الثلاثاء 2020/02/25

آخر تحديث: 17:34 (بيروت)

"الصورة الإسرائيلية" كانتقام معنويّ من دروز سوريا

الثلاثاء 2020/02/25
"الصورة الإسرائيلية" كانتقام معنويّ من دروز سوريا
نتنياهو في دارة الشيخ موفق طريف الى جانب مرشح الليكود فطين ملا
increase حجم الخط decrease
يطوّر النظام السوري أدواته وتكتيكاته باستمرار في محاولته لضَبْط السوريين والتحكم بخياراتهم، بما يُغنيهِ أحياناً عن الأسلوب الأمني التقليدي القائم على مُلاحقة المنتقدين وكَمّ الأفواه. 
هذه "الأساليب" الجديدة/القديمة استفادت من وسائل التواصل الاجتماعي ومناخاتها الاستقطابية، وأيضاً مَن وجود قِيَم "عاطفية" تتغذى على الانغلاق والارتياب ونقص المعلومات.

وكمثال على ذلك، استطاعت صورة تتحدث عن استضافة رئيس الطائفة الدرزية في الاراضي المحتلة موفق طريف، لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن تضَعَ الدروز عموماً والسوريين منهم بشكل خاص في موقف الدفاع ضدّ ما رأوا فيه مزايَدة على "وطنيّتهم".

وجاء نشر الصورة من قبل صفحة "دمشق الآن" في فايسبوك، ثمّ قناة "الميادين" ليثير عاصفة من الجدل في أوساط المتابعين الذين تنوعت ردود فعلهم بين التخوين والتشريف، وصولاً إلى القول إنّ إعلام الممانعة يهدف إلى "التحريض والفتنة".  
ورغمَ وجود لمحات تَنمُّ عن وَعي نسبي، ونظرة البعض للخَبَرَ كجزءٍ مِن حقائق "الأمر الواقع لعَرَب الـ 48"، استماتَ مُعَلقون كُثُر لنفي حدوث الزيارة، والتأكيد على أن الصورة التي تم عَرضُها مفبركة!. وحتى مَن فَهِمَ اللعبة من صفحات وناشطين، فقد انشغلوا بالتنديد "بطريقة العَرض غير المهنيّة"، مؤكدين على "مكانة الشيخ موفق طريف لدى دروز سوريا" وعلى إخلاصه لمبادىء العروبة.
والحال أنّ البلبلة التي أعقبَت انتشار الصورة ليست مفاجئة، نظراً لكون الموقف الشعبي السوري من القضية الفلسطينية لا يزال يَستمدّ عداءه لإسرائيل من نسخة شعاراتية قديمة مأخوذة من الفكر البعثي، ومن المنطق الإيراني الممانع. لذا يَسهُل على نظام الأسد وحلفائه استخدام هذه الورقة "عند الحاجة"، طالما أن الرأي العام يقع دوماً بين حَدّين؛ الالتزام الوجداني الذي يشترط تغييب التفاصيل ورفض كل شيء (بما في ذلك "الفَهْم") من جهة، والرغبة بالانعتاق من ابتزاز السلطة السياسية من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس فقد أجمَعت التعليقات والآراء - رغم تنوعها - على عدم التثبّت مِنَ الواقعة، أو التطرق إلى سياق الحَدَث.

وبمتابعة للإعلام الإسرائيلي في الأيام الماضية، يتّضح أن الزيارة تمّت، وذلك في  دار الشيخ موفق طريف بقرية "جولس" في منطقة الجليل، وحَضرَ إلى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المُرشّح العربي (مرشّح الأقليات في حزب الليكود حالياً) وعضو الكنيست سابقاً فَطين ملّا. 

وينشَط ملّا في هذه الفترة بشكل كبير للترويج لخطاب "الليكود" في الأوساط العربية، وحَثّ أبنائها على التصويت لحزبه في الانتخابات المقررة في الثاني من شهر آذار مارس القادم.

ويكتسب الصوت العربي في هذه الاقتراع (الثالث خلال أقل من عام) أهمية إضافية نظراً لحاجة المتنافسَين الأساسيَّيَن؛ نتنياهو وبيني غانتس زعيم حزب "أزرق أبيض" لِحَسم الأمور في ظل الفوارق القليلة بينهما بحسب الاستطلاعات، وحاجتهما لبناء تحالفات لتجنّب الجمود السياسي مجدداً واحتمال خوض جولة رابعة من الانتخابات التشريعية. كما أنّ هذه المساعي لا تُغفل وجود القائمة المشتركة العربية المكونة من تحالف 4 أحزاب والتي عززت مكانتها في الفترة الماضية. وتسعى هذه القائمة إلى كسب المزيد من الأصوات كي تزيد عدد مقاعدها في الكنيست والبالغة 13 مقعداً حالياً من أصل 120.
أمام هذه المعطيات يصبح من الطبيعي - بالمعنى الخبَري للأحداث - أن تتكثف الجولات والحملات الانتخابية، وتتخذ أشكالاً متعددة من مؤتمرات ومداخلات إعلامية وزيارات ذات طابع اجتماعي تشمل جميع سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة بمن فيهم العرب.

وفي مقابل الشعور بالإحراج أو الاستفزاز نتيجة وجود رابط  ديني وصِفَة تمثيلية عابرة للحدود يحملها الشيخ طريف، اكتفى أحد المتابعين في فايسبوك، بترك صورة في التعليقات (من أجواء مباحثات السلام في التسعينات من القرن الماضي) تجمَع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع. 

ولعل ما يجب قوله هنا أنّ سرديّة "دولة المواجهة" التي بنى عليها النظام السوري شرعيته في عهدَي الأسدين بَقِيَت تستخدم حتى اليوم كأداة إخضاع واستنزاف للسوريين. كما أنه يلجأ إليها في ظروف معينة لمحاصرة خيارات إحدى الجماعات الدينية وابتزازها، مثلما حصل ويحصل معَ سكان مدينة السويداء من الدروز. 

وخلال السنوات الماضية اصطدم النظام بسعي المدينة للنأي بأهلها عن مجريات الحرب السورية، عبر امتناع شبانها عن الالتحاق بالخدمة العسكرية ضمن قواته، وهو ما جَعَلَه يضغط عليهم بطرق مختلفة. وفضلاً عن ذلك، فإن الاستهداف المعنوي الحالي للدروز لا يمكن فصله عن سياق "انتقامي" - بطريقة ما أو بأخرى- بعد الحراك الاحتجاجي الذي شهدته محافظة السويداء الشهر الماضي، باسم حملة "بدنا نعيش".

وكانت الحملة التي كسرت حاجز الخوف من التظاهر في مناطق النظام قد لاقت أصداءاً إيجابية خصوصاً في أوساط المعارضين السوريين في الخارج، مع أنها التزمت الحياد وقَصَرَت مطالبها على مكافحة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

لكن ومع الإقرار بحجم "الصّداع" الذي يسبّبه أحفاد سلطان باشا الأطرش لرأس النظام بسبب مواقفهم، فإنّ هناك حقيقة أساسية لا يمكن تجاوزها، وهي قدرة النظام على الاستفراد بهم - كحال باقي مكونات المجتمع السوري- مُعتمداً على غياب فكرة "المُواطنة" لصالح منطق "الوَلاء". وبالتالي فمهما بلغت طائفة أو جماعة عرقيّة من التماسك والإخلاص لمبادئها والالتفاف حول زعاماتها، فإنها تصبح هشّة عند تحويل قيَمها الأخلاقية إلى مجرّد حساسيات، وروابطها القوية الممتدّة إلى فتيل تأزيم لا يعرف نهاية. 

ومَن يدري! فربما لن تقف وسائل إعلام النظام لاحقاً عند "تعيير" الطائفة الدرزية بلقاء جرى مع نتنياهو في إطار حملات انتخابية، لنجدها مثلاً تطرح أسئلة ومقارنات خبيثة حولَ "التحاق قسم من الدروز بالخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها