الجمعة 2020/04/24

آخر تحديث: 18:40 (بيروت)

هشام حداد والنظام السوري: أكثر من تطبيع..أقل من دعاية

الجمعة 2020/04/24
هشام حداد والنظام السوري: أكثر من تطبيع..أقل من دعاية
increase حجم الخط decrease
"إذا حكينا راحت علينا؟" هو التساؤل المفتاحي الذي ينطلق منه البرنامج الجديد للإعلامي اللبناني هشام حداد على قناة "لنا" السورية التي يمتلكها رجال أعمال مقربون من النظام السوري. وفيما تفترض الجملة بحد ذاتها وجود سخرية لاذعة تجاوز سقف الحريات المنخفض في سوريا، ما يوقع أصحابها في مشاكل مع السلطات، إلا أن الحلقة الأولى خلت من أي محاولة للاستفزاز السياسي، واقتصرت فيها التعليقات الاجتماعية المعدودة على نكات سمجة حول فيروس كورونا المستجد.

ورغم أن القناة التي تبث من بيروت، تعتبر محاولة لتلميع صورة النظام السوري بوصفه ضامناً للحريات الإعلامية، فإن التساؤل بحد ذاته يعتبر إشارة لمسألة الرقابة الخانقة في سوريا الأسد بوصفها دولة بوليسية. وبدا من الحلقة الأولى التي استضاف فيها حداد الممثل السوري أيمن رضا، أن البرنامج الذي يقحم السخرية بين فقراته إقحاماً، ينتمي إلى فئة الحوارات الفنية، لا أكثر. وكأن حداد يدرك الحدود المفروضة عليه، ويبتعد عن كل ما يمكن أن يثير المشاكل، حتى لو عنى ذلك، بشكل غير مباشر، تصدير مفهوم الخضوع للسلطة كشرط للتقدم والعمل والنجاح.


وفيما يتداخل الفن مع السياسة بشكل كبير في دولة شمولية مثل سوريا الأسد، وخصوصاً بعد انقسام الفنانين السوريين إلى موالين ومعارضين بعد الثورة السورية، يصبح الحديث عن أسباب تدهور الدراما السورية مثلاً، سياسياً بحتاً، مع ترويج النظام منذ سنوات لكذبة مقاطعة المحطات العربية للمنتج السوري بوصفه ناقلاً للحقيقة. وعليه غابت حتى هذه النوعية من الحوارات، الثقيلة والمملة عادة ضمن البرامج السورية، وبدا البرنامج للحظة وكأنه مجرد دردشة بين صديقين يجمعمها مجال عمل واحد وتربط بينهما الكوميديا.

هذه الصفة لا تعتبر ذماً بالضرورة، بل تظهر المدى الذي يستطيع معه حداد التأقلم مع بيئة مهنية تنعدم فيها الحريات بشكل كامل. فاستطاع حداد تقديم جو مرح وبسيط على شاشة مشهورة بثقل الدم عادة حتى ضمن برامجها الكوميدية والخفيفة. ولعل المشكلة كانت في الإكسسوارات المحيطة بحداد نفسه، كالفقرات التي تعرض على الشاشة للتعليق عليها أو الممثلين المساعدين الذين فشلوا في تقديم أي إضافة تذكر، وتحديداً الممثلة التي حاولت تقليد النجمة السورية سامية الجزائري. ورغم تلك الثغرات الواضحة، حوّل حداد كل تلك المشاكل لصالحه، بالضحك والسخرية حتى من نفسه، وبدا أنه يتعامل مع المواقف المختلفة بخفة وعدم جدية مقصودة.

يكشف ذلك ربما مشكلة عميقة متجذرة في الإعلام السوري، حيث يفرط المقدمون في الشعارات الرسمية، حتى ضمن البرامج الخفيفة التي يفترض أن القصد منها هو الترفيه وقضاء وقت ممتع، لا أكثر. ومع اقتصار الترفيه على الدراما في البلاد، إلى حد كبير، ونظرة النظام السوري إلى تلك الدراما كسلاح ثقافي ينقل وجهات نظر السلطات والأجهزة الأمنية حول ما يجري في البلاد، وكأدة لتوجيه السوريين وتفريغ شحنات غضبهم، فإن البرامج الفنية ذات الصلة، تغرق في الجدية بدورها، عطفاً على ذلك الدور من جهة، وارتباطاً بمتلازمة الفنان المثقف التي أفرزتها التربية البعثية التي صاغت مفاهيم الحياة في سوريا طوال عقود، من جهة ثانية.

على سبيل المثال، ضخ برنامج "أكلناها" الذي قدمه الممثل السوري باسم ياخور عبر قناة "لنا" أيضاً، كمية لا تصدق من الدعاية الظلامية المرتبطة بالنظام السوري، ضمن قالب ترفيهي "رصين"، وإن كانت هذه الرصانة المزعجة تختفي عند حداد، لكن الأسئلة اللاحقة حول تقديم حداد للدعاية الأسدية تبقى قائمة. وإن أفلت من ذلك الفخ في الحلقة الأولى على الأقل، على عكس زملائه اللبنانيين في القناة نفسها، مثل رابعة الزيات وتمام بليق، فإن احتمال الوقوع فيه يبقى قائماً مستقبلاً، كَون حداد يمشي على حافة السكين في محاولته الحفاظ على التوازن ضمن خلطة البرنامج.

في ضوء ذلك كله، يفقد البرنامج عامل الأكشن الذي أثارته برامج "لنا" الصدامية الأخرى. فحداد، بوصفه الغريب المثالي، والذي لا ناقة له ولا جَمل في القضية السورية، يتحرك ضمن حدود رسمها لنفسه ضمن الحدود المرسومة له أصلاً، ويعتمد على الكاريزما لخلق علاقة ودية مع الضيوف، لا أكثر، ويتحول الحوار الذي يقدمه بالتالي إلى استفاضة في الحديث عن جوانب شخصية تمس بشكل خفيف الخلافات مع زملاء المهنة، إلى جانب الأسئلة "الكليشيه" حول تقييم مستوى الزملاء، والتي تسيل لعاب معلقي مواقع التواصل قليلاً، وتُنسى بعد ساعات.

يطرح ذلك مشكلة أخلاقية موازية، بشأن المدى الذي يمكن الوصول إليه عند التطبيع والانفتاح على النظام ومؤسساته، من قبل المحيط العربي. ورغم أن قناة "لنا" لا تعتبر وسيلة إعلام رسمية، إلا أن ارتباطات صاحبها رجل الأعمال سامر فواز، بالنظام، ليست خفية. وكانت هذه المشكلة الأخلاقية حاضرة أيضاً مع توجه المغنين اللبنانيين خلال العامين الأخيرين إلى سوريا لإحياء حفلات فنية هناك، ما اعتبر على نطاق واسع ترويجاً لدعاية النظام السوري حول نهاية الحرب والاستقرار و"النصر على الإرهاب".

وقد لا تكون هناك مشكلة في أن يُلاحق الفنانون والمشاهير، "رزقهم" بتركيزهم على جانب "البزنس" من نشاطهم مع التخلي عن الحديث في السياسة. لكن المشكلة في أن أولئك الشخصيات، ليسوا صريحين في حديثهم عن هذه النقطة، ما يوقعهم على الأقل في النفاق عند تناولهم للقضايا الإنسانية والحقوقية المختلفة في برامج ومناسبات أخرى. وفي حالة حداد، لا يمكن سوى التساؤل: كيف يمكن أن يكون المرء داعماً للثورة اللبنانية و"مطبّعاً" مع نظام الأسد في الوقت نفسه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها