السبت 2020/02/01

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

انتقام النظام في إدلب.. يطاول الأموات أيضاً!

السبت 2020/02/01
انتقام النظام في إدلب.. يطاول الأموات أيضاً!
المهجّرون يأخذون معهم شواهد قبور أحبّتهم خوفاً من تخريبها ونبش القبور
increase حجم الخط decrease
لا تحيل مقاطع الفيديو والصور الآتية من محافظة إدلب شمال غربي سوريا، مع تقدم قوات النظام السوري هناك وسيطرتها على بلدات رئيسية مثل معرة النعمان، إلى الكارثة الإنسانية المحيطة بالمدنيين هناك فحسب، بل تنشر مخاوف من الانتقام الذي قد تحمله الفترة المقبلة لسكان وأهالي تلك المناطق، على مستويات عديدة، بشكل يتفوق على الانتقام الذي مارسه النظام ضد مناطق أخرى ثارت عليه وسيطر عليها بشكل أو بآخر خلال السنوات الماضية.


وفيما كانت الصور التي أظهرت قتل جنود في جيش النظام لمسنٍّ سوري يبلغ من العمر 65 عاماً في معرة النعمان ثم التقاط الصور التذكارية مع جثته قبل حرقها، أولى الدلائل على تشريع النظام لهذه النوعية من العنف، توازياً مع وسم سكان إدلب ككل بصفة الإرهاب عبر سنوات من الدعاية الممنهجة، أتت مجموعة أخرى من الصور والفيديوهات التي تعزز هذه  السردية، ومن بينها صورة مؤثرة لأحد سكان بلدة سراقب بريف إدلب، اختار أن يأخذ معه شواهد قبور أخيه وصديقيه، خوفاً من انتقام جنود النظام من الأموات هناك أيضاً.



وبات الشرخ العميق الحاصل في المجتمع السوري، بفعل الدم الذي سال، محركاً للانتقام والعنف المتبادل. وفي حالة إدلب التي آوت مئات الآلاف من النازحين إليها من مناطق سورية أخرى طوال سنوات الحرب، وباتت وحيدة في وجه فائض القوة الذي يحاول النظام إبرازه عبر مواقع التواصل، يتم تشريع العنف ضد أهالي المحافظة، بوصفهم "إرهابيين ينالون جزاءهم". وهنا يدين النظام نفسه بنفسه، لأن هذه النوعية من الممارسات العلنية تنفي ما يروجه النظام من أنه يقوم بتحرير المدنيين من الإرهاب.

وطوال سنوات الحرب في سوريا، قدم نظام الرئيس بشار الأسد نماذج مروعة للمستوى الذي يمكن الوصول إليه من أجل التمسك بالسلطة، وإن كانت معظم الفيديوهات والصور الناتجة عن العنف في البلاد، تقرأ عادة من زاوية توثيق جرائم الحرب المرتكبة هنا وهناك أو من زاوية التعاطف مع الضحايا المدنيين، فإن كثيراً منها يحمل بُعداً آخر يتم تجاهله لصالح سياقات أكثر إلحاحاً في وقتها. والحديث هنا عن سياسة الانتقام المشرعة في سوريا، والمنقسمة إلى شقين، الأول رسمي يقوم به النظام السوري بشكل ممنهج توثقه منظمات المراقبة الحقوقية يوماً بيوم، من حالات الاعتقال إلى حالات القتل خارج نطاق القانون، والثاني فردي يتم غض النظر عنه وربما التشجيع عليه أيضاً.



ويبرز هنا، مقطع فيديو تداوله ناشطون على نطاق واسع، الجمعة، ويظهر جندياً في جيش النظام، وهو يتوعد بتفجير منازل المدنيين المعارضين للنظام وتسويتها بالأرض. واللافت أن هذا الجندي أطلق الرصاص وهدد بإحراق منزل خاله، شقيق والدته، في مدينة معرة النعمان. تحدث بصيغة طائفية، ويشير ذلك إلى تغييرات جوهرية تمس علاقة الأفراد ضمن النسيج العائلي التقليدي، والتي تصل في الفيديو إلى درجة متطرفة تتعدى حالات الخصام والشجار والقطيعة بين الأقارب والتي يتحدث عنها سوريون باستمرار في مواقع التواصل.

ومن المثير للانتباه، أن هذه المقاطع والصور، لا تأتي موثقة من طرف ثالث وليست صوراً مسربة، بل يقوم جنود النظام أنفسهم بتصويرها ونشرها ضمن سياق "فائض القوة"، في مخالفة واضحة لقرارات سابقة أصدرتها وزارة الدفاع السورية في كانون الثاني/يناير2018، ومنعت بموجبها الجنود من نشر صورهم في الإنترنت، في محاولة حينها لإبعاد صفة المليشياوية عن جيش النظام. ولا يحاول جيش النظام بطبيعة الحال تعزيز صفته كميليشيا في هذا التوقيت، بل يستند إلى دعايته التي تقوم أن إدلب حاضنة للإرهاب، لتبرير مثل هذه التصرفات، وتحصيل شيء من الإعجاب من قبل الفئات الأكثر راديكالية في البيئة الموالية التي تتوجع عموماً من الصعوبات الاقتصادية والمعيشية، وترميم جدار الخوف الذي كسرته الثورة السورية العام 2011.



هذه الممارسات ليست طارئة ولا جديدة، فطوال سنوات الحرب السورية، قدم جنود النظام السوري والناشطون التابعون له عشرات الصور التي يتباهى أصحابها بقتل المدنيين العُزّل، كإلتقاط مراسلين حربيين صوراً بين الجثث أو التقاط صور سيلفي في الطائرات التي تلقي البراميل المتفجرة على المدن والقرى، كما شهدت البلاد حوادث انتقامية أخرى مثل حرق حافلات المهجرين وفق اتفاقيات المصالحات المحلية مع النظام، أو قتل واعتقال اللاجئين الذين عادوا إلى حضن الوقت، وتحديداً في منطقة القلمون السورية، وصولاً لحالات التجنيد القسري والاعتقالات والتضييق الأمني في مناطق بمحافظة درعا جنوب سوريا.

وللتأكيد على هذه السياسة الانتقامية، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير نشرته في آب/أغسطس الماضي، اختفاء ما لا يقل عن 638 لاجئاً سورياً عادوا إلى مناطق سيطرة النظام قتل منهم 15 شخصاً تحت التعذيب. وحذرت حينها من إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى مناطق سيطرة النظام، التي يروج لها سياسيون ينتمون لليمين المتطرف في أوروبا أو الدبلوماسيون الروس، وبررت ذلك بوجود عمليات انتقامية تتراوح من الاعتقال تعسفي والإخفاء قسري إلى الموت تحت التعذيب والإجبار على الالتحاق بالخدمة الإلزامية، علماً أن النتيجة نفسها توصلت إليها "الرابطة السورية لكرامة المواطن"، التي قدمت تقريراً مشابهاً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها