحريضية أو ناتجة عن القرصنة حسب وصف الإعلام الرسمي، بالإضافة إلى حقيقة أن الصفحات الأكثر انتشاراً في البلاد تخضع لسيطرة الأجهزة الأمنية أو يخشى أصحابها الاعتقال والانتقام في حال حديثهم بشكل مباشر، كما حصل مع الناشط الموالي وسام الطير الذي اعتقل تسعة أشهر كاملة أواخر العام 2018 بسبب حديثه عن الأزمة الاقتصادية في البلاد حينها.

ولعل الرابط المشترك بين كل هذه القضايا، بما في ذلك تغيير اسم المعهد ونزع صفة الأسدية عنه، هو خلق شعور بعدم الأمان لدى طبقة الموالين، وتحديداً أبناء الطائفة العلوية الذين والوا النظام ورغبوا في إبقاء الوضع قبل العام 2011 على ما هو عليه، وعارضوا كل أشكال التغيير في البلاد، لأسباب عديدة، منها أسباب وجودية يكون فيها النظام الأسدي حامياً لطائفتهم أمام الطوائف الأخرى بوصفهم وحوشاً إرهابيين، أو لأسباب اقتصادية عطفاً على الامتيازات التي يحظون بها ضمن الدولة الأسدية منذ عقود، بعكس الطوائف الأخرى في البلاد.



يتأكد ذلك بواقع أن المدرسة تعتبر واحدة من أشهر وأقدم المدارس في دمشق، لكنها تعرف بكونها مدرسة النخبة العلوية في البلاد، حيث يدرس فيها أبناء كبار الضباط والمسؤولين العلويين، بما في ذلك الرئيس بشار الأسد نفسه، علماً أنها كانت في الأساس مدرسة فرنسية أنشئت العام 1929 بالاتفاق بين الحكومة السورية والبعثة العلمانية الفرنسية، تحت مسمى "اللاييك" وتعني العلمانية باللغة التركية، قبل أن يتم تغيير الاسم إلى "معهد الحرية" العام 1961، بالتزامن مع نزعة العروبة والقومية التي طبعت ذلك العصر، لتحمل اسم باسل الأسد، بعد وفاته العام 1994، مثل عشرات المنشآت العامة في البلاد.

وهكذا، يتكثف الاستياء من قضايا متعددة ليتركز في التعبير عن الغضب من تغيير اسم المدرسة. وطالب العديد من الصفحات في الساحل السوري، وزارة التربية، بالتراجع عن القرار وإعادة اسم المعهد إلى "معهد باسل حافظ الأسد". وكتب معلقون: "قال كنا خايفين عالبلد من تفشي الارهاب ما احلى الارهاب قدام هالشي اللي عم يصير"، ولا يشكل ذلك ردّ فعل مبالغاً فيها، بل هو تعبير عن عدم الثقة واهتزاز اليقين في هذه المرحلة غير المستقرة من التاريخ السوري، مع عدم وجود أي مؤشرات دقيقة حول مستقبل البلاد في الفترة المقبلة، ووضوح عدم قدرة النظام على فرض سلطته الأمنية الوحشية على كامل البلاد وإعادتها لما كانت عليه قبل العام 2011، رغم انتصاره في الحرب الكونية، بشكل يضمن تفوق الأقلية العلوية المنتشرة في الساحل السوري تحديداً، خصوصاً في مجال الامتيازات الأمنية لها من طرف النظام.

والحال أن تغيير اسم المعهد بهذه الصورة، يتناقض مع ما شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة، من إعادة النظام لفرض رموزه وشعاراته على الفضاء العام في البلاد. حيث أعاد تماثيل حافظ الأسد وباسل الأسد إلى الساحات العامة، في المدن التي استعاد السيطرة عليها، مثل حلب ودير الزور، بعدما سارع قبل سنوات إلى إزالة الكثير من التماثيل من الساحات، خوفاً من تحطيمها من قبل المتظاهرين حينها. وكرست تلك الرمزية الجديدة/القديمة الشعور بالأسدية كسردية وحيدة لا يمتلك النظام بديلاً لها، وهو ما يعتبر جموداً سياسياً لأن سوريا التي يحكمها النظام اليوم مختلفة عن سوريا التي حكمها سابقها، مع تحولها إلى كانتونات مجزأة بديموغرافيات متصارعة ومشتتة، بفعل مآلات الحرب.

وليس من المستغرب بالتالي، وجود بعض التعليقات التي تستذكر أيام الرئيس السابق حافظ الأسد، عندما لم يكن بالإمكان حدوث تغيير ناعم "يزور التاريخ" بهذه الصورة، علماً أن حافظ الأسد مازال يحظى بظل ثقيل في مواقع التواصل، وخصوصاً في البيئة العلوية التي يعتبر فيها الشخص الأسطوري الذي مكّن الطائفة بعد كثير من التهميش، ما يفتح الباب أمام كثير من المقارنات بين "القائد المؤسس" للدولة الأسدية، وابنه الذي أدار "الأزمة" بعد العام 2011، بطريقة مازالت تثير الجدل بين أبناء الطائفة العلوية كما هو واضح في قضية "معهد الحرية"، ووصل ذلك إلى حد التشكيك في بشار لقيادة الدولة الأسدية، في قضايا أكثر حساسية مثل قضية المخطوفين والمفقودين في سجون "جيش الإسلام" العام 2018.

في ضوء ذلك، تحيل قراءة التعليقات المختلفة، إلى شعور عميق بالخسارة رغم الانتصار على الإرهاب وقمع الثورة السورية. وربما كان الموالون عموماً، والعلويون منهم خصوصاً، يعتقدون بوجود جائزة ومكاسب أكبر من تلك التي حصلوا عليها بعد الحرب الطويلة في البلاد، ولم تكن النتيجة سوى اقتصاد منهار وأسعار عالية وخدمات مفقودة ونسيج اجتماعي ممزق وبلد محطم يتقاسم فيه الجميع الخراب، بغض النظر عن الانتماء الطائفي، فيما باتت الامتيازات القديمة محصورة في فئة قليلة من أصحاب النفوذ وعدد من الوجوه الجديدة التي تمتلك الثروة في سوريا وتقدم بنفسها الدعم للنظام وتسهم في بقائه، من دون أن تكون تلك الوجوه محصورة في الطائفة العلوية.

على أن الاستياء يبقى في إطار التلميح لا المباشرة، فبينما رجح المعارضون أن يكون التغيير ناتجاً عن ضغوط روسية ترغب بوجود مرونة أكبر لدى النظام قبل الانتخابات الرئاسية العام 2021، تحدث الموالون عن صفقات خفية بين النظام وحلفائه لتغيير شكل البلد، أو عن سطوة وزارة الأوقاف في البلاد، وغيرها من الاتهامات السطحية التي لا تغوص في العمق، خوفاً من الانتقام بطبيعة الحال. لكنها في المحصلة تشير إلى ديناميات جديدة ضمن الدولة السورية: فمع انهيار سوريا كدولة توقفت بالفعل عن الوجود، تحول النظام بعد سنوات الحرب إلى كيان متهالك لا يمثل نفسه ولا مواطنيه، مثلما كان الحال سابقاً، بقدر ما يمثل مصالح الآخرين، بداية من مصالح حلفائه الروس والإيرانيين على صعيد السياسة الخارجية، وصولاً لمصالح طبقة رجال الأعمال على صعيد السياسة الداخلية.











increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها