الجمعة 2020/02/07

آخر تحديث: 19:45 (بيروت)

شروط إسرائيل للسودان: إغلاق مكاتب "حماس" و"حزب الله"

الجمعة 2020/02/07
شروط إسرائيل للسودان: إغلاق مكاتب "حماس" و"حزب الله"
increase حجم الخط decrease
انكبّ الإعلام العربي والدولي على قراءة خلفيات اللقاء المُفاجئ الذي جمع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في أوغندا، قبل أيام، كما لو أنّ الحكاية بدأت الآن. لكن أقلاماً إسرائيلية تعاملت مع الموضوع من منطلق أنّ ارهاصات رياح التغيير في السودان نحو التطبيع، يمكن ملاحظتها، إعلامياً على الأقل، منذ أكثر من سنتين، أي قبل اندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير.


القراءة الإعلامية الإسرائيلية لرياح التطبيع لدى السودان، تجلّت عندما كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وللمرة الأولى، عن رحلة مراسلها إلداد البيك إلى عمق الخرطوم ومشاهداته خلالها. الصحيفة عنونت حينها تقريراً بعنوان "السودان يتغير مع إسرائيل.. وضد الإرهاب".

يظهر العنوان وكأنه تنبؤ استباقي وقبل الأوان، للقاء معلن سيجمع، بعد حين، أعلى مسؤول سوداني، برئيس حكومة إسرائيل، بعد توافر الظرف السياسي المناسب.

وفي تقريره القديم، ركز البيك على تصريح منسوب للوزير السوداني الأسبق، مبارك الفاضل المهدي، في آب/أغسطس 2017، أعرب فيه عن "دعمه لإقامة العلاقات مع إسرائيل"، وزعم البيك في التقرير أنه دُهش لقراءة عنوان بالبنط العريض يتحدث عن التطبيع مع إسرائيل في صحيفة "الوطن"، ومنسوب للوزير في الحكومة السودانية، صادق الهادي.

من الأمور التي زعمها ذلك التقرير وقتها، هو استنتاجه بأن كلمة التطبيع لم تعد محظورة ولا جريمة في عاصمة "اللاءات الثلاث"، باعتبار أنه يشهد تحولات سياسية لافتة، بتقاربه مع الولايات المتحدة والسعودية وابتعاده عن إيران، أي أن النظام السابق في الخرطوم كان يجهز الشعب للتطبيع مع إسرائيل، وفق قوله! ولم تلقَ هذه المزاعم التي جاءت في تقرير إلداد البيك حينها الكثير من التوقف، بقدر ما كان التركيز على سؤال: "كيف دخل إلى السودان؟.. بجواز سفر أوروبي أم إسرائيلي؟".

وبعد نحو عامين على نشر ذلك التقرير، حانت الفرصة المناسبة لالبيك، كي يكتب، الخميس، مقالاً جديداً ولو مقتضباً في صحيفة "إسرائيل اليوم"، المقربة من نتنياهو، تحت عنوان "العلاقات مع السودان ستشكل تغييراً ذا دلالة استراتيجية في الشرق الأوسط وأفريقيا". ويجد البيك ضالّته في هذا المضمار، كما لو أنه هندسَ "السودان الجديد"، فيقول أن رسالة وصلته عبر السوشال ميديا، من أحد السودانيين الأصدقاء، في أعقاب لقاء نتنياهو - البرهان، حيث قال له: "للشعبين الكثير مما يكسبانه من التعاون في مجالات عديدة". ثم دعاه ليزور بلده مرةً أخرى!

أخذ البيك يقارن بين السودان القديم والجديد. فالأول، بحسب تعبيره، "كان معقلاً لمقاومة إسرائيل ومركزاً للإرهاب الإسلامي الدولي". أما الثاني، فهو البلد الذي بدأت فيه رياح التغيير السياسي أواخر عهد البشير السياسي، لتجدَ الفرصة كي تتقدم أكثر بعد إطاحته، ثم جرأة البرهان حين وافق على لقاء نتنياهو ونشر ذلك على الملأ، كما جاء حرفياً في مقال البيك في صحيفة "إسرائيل اليوم".

الواقع، أن حماسة الصحافة العبرية، وتحديداً "اسرائيل اليوم"، إزاء إختراق التطبيع للسودان والتي جسّدها مقالا البيك، كانت وتيرتها أقل في صحيفة "معاريف" التي رأت أنّ لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا لا يؤشّر بالضرورة إلى التطبيع. واستعرضت الصحيفة تاريخ العلاقات الإسرائيليّة السودانيّة، فقالت أنّ الخرطوم حاربت ضدّ إسرائيل وساعدت في هجرة يهود أثيوبيا إلى إسرائيل.

أما موقع "واللا" فحاول أن يكون واقعياً في تفسير هذا اللقاء والغاية منه، فقال أن "السودان الجديد" أدرك أنّ الطريق إلى قلب واشنطن يمرّ عبر إسرائيل. وبدت قراءة موقع "واللا" هذه على غرار أقلام إسرائيلية محددة، كما لو أنها تُقرّ بأن الخرطوم ليست غايتها إسرائيل بالدرجة الأولى، وإنما أن تخرج من عزلتها وتتصالح مع الولايات المتحدة.. إلا أن الأخيرة خوّلت إسرائيل أن تقوم بمهمة الوساطة وحلقة الوصل. بالأحرى "دور المبتزّ" لغاية تكريس الدولة العبرية في المنطقة كجسم طبيعي لا غريب.

ومن أجل ذلك، عملت إسرائيل على ابتزاز السودان عبر التقدم بخمسة شروط إلى البرهان، في مقابل تحقيق طلب سوداني وحيد، ولخّص الإعلام العبري الاشتراطات: لجم التأثير الإيراني، إغلاق مكاتب "حماس" و"حزب الله"، والسماح للطائرات الاسرائيلية بالمرور في الأجواء السودانية لتقصير طريقها الى أميركا اللاتينية. إضافة إلى التعاون لاعادة المهاجرين الأفارقة "غير الشرعيين" من إسرائيل الى السودان، ومن ثم كلٌّ إلى دولته. أما الشرط الخامس، فيتعلق بممر السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، والتنسيق العسكري بين الطرفين لمنع أي عمليات نقل للأسلحة من إيران لصالح الحوثيين في اليمن وغيرهم.

بالنظر إلى طريقة معالجة إعلام إسرائيل لـ"موقعة لقاء نتنياهو - البرهان"، فإن الشروط الخمسة عبارة عن مُقايضة إسرائيلية، مقابل فقط إزالة الخرطوم من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي إنهاء عزلتها. ويبدو بعضها بمثابة دوافع مهمة للدولة العبرية في عملية التطبيع المرجوة مع السودان. إلا أنّ المفارقة الأهم في مسألة التطبيع فقد ذهب إليها الثنائي الأكاديمي الإسرائيلي، د.حين كارتشر، و د.عادي خيتمان، في بحث نشراه.

ويقارن الباحثان بين الماضي والحاضر في ما يخص منطق العلاقات في الشرق الاوسط. ففي وقت مضى، خضع تطور العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مثل مصر والأردن، لمبدأ التدريجية: من حرب إلى وقف إطلاق النار ثم حالة لا حرب، وبعد ذلك مفاوضات تنتهي باتفاق سلام. أما اليوم، فتتطور علاقة إسرائيل بدول عربية لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، بطريقة تتغاضى عن هذه المرحلية والتدريجية، كما تقفز مباشرة من "العداء والحرب" نحو التطبيع مباشرة، ومن دون الحاجة لتوقيع اتفاقيات سلام، كما هو حال لقاء نتنياهو البرهان.

والحال، أن هناك جملة يرددها نتنياهو دائماً بالعبرية في السنوات الأخيرة، ويمكن من خلالها فهم عامل إضافي يجعل للتطبيع مع السودان أهمية مضاعفة: "إسرائيل عادت لإفريقيا، وافريقيا عادت لإسرائيل". وبالتالي فإن أهمية السودان بالنسبة لإسرائيل، ليست نابعة من كونها دولة عربية فحسب والتطبيع معها يزيد عزلة السلطة الفلسطينية ويفتح السوق العربية أمام الشركات الاسرائيلية العابرة للحدود، بل من منطلق موقعها كدولة أفريقية تسعى لإضافتها إلى سلسلة الدول في القارة السمراء التي أصبحت في حضن إسرائيل بعدما كانت رافضة لأي شكل من العلاقة معها لعقود.

في المقابل، يمكن رصد تغريدات إسرائيلية في "تويتر"، ذات طابع فوقي واستعلائي وعنصري تجاه السودان، وإن كان الهدف منها نقد نتنياهو والتقليل من "إنجازه". فاستهزأت هذه التغريدات بنتنياهو الذي يسوّق للتطبيع مع السودان على أنه "انتصار دبلوماسي"، فاشتملت على سؤال تهكّمي ضد نتنياهو قبل انتخابات الكنيست، من قبيل: "هل السودان إنجاز؟".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها