الجمعة 2020/02/28

آخر تحديث: 14:38 (بيروت)

إمامة مسجد..فرنسا تحارب التمييز الجندري الاسلامي

الجمعة 2020/02/28
إمامة مسجد..فرنسا تحارب التمييز الجندري الاسلامي
increase حجم الخط decrease
يوم الجمعة 21 شباط/فبراير افتُتِح مسجد فاطمة المختلط في باريس، حيث أمت الصلاة كاهنة بهلول، الباحثة في العلوم الإسلامية والجزائرية الأصل، واختارت أن تكون خطبتها الأولى عن "الحب الإلهي" لا سيما وأنها تميل للتصوف.

بهلول تكتمت عن عنوان المسجد لاعتبارات أمنية ولم يتم تداول الخبر على المستوى الاعلامي إلا في نهاية ذاك النهار.   

ليست المرة الأولى التي تثير فيها كاهنة بهلول هذا النوع من الجدل داخل فرنسا خاصة وأنها كانت أول امرأة تصبح إماماً في البلاد. بالتوازي بدأت منذ كانون الثاني/يناير 2019 بالترويج لإنشاء، ما تسميه، مسجداً ليبرالياً: مسجد لا يُلزم النساء بارتداء الحجاب، تكون فيه الخطب باللغة الفرنسية ويُسمح للجنسين بالاختلاط خلال الخطب والندوات ومختلف الانشطة.

الاستثناء الوحيد هي الصلاة إذ أخذت بهلول بالاعتبار رغبة عدد من المصلين بعدم السجود والركوع فيما يقف من خلفهم مصلون من الجنس الآخر. وعليه سيتعين على الرجال والنساء أداء الصلاة في القاعة نفسها لكن في صفين متوازيين.  

من وجهة نظرها، تعاني المسلمات حول العالم من التمييز داخل المساجد إذ لا يسمح لهن بالصلاة في القاعة الرئيسية، مؤكدة في مقابلاتها الصحافية وإطلالتها الإعلامية أن المساهمة بنشر "صورة تقدمية للدين الإسلامي" يجب أن تقترن بخطوات عملية وعدم الاكتفاء بالجانب النظري.   

هذا المسجد هو الثاني من نوعه في فرنسا، فأول مسجد مختلط افتُتح في أيلول/سبتمبر الماضي، إلا أن مسجد فاطمة أنشئ بمبادرة من كاهنة بهلول التي تتمتع بحضور إعلامي إلى جانب نشاطها على المنصات الرقمية. فقبل أربع سنوات أطلقت قناة "حدثني عن الإسلام" في "يوتيوب" بهدف تقديم هذا الدين بـ "صورة حداثية" عبر طرح مواضيع عن المرأة ونظرة الإسلام للديانات السماوية الأخرى.   

لا تكتفي كاهنة بهلول بالمساهمة بتقديم رؤية إصلاحية - تقدمية للإسلام، بل تسعى إلى تعزيز مكانة المرأة داخل هذه المنظومة. تعتبر بهلول أن الانتقاص من مكانة المرأة سببه احتكار الذكور لتفسير النصوص والأحاديث ما جعل المسلمات مغلوباً على أمرهن (الإرث، الزواج والطلاق، الحجاب...) لدرجة أن تلك التأويلات طغت أحيانا على حقيقة النص القرآني. وفقاً لها، مقارعة النظام الأبوي وهدم الرواية الذكورية  يسهم في إغناء العلوم الدينية والدراسات الفقهية، خاصة في ما يتعلق بالبحث العلمي للسياق الفكري والتاريخي لنشوء التيارات الإسلامية، قراءة نقدية لفهم الإسلام على نحو أصح. 
من ضمن ما تطرقت إليه بهلول في أبحاثها، مسألة تولي إمرأة الإمامة. وبعد افتتاحها لمسجد فاطمة لجأت إلى حسابها على تويتر لإعادة نشر مطالعة سابقة كرستها لتفنيد حجج المعارضين. 

وكما كان متوقعاً، تباينت آراء المغردين والمغردات حيال الخطوة التي اقدمت عليها بهلول: شريحة مساندة تعتبر أنها دليل انفتاح وتأكيد على وجود مسلمين تقدميين. وفئة مقابلة، معظمها من الذكور، لم تتوانَ عن إعلان رفضها تحت حجج شتى: بين من اعتبرها مؤامرة، ومن اتهم كاهنة بهلول باختراع دين جديد، وآخر افترض أن الخطوة التالية ستكون إرجاء موعد الصلاة إلى يوم السبت (أي خلال عطلة نهاية الأسبوع).

وتداول بعضهم رسماً كاريكاتورياً يُظهر امرأة تؤم الصلاة فيما المصلون من خلفها يلتهون بالنظر إلى جسدها وهي بالمناسبة إحدى الحجج التي يقدمها بعض العلماء في معرض ممانعتهم لإمامة النساء. 

ويمكن أيضاً التوقف عند التوقيت الذي تم فيه الإعلان عن افتتاح مسجد فاطمة، إذ جرى في الأسبوع نفسه الذي كشف فيه ايمانويل ماكرون عن سلسلة من الإجراءات للتصدي لما وصفه "خطر الشقاق" بسبب التطرف الديني. 

أبرز هذه الإجراءات توقف فرنسا عن استقبال أئمة من دول أخرى والاستعاضة عنهم بتدريب أئمة داخل البلاد يجيدون الفرنسية ولا ينشرون أفكارا متشددة. بالتالي يصح التساؤل إلى أي مدى سيسمح هذا المعطى الجديد لكاهنة بهلول وأقرانها بتصدر المشهد الإسلامي داخل فرنسا؟ وهل باستطاعتهم مقارعة المؤسسات والجمعيات الإسلامية، ذات التوجه المحافظ، والمتواجدة منذ سنوات على الأراضي الفرنسية؟

في هذا الصدد، أبدى عدد من الصحافيين الذين التقوا سابقاً بكاهنة بهلول، شكوكا حيال قدرتها على مواجهة هذا الواقع إذ اعتبروا أنه ما زال ينقصها الكثير من المعرفة بالشؤون الدينية حيث انكبت على دراسة العلوم الإسلامية قبل خمس سنوات فقط. مشروعها سيجعلها في مواجهة رجال دين ذوي تأثير بين المسلمين في فرنسا وبعضهم متبحر في المسائل الفقهية أكثر منها ما قد يجعلهم أكثر قدرة على المحاججة منها. ليس الهدف من كلامهم التقليل من شأنها ومن شأن ما تقوم به، لكن ميزان القوى قد لا يميل لصالحها في الوقت الحالي.  

ويصح التساؤل كذلك عن إمكانية استمرار مشروع كهذا من الناحية المادية. فما يعرف بقانون 1905 يمنع الدولة الفرنسية من تمويل أنشطة ذات طابع ديني ما يدفع دولا، ذات هوية إسلامية، إلى سدّ هذا الفراغ. أمرٌ يطرح تساؤلات عن الغاية من تمويل تلك الانشطة الدعوية وخلفياتها خاصة بعد الهجمات الارهابية التي عرفتها فرنسا في السنوات الماضية. من الجائز أن لا تتحمس هذه الجهات لتوفير التمويل اللازم لمسجد فاطمة، ما يفرض حينها على كاهنة بهلول اللجوء إلى قنوات أخرى لجمع التمويل الذي يحتاجه مسجدها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها