الأحد 2020/12/27

آخر تحديث: 17:56 (بيروت)

لبنان ومصر..خطاب"أنسنة اللاجئين"في مجتمعات عنصرية منغلقة

الأحد 2020/12/27
لبنان ومصر..خطاب"أنسنة اللاجئين"في مجتمعات عنصرية منغلقة
يعلو صوت الضحك أكثر عند قراءة الهاشتاغات الموازية مثل "سوريا أم الكل" و"سوريا تتسع للجميع"
increase حجم الخط decrease
مهما اختلفت توصيفات حادثة إحراق خيام اللاجئين السوريين في منطقة بحنين شمال لبنان، بين جريمة عنصرية أو إشكال فردي أو تعبير عن فائض القوة أو اعتداء منظم على فقراء مستضعفين، فإن غياب المفاجأة عن ردة الفعل العامة، يجعل ما حصل وكأنه جزء من روتين يفترض التأقلم معه، ليس من ناحية استجرار البيانات السابقة والعبارات العاطفية الجوفاء ومبادرات الحلول الوهمية، المستنسخة جميعها من حوادث مشابهة تكررت طوال سنوات وزادت وتيرتها مؤخراً، بل من ناحية إنتظار الأسوأ.

ولعل غياب الدهشة يتكرر عند الحديث عن أن الكم الأكبر من الاعتداءات العنصرية الجماعية وخطاب التخويف من اللاجئين يأتي من الدول العربية التي تستضيف لاجئين من دول عربية "شقيقة".

فهذه الدول المحكومة لأدبيات القوة والتحكم بالسلطة، ولم تنجح ثورات الربيع العربي في تغييرها للأسف، تعمل على خلق مجتمعات منغلقة تكرس فيها الخوف من الآخر، وينتشر فيها خطاب إعلامي مدعوم من السلطة، يحيل كل المشاكل المحلية المسؤولة عن البؤس الاقتصادي والمعيشي، إلى الغرباء، أي اللاجئين، ويتطابق ذلك مع خطاب قومي يرفع من شأن الهويات المحلية، ويحول العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، من نطاقها الإنساني المفترض إلى نطاق صراع البقاء في ظل ندرة الموارد.


ومع انتقال هذا الخطاب إلى السوشيال ميديا، ليس من الغريب بالتالي أن يشبه المشهد الآتي من بحنين مقطعاً من فيلم رعب مثل "The Purge" أو أن تتم مقاربته مع سلسلة أفلام "The Hunger Games".

والأسوأ أن الأمر لا يتعلق هنا بالسوريين في لبنان وحدهم، ففي مصر على سبيل المثال ينتشر على نطاق واسع هذه الأيام هاشتاغ عنصري #ياسيسي_يامعمرها_السوري_بيدمرها، يحمل نفس التغريدات العنصرية ضد اللاجئين عموماً، ومن بينهم اللاجئون اليمنيون والليبيون والآتون من دول أفريقية. وتتطابق جميعها في أن اللاجئين يتلقون المساعدات ويعيثون في البلاد فساداً، بينما "أصحاب البلاد الأصليين (مصريون، لبنانيون، ..) يعيشون في فقر وبؤس ولا يجدون عملاً.


وإن كان تعبير "أنسنة اللاجئين" بحد ذاته قاسياً لافتراض انعدام الإنسانية في أولئك البشر الذين تقطعت بهم السبل بغض النظر عن جنسياتهم، وفقدوا كل ما يملكون بسبب الحروب والسياسات الشمولية تحديداً، فإنه يبقى للأسف مطلوباً لوجود خطاب كامل يعمل على "شيطنة اللاجئين"، حتى في أشد أزماتهم، فيما يبدو أن كثيرين ينسون أو يتناسون أسباب اللجوء الأصلية التي تدفع الأفراد للهروب من بيوتهم.

هو نقاش يتفرع عن نقاش أكثر شمولاً حول الصراعات في المنطقة، إن كانت ثورات شعبية ضد الدكتاتوريات المحلية أم حروباً تقودها السلطات الحاكمة ضد الإرهاب. وتلك الأخيرة هي السردية السامة التي تؤسس لخطاب إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا تحديداً على اعتبار أنها باتت آمنة بعد "تطهير الجيش السوري لها من الإرهاب"، رغم أن غالبية اللاجئين هربت في الواقع من الإرهاب الممارس عليهم من قبل الدولة السورية نفسها، ضمن ممارسات تتخطى الإبادة خلال سنوات الحرب نفسها إلى الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري والانتقام.

ومن المثير للاهتمام أن حادثة بحنين أتت بعد أيام قليلة من تداول كثيف لصورة طفل سوري لاجئ في لبنان يدعى عبد الرحمن شيخون (13 عاماً)، وهو يقرأ قصة "الأجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران، خلال استراحة له من عمله في أحد المتاجر التي تبيع مساحيق الغسيل.

ورغم أن المعلقين كانوا يوجهون رسائل الحب والإعجاب للطفل الذي نزح إلى لبنان مع عائلته قبل سنوات واضطر لترك المدرسة قبل عامين ومازال يحافظ على حبه للقراءة، من دون أبعاد أخرى، إلا أن الصورة نفسها كانت تجسيداً لمفهوم "أنسنة اللاجئين" ضمن مجتمعات عنصرية منغلقة على نفسها من جهة، وإظهاراً لقصور واضح في تقديم اللاجئين كبشر مستضعفين قبل أي شيء آخر، ضمن حيز الاستقطاب اللبناني نفسه.


واللافت أن دراسات إعلامية أشارت منذ سنوات الى مشاكل تعامل الإعلام اللبناني مع اللاجئين السوريين، ومن بينها دراسة لمؤسسة "مهارات" العام 2016، بعنوان "رصد العنصرية في الإعلام اللبناني: تمثيلات السوري والفلسطيني في التغطيات الإخبارية"، وجدت أن 24% من التغطيات الصحافية كانت سلبية، وهو رقم ارتفع إلى 43% في التقارير الإخبارية لأن "وسائل الإعلام تقوم بنشر التقارير الإخبارية كما تردها من المصادر الأمنيّة، من دون العمل على إعادة صياغتها بشكل يتحاشى الاتجاه السلبي الوارد فيها"، مع الإشارة إلى أن النبرة المستخدمة في التقارير التلفزيونية حول السوريين والفلسطينيين، سلبية في "التغطيات الأمنية وموضوع الأعباء الناجمة عن واقع النزوح"، بينما هي إيجابية في "التغطيات الإنسانية والاجتماعية"، والمشكلة أن الملف الأمني شكل 34% من مجمل التغطيات.

على أن ذلك الخطاب ليس عبثياً بل هو جزء من هوية الدولة نفسها، ما يشكل الفارق الأكبر بين الدول العربية المستضيفة للاجئين ونظريتها الغربية، التي تحافظ على هيكلية بالحد الأدنى، تضمن فيها حقوق الإنسان وتعمل على دمج اللاجئين ضمنها.

ويفيد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" صدر في العام 2018 بأنه: "تنتهك السياسات التعسفية والأنظمة والممارسات التمييزية التي تنفذها الحكومة اللبنانية والبلديات المحلية على التوالي، القانون الدولي لحقوق اللاجئين وحقوق الإنسان"، ويعود ذلك إلى أن لبنان يعتبر نفسه ممراً يعبر منه اللاجئون وليس دولة قادرة على استقبال أعداد كبيرة منهم، خصوصاً أنه لم يوقع على اتفاقية جنيف للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول العام 1967 الملحق بها.

وأمام هذا الوضع المأساوي، لا يمكن سوى ترقب الأسوأ فعلاً، فالحلول المطروحة في مواقع التواصل الاجتماعي، والداعية لإعادة السوريين إلى بلادهم "الآمنة"، مهما كانت غير جدية تبقى وحيدة من دون طروحات بديلة.

والأسوأ أن تلك العبارات باتت مدخلاً لترويج أفكار النظام السوري حول حمايته للشعب السوري وكرامته رغم أنه المتسبب الأول في إذلال السوريين وأزمتهم الإنسانية، ولا يمكن سوى الضحك عند رؤية جمهور الموالين وهم ينشرون صور الخيم المحترقة في بحنين، وهم يتباكون على أخوانهم السوريين "الهاربين من الإرهاب والذين تمنعهم السياسات الخارجية من العودة إلى بلادهم". يعلو صوت الضحك أكثر عند قراءة الهاشتاغات الموازية مثل "سوريا أم الكل" و"سوريا تتسع للجميع".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها