الثلاثاء 2020/12/15

آخر تحديث: 18:55 (بيروت)

إسرائيل تغذي الانقسام الطائفي اللبناني..وتستهدف المسيحيين

الثلاثاء 2020/12/15
إسرائيل تغذي الانقسام الطائفي اللبناني..وتستهدف المسيحيين
"حتى تفهم الشرق الاوسط، ما فيك الا تفهم لبنان قبل.. قصته هي المفتاح لفهم العالم العربي بأكمله"
increase حجم الخط decrease
مشاهدُ من حياة هادئة ومنفتحة في حقبة الهناء من تاريخ لبنان بنسخة "سويسرا الشرق"، ثم صورة مقوّسة على طريقة "كاليدوسكوب" تحوي ألواناً متخبطة كدلالة على التركيبة الطائفية اللبنانية "المعقّدة".. 
هكذا لخص فيلم وثائقي من إنتاج إسرائيلي-ألماني مشترك، حكاية لبنان منذ استقلاله وكيف انتقل من "النعمة" إلى "النقمة".

"لبنان-حدود الدم" هو عنوان للفيلم الوثائقي، وقد تم اقتباسه من جملة نطق بها الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميّل الذي يستعين الفيلم بشهادة له. وأخذها بدوره مِن وصف الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران للمشهد اللبناني آنذاك، بحسب ما قاله مخرج الفيلم الإسرائيلي، دوكي درور لموقع "قنطرة" الألماني. 


وبدأت القناة الإسرائيلية الرسمية "كان"، مساء الأربعاء الماضي، بث أولى حلقاته من مجموع خمس، بواقع حلقة اسبوعياً، وبشكل أوسع من القناة الألمانية-الفرنسية "arte" التي بثته الشهر الماضي مختصراً بحلقة واحدة ارتباطاً بالجمهور المستهدف لكل من القناتين.

والمخرج الاسرائيلي دوكي درور، عمره 57 عاماً ومن أصول عراقية. يُعرّف نفسه كصانع أفلام مستقل، تستهويه قضايا السياسة والتاريخ والثقافة، وقد درس الإخراج في الولايات المتحدة الأميركية.

والحال، أن مضمون الحلقة الأولى للفيلم التي بثتها فضائية "كان" (50 دقيقة)، بأسلوب معالجة حال لبنان منذ بداية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، عكس مدى تماهي الحلقة مع الدعاية العبرية الرسمية التي تنكأ جراح الحرب الأهلية اللبنانية بين العامين 1975 و1990 وتركز على مظالم المسيحيين في لبنان بطريقة مجتزأة وتغذي الانقسامات الطائفية.

وتجلى الاجتزاء واللعب على وتر الطائفية في توقيت يثير علامات استفهام بشأن مُراده.. فنرى حضوراً أكبر للون مسيحي معين في الحلقة الأولى للفيلم مقابل شهادات متفرقة للأطراف الدولية الأخرى. إذ تخلل الفيلم شهادات لأربع شخصيات محسوبة على مجموعات وأحزاب مسيحية انخرطت آنذاك في الحرب الأهلية؛ وهي: شهادة من الرئيس اللبناني الأسبق امين جميل بين عامي 1982 و1988، وإتيان صقر (ابو أرز) قائد ميليشيا "حراس الأرز" المسيحية، وأسعد الشفتري وقد عرفه الفيلم الوثائقي بـ"ضابط مخابرات الاحزاب المسيحية"، إضافة الى دانييل ابو خير من قوات لحد حيث يقيم حاليا في إسرائيل ويُدلي بـ"شهادته" في الفيلم باللغة العبرية.
وفي المقابل شهادة لعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" توفيق الطيراوي بحكم تواجده في تلك الفترة في لبنان وانخراط فصائل منظمة التحرير في الحرب اللبنانية. ناهيك عن شهادات لضباط إسرائيليين مثل موتي بوديك المقاتل في وحدة "ناحال" العسكرية الإسرائيلية.


سردية الفيلم الإسرائيلي- الألماني حاولت أن تتبنى بطريقة أو باخرى رواية مجموعات مسيحية لبنانية بعينها عبر القول إن معاهدة "سايكس بيكو" لم تراعِ في صناعة حدود ما بعد هزيمة الدولة العثمانية، التركيبة السكانية المعقدة للمنطقة العربية عموماً ولبنان خصوصاً.. معتبرة أن الطوائف المختلفة في نطاق حدود واحدة شكلت أصل البلاء في الشرق الأوسط.

ثم نرى أن الفيلم قد تلمّس مخاوف المسيحيين بشأن وجودهم وكينونتهم في المشهد الاجتماعي والسياسي اللبناني، وهو ما كان دافعاً ضمنياً- بحسب زعمه- للحرب الأهلية التي بدت أنها مجهولة السبب الحقيقي، مستغلاً جملة أدلت بها الصحافية اللبنانية حنين غدّار حينما قالت إن "قصة لبنان الدامية لها أكثر من رواية، فكل يرويها وفق مصالحه". 

وهنا يقتنص الفيلم الفرصة كي يتولى بنفسه توجيه رواية القصة على نحو يدعم بروبوغاندا إسرائيل التي تزعم ان تدخلها كان تلبية لاستغاثة جماعات مسيحية بالسلاح لا سيما حزب "الكتائب" أولاً بالسلاح ثم ميدانياً عندما شعرت أنها على شفير الهزيمة في الحرب الأهلية.

فطرح الفيلم الحرب الاهلية وكأنها وجودية للمسيحيين، وصور اسرائيل منقذاً لهم، وإن انقسموا وتقاتلوا في ما بينهم. وقد عزز ذلك شهادات الشخصيات المسيحية قدمت ادعاءات بشأن "عداء العالم للفصائل المسيحية اللبنانية شرقا وغرباً، باستثناء إسرائيل التي وقفت معهم في الحرب ضد الفلسطينيين كمسلمين سُنّة انطلاقا من مبدأ (عدو عدوي صديقي)"، على حد تعبير أحد عملاء الموساد الذين يظهرون في الفيلم. 

غير أنّ الرئيس اللبناني الأسبق أمين جميل حاول في حديثه أن يتبنى مقاربة نسبية للفسيفساء اللبنانية الطائفية؛ إذ شدد على أن "لبنان هو موزاييك من الإثنيات والأحزاب، وهذا التنوع هو سبب ضعفه وسبب قوته في نفس الوقت".. 

وفي خضم هذه الشهادات، يبرز تبرير إسرائيل بتدخلها عسكرياً في الجنوب اللبناني، حيث شكلت ميليشيات تابعة لها، لكنها سحبت قواتها في عام 1978 ما أدى الى تصعيد الموقف من جديد، وفق زعمها. ثم اجتاحت لبنان رداً على العمليات الفلسطينية المتصاعدة.

الواقع، أن الفيلم الاسرائيلي أغمض عينيه عن أن مسيحيين آخرين حتى ممن حُسبوا على حزب "الكتائب" لم يشاركوا مزاعم الفيلم بشأن خوفهم على وجودهم أو الامتعاض من التركيبة الطائفية الخاصة بلبنان، بل تحدثوا عن اسباب موضوعية مُغايرة، وظروف مختلفة.

ففي وقت سابق، تحدث كريم بقرادوني في لقاء خاص مع تلفزيون "روسيا اليوم" عن أساس الخلافات بين المسيحيين الموارنة مع الأنظمة وحتى جهات سياسية أخرى من منطلق تأثيرهم وأهميتهم، وليس في سياق رغبة بطمسهم.

اليوم ما تقدمه اسرائيل، هو اجتزاء تستهدف فيه تل ابيب في هذا الوقت المسيحيين في لبنان، وتصورهم كأنهم خارج التركيبة اللبنانية ومتغربين عنها الى حد الالتصاق باسرائيل، وهي مقاربة غير صحيحة، تستثمرها اسرائيل لتعزيز روايتها ودعايتها. 

وهنا يُمكن استذكار شهادة الكتائبي الراحل، جوزف ابو خليل، حيث قال في برنامج "المشهد" على الفضائية البريطانية "بي بي سي" وقدمته قبل سنوات المذيعة اللبنانية جيزيل خوري، أنه بالرغم من التعقيدات والصعوبات والحرب الاهلية، إلا أن "لبنان يبقى الدولة الوحيدة في الشرق التي عمل فيها المسيحيون والمسلمون سوية على بناء دول علمانية".
بل ووصف أبو خليل لبنان "بالبلد الوحيد الذي توجد فيه حريات ومنفتح على العالم. وهو تجربة ناجحة رغم الحروب والتعقيدات".

إن إعادة الفيلم الوثائقي الإسرائيلي-الألماني فتح جراح الحرب الأهلية اللبنانية في هذا التوقيت الذي يشهد عمليات تطبيع متنامية مع دول عربية ليس على سبيل الصدفة، بل يأتي بهدف تقسيم المشهد اللبناني وصب الزيت على النار.. والزعم بأن مشكلة لبنان ليست اسرائيل بل طائفية لبنان، بينما يصور كيارن الاحتلال إسرائيل الدولة الوحيدة بالشرق الاوسط التي تحتضن كل الطوائف، وطبعاً هي أكذوبة تكشفها ممارسة دولة الاحتلال العنصرية على الأرض.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها