الخميس 2020/12/03

آخر تحديث: 19:59 (بيروت)

المجهودات العظيمة لـ"إدارة السيطرة على المقدّمات والمؤخّرات" المصرية

الخميس 2020/12/03
المجهودات العظيمة لـ"إدارة السيطرة على المقدّمات والمؤخّرات" المصرية
إدارة المقدمات والمؤخرات استعانت بالأقمار الاصطناعية، وتتبعت موبايل مودّة الأهم، حتى وصلت إليها واعتقلتها
increase حجم الخط decrease
منذ اليوم الأول، أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في جرأة وشجاعة: "الجسم السليم في العقل السليم". فلبناء الدولة المصرية الحديثة الشامخة، أمّ الدنيا، أولى الرئيس السيسي، صحة المصريين وأجسادهم، عناية فائقة، وحرص على تشجيع الجميع على ممارسة الرياضة.

كم شاهدنا الرئيس السيسي، بصحبة حرسه الخاص وكتيبة من الأمن المركزي في هيئة مواطنين ومواطنات، يركبون الدراجات، ويلعبون "البينغ بونغ" أو غيرها من الرياضات الصحية والمفيدة. بل كان الرئيس مُحدداً وصريحاً حين وجه أكثر من مرة بضرورة أن يحافظ المصريون على وزنهم، وألا يسمحوا بأي بروزات أمامية أو خلفية في أجسادهم، كما دعا الرئيس إلى توحيد لون طلاء المباني والمنازل في البلاد لإكسابها مظهراً حضارياً.

بناء على تلك التوجيهات، أنشئت "إدارة الضبط والسيطرة على المقدمات والمؤخرات"، كلجنة ضمّت في عضويتها ممثلين لسيادة النائب العام، إدارة الأمن العام، الهيئة الهندسية، الجهات السيادية، وزارة الآثار، المكتب العام للقيم والأخلاق، مباحث الإنترنت، وسلسلة بنزينة التعاون.

اجتمعت اللجنة أول مرة، منذ خمس سنوات، ووضعت مجموعة من التوصيات وقتها كانت بمثابة حلم لجموع المصريين، لكنها الآن أصبحت واقعاً كابوسياً يعيشون فيه.

تحولت اللجنة لإدارة تابعة للمخابرات المصرية، مثل كل ما في البلاد. ربما لهذا لا يعلم الكثير من المصريين طبيعة المهام الجِسام الملقاة على عاتق الإدارة، ولا المجهودات العظيمة التي بذلتها، لإطفاء ما تشعله السوشيال الميديا، والسيطرة على  المواد "المثيرة للجدل".

ورغم جهل الجاهلين، فالعام 2020 هو بكل جدارة عام "إدارة الضبط والسيطرة على المقدمات والمؤخرات". فقد وقفت الإدارة خلف عدد من قضايا الرأي العام المثيرة للجدل، مثل القبض على فتيات "تيك توك" في ملحمة وطنية لا يعلم تفاصيلها الكثيرون. فمثلاً، مودّة الأدهم، كانت قد هربت وغادرت منزلها، واختفت في مكان مجهول، لكن إدارة المقدمات والمؤخرات تمكنت من الاستعانة بالأقمار الاصطناعية، وتتبعت موبايل مودّة، حتى وصلت إلى موقعها، فتحركت كتيبة مجهزة بطائرات بلا طيارين، ومدرعتين، وثلاث عربات أمن مركزي لمحاصرتها وإلقاء القبض عليها في عملية من أنجح عمليات الأمن المصري.

لكن قبل أن ننزلق الى مستنقع عمليات إدارة المقدمات والمؤخرات، من المهم أن نشرح طبيعة عمل الإدارة ومسؤولياتها. تعمل الإدارة على تنفيذ رؤية الزعيم الرئيس، لبناء إنسان مصري جديد، ولبناء هذا المخلوق العجيب، يجب السيطرة على كل ما يشغل تفكيره، والتحكم وضبط جسده وعقله معاً.

وفي السنوات الأخيرة، تمكنت الأجهزة السيادية من شراء كل الجرائد والمحطات التلفزيونية وأحكمت السيطرة على الخطاب الإعلامي وكل ما يراه ويسمعه المصريون، ثم استثمرت من خلال إدارة البحوث والتقنية في وسائل حجب مواقع الانترنت. أما شبكات السوشيال ميديا فقد حولتها إلى فخاخ منصوبة للمواطنين، فما أن تعبّر عن رأيك في أي موضوع حتى يُلقى القبض عليك. فمجرد التعبير عن الرأي يحمل خطراً شديداً على الدولة المصرية ويعتبر مساهمة في حروب الجيل الرابع.

ومع شروق شمس العام 2020، أصبح واضحاً اقتراب موعد تحقق حلم مصر الجديدة وعاصمتها الإدارية الجديدة. لكن تحديَين اثنين ظهرا أمام الخطوة الأخيرة لتحقيق الحلم. 
التحدي الأول، هو فيروس كورونا، الذي تمكنت مصر من الانتصار عليه سريعاً ببركة دعاء الوالدين ومجهودات الأمن الوطني في القبض على الأطباء. أما التحدي الثاني، فهو المقدمات والمؤخرات للسيدات المصريات، فكل فترة تنتشر صورة أو فيديو أو حساب لسيدة مصرية، فيشتعل الإنترنت أو يُثار الجدل.

في البداية قررت "إدارة الضبط والسيطرة على المقدمات والمؤخرات" توجيه ضربة عنيفة عملاً بمنطق "إضرب المربوط يخاف السايب"، واختيرت مجموعة من فتيات "تيك توك" المشهورات، لإلقاء القبض عليهن ومحاكمتهن سريعاً، بتُهم عديدة مثل: استفزاز مشاعر الرجال المصريين، نشر القصف السريع بين الذكور المصريين، إشعال مواقع التواصل الاجتماعي، إثارة الجدل في الانترنت، التعدّي على قيم الأسرة المصرية.

لكن هذا كله لم يكن كافياً، فقد طلب الرئيس السيسي من الإدارة أن تطور قدراتها، بحيث تستطيع توقع الخطر قبل وقوعه، بمعنى أن مجهود الإدارة لا يمكن أن ينحصر في انتظار ما يثير الجدل ويجرح قيم الأسرة المصرية، لتبدأ التحرك. بل يجب أن "تقطع عرق وتسيّح دم"، وتتدخل لحجب، ومنع، ومصادرة أي مواد مثيرة للجدل قبل أن تظهر.

عملت الإدارة على دراسة الحالات السابقة ووضع لائحة عمل لتحديد أبرز المخاطر التي تستفز الذكورة المصرية سريعة القذف والانفعال، وتجرح قيم الأسرة المصرية العريقة والمعروفة عالمياً بختان الفتيات. وبعد الدراسة والتحليل، وجدت أن أكثر أسباب إشعال مواقع التواصل الاجتماعي هو المقدمات والمؤخرات للإناث من البشر، وأحيانا فصائل أخرى من الثدييات.

وتعمق السادة اللواءات في الإدارة والبحث والتحليل، ووجدوا أن وجود مقاسات محددة في المقدمات والمؤخرات لدى الإناث، يثير فوراً البلبلة ويهدد السلم الإجتماعي. رفعت اللجنة تقاريرها للمجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للذكورة المهددة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمجلس الأعلى للشؤون الدينية، وبيت الأسرة المصرية. كل ما سبق هيئات وتجمعات يرأسها بالطبع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفحصت تلك المجالس وأصدرت بدورها عدداً من التوصيات، وصدر قانون البروزات والمقدمات والمؤخرات. بالطبع لم يعلن عن القانون، لأن القاعدة الفقهية القانونية التي أقرها الرئيس السيسي في مصر الحديثة، تقوم على تلك المسألة المنطقية:
-الجهل بالقانون لا يعفي من المسؤولية
إذن، أنت مسؤول، حتى لو لم تعرف القانون.
بالتالي، ليس مهماً أن تعرف القانون.

لذا، لم تعد القوانين تنشر، ولا أحد يعرف طبيعة المواد الدستورية والقانونية التي تحكم الدولة، حتى القضاة الذين اعتادوا الجلوس على المنصة.

لكن مع ذلك، فبتحليل الحوادث المُشعلة للسوشيال ميديا، خلال شهري نوفمبر وأكتوبر، يمكن أن نستشف ملامح هذا القانون، وأبرز ما نعرفه حتى الآن:

- شهد مهرجان الجونة، الكثير من الصور التي أشعلت السوشيال ميديا، بسبب مقدمات ومؤخرات لعدد من النجمات. لكننا أيضاً شاهدنا جميعاً كيف أكدن في كل حوارتهن خلال المهرجان، على أن المرأة المصرية لا تعاني أي اضطهاد في مصر، وكما قالت مدام ليلى علوي لا توجد مشاكل للمرأة في مصر.

نفهم مما سبق بأن النساء اللواتي ينتمين إلى شاشة السينما، ولديهن عقود عمل مع شركات المخابرات للإنتاج الفني، محميات ضد قانون البروزات والمقدمات والمؤخرات.

- شهدنا أيضاً انتشار فيديو الراقصة البرازيلية لوردينا، والذي أشعل السوشيال ميديا، واستفز الرجولة المصرية سريعة القصف، وعلى الفور تحركت كافة أجهزة الدولة لإطفاء نيران السوشيال ميديا وإلقاء القبض على الراقصة. لكن، لأنها تحمل الجنسية البرازيلية، ولأنها راقصة، فقد تم التحقيق معها ولفت نظرها لضرورة أن ترقص بملابس الرقص فقط، حيث أن الرقص بالفستان الذي ظهرت به في الفيديو يؤدي الى خلل كبير في قيم الأسرة المصرية، التي ترحب بوجود الرقاصة في الأفراح، لكنها تمنع فتيات العائلة من الرقص في الفرح نفسه.

- الحادثة الأخيرة، التي أشعلت السوشيال ميديا، كانت حادثة الموديل التي التقطت مجموعة من الصور الفوتوغرافية بالزي الفرعوني قرب الأهرامات، لتفجر الجدل، وتشعل الذكورة الفرعونية.

الحقيقة أنه لا شيء خارجاً في الصور، غير أن مقاسات الموديل خارجة عما تتحمله قيم الأسرة المصرية، حيث حددت لائحة الإدارة ونصت على "كل سيدة مصرية، ليست نجمة بعقد مع تامر مرسي، وليس معها باسبور أجنبي أو متزوجة من عضو هيئة قضائية أو أمنية، عليها أن تلتزم بالزي المحتشم، وإذا كان مقاس حمالة صدرها يتجاوز "C" فعليها الامتناع عن نشر أي صور حتى لا تشعل الإنترنت".

في أقل من 24 ساعة تم إلقاء القبض علي موديل الأهرامات لمخالفتها المقاسات التي حددتها الهيئة لنساء وفتيات مصر، نصر جديد يضاف لانتصارات الدولة المصرية.

ها هو العام 2020 يوشك على الانتهاء، وخلاله حققت الدولة المصرية الحلم المستحيل، فقد تمت السيطرة على "تيك توك" بدعم من الحكومة الصينية، كما لُجِمت فتيات وسيدات مصر خصوصاً من صاحبات المقاسات المخالفة لما نص عليه القانون، وأخيراً ألقي القبض على الشاهدة في قضية اغتصاب الفيرمونت، لتكون درساً لأي امرأة أو سيدة تفكر في تقديم شهاداتها أو التبليغ عن حادثة تحرش أو اغتصاب.

ولتعلم نساء مصر، بل وليعلم العالم، أنها مصر -بصوت الشعراوي- من أرادها بسوء رد الله سيفه في عنقه، وأنها مصر أرض الذكورة المصرية المشهورة في العالم كلها بسرعة القصف وصلابة الشكيمة ولزوجة الابتسامة.
حفظ الله مصر وذكورها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها