السبت 2020/10/24

آخر تحديث: 15:51 (بيروت)

الأمم المتحدة: الجمهور العاطفي ينشر أخباراً كاذبة عن كورونا!

السبت 2020/10/24
الأمم المتحدة: الجمهور العاطفي ينشر أخباراً كاذبة عن كورونا!
لا تلوم الأمم المتحدة الجمهور على وجود الأخبار الكاذبة بل تدعوه للمشاركة في مكافحتها (غيتي)
increase حجم الخط decrease
منذ اللحظة الأولى لانتشار فيروس كورونا، كان واضحاً مدى العجز الذي تعانيه البشرية في مواجهة وباء ليست مستعدة له، في ظل نظام اقتصادي وسياسي يعطي الأولوية لكثير من الأمور الجانبية بدلاً من تخصيص الموارد عموماً لتحسين حياة الجنس البشري. وإن كانت تلك النتيجة مظلمة بحد ذاتها، فإنها بدت في الأشهر الأولى من العام 2020 أسوأ بمراحل، كمشاهد من فيلم ديستوبي يحاكي نهاية العالم، بسبب كمية الشائعات والأخبار الكاذبة التي انتشرت عن الجائحة، التي أصيب بها أكثر من 40 مليون شخص مات منهم 1.12 مليوناً.

ومنذ أيار/مايو الماضي أطلقت الأمم المتحدة حملة عالمية بعنوان "Shared Verified" لتوضيح مخاطر المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة وتوفير معلومات مبنية على العلم وحقائق موثقة. وكان لها تأثير كبير من ناحية وصولها رسائلها إلى أكثر من 700 مليون شخص عبر وسائل الإعلام والراديو والمجتمع المدني وشراكات وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك الوصول المكثف، فإن فاعلية الحملة على ارض الواقع تبقى محط تساؤل، مع إطلاق إجراء جديد ضمن الحملة هذا الأسبوع، لتغيير السلوك بشأن المعلومات الخاطئة وحشد مجتمع الخبراء والباحثين وأصحاب النفوذ والمجتمع المدني والحكومات والهيئات التنظيمية ووسائل الإعلام والمذيعين تحت رسالة وهدف واحد.


والحال أن أكثر من 200 مؤسسة ومنظمة حول العالم، دعمت الحملة، بالإضافة إلى العديد من مؤسسات الإعلام البارزة مثل شبكة "الجزيرة" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً أن جائحة كورونا "أصابت الجميع وزاد من وطأتها وضاعف من اخطارها انتشار معلومات خاطئة ومضللة ونظريات المؤامرة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها"، حسب تعبير مدير قسم التوعية بإدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي ماهر ناصر.

وأضاف ناصر في حديث مع "المدن" أن المعلومات الخاطئة والمضللة تتزايد طوال الوقت، "لذلك فإن جهودنا لمكافحة الوباء وغيرها من القضايا العالمية المهمة مثل تغير المناخ لن تنجح إلا إذا عالجنا هذه المشكلة"، موضحاً أن الدراسات ذات الصلة تشير إلى أن التريث والتفكير لفترة قصيرة قبل مشاركة المعلومات عبر الانترنت يمكن أن يقلل بشكل كبير من الرغبة في مشاركة المواد الصادمة أو العاطفية، وبالتالي يبطئ انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة.

وتتلخص رسالة الإجراء الجديد ضمن الحملة، بمطالبة الجمهور أولاً والمشاركين في الحملة ثانياً من مؤثرين وشخصيات عامة، نشر رسالة الحملة والانتباه والتفكير قبل مشاركة أي شيء، وذلك في مقاطع فيديو قصيرة يتعهد فيها الأفراد بعدم مشاركة الأخبار قبل التأكد من صحتها، ضمن ما تسميه الأمم المتحدة #PledgetoPause، أي التعهد بالانتباه والتأني قبل قبل مشاركة المحتوى عبر الإنترنت، وهو "شيء يمكن للجميع وفي أي مكان أن يكون لهم دور في المساعدة في وقف انتشار المعلومات المضللة".


ويجب القول هنا أن هذا الإجراء يبدو غريباً بحد ذاته، لكونه لا يكافح الأخبار الزائفة فعلاً، بل يلقي بالمسؤولية على الأفراد العاديين الذين يواجهون لوماً ضمنياً. ويعطي ذلك في المحصلة انطباعاً بأنه لا قدرة حتى للأمم المتحدة نفسها على وقف ضخ الأخبار الكاذبة، حتى بمساعدة شركات التكنولوجيا الكبرى، التي مازالت عاجزة في هذا الإطار.

وبحسب ناصر، بدأت الحملة بالتركيز على الأخبار الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا، لكن المبدأ ينطبق ايضاً على كافة المواضيع الأخرى، "لأن انتشار المعلومات المضللة يؤدي إلى إثارة الكراهية وتحريف الانتخابات وتشويه فهم التحديات العالمية مثل تغير المناخ وتقويض الثقة في المؤسسات وتعريض الأطفال والضعفاء للأفكار أو الأشخاص الخطرين"، مضيفاً أن هذا هو السبب الأساسي الذي "يجعلنا جميعاً بحاجة إلى فعل ما في وسعنا لوقف انتشارها وإنقاذ الأرواح وحماية ديموقراطياتنا".

هذه الأهداف العريضة نبيلة من دون شك، لكن الوصول إليها لن يكون سهلاً. وتعتمد الحملة على نتائج أبحاث علمية عن كيفية انتشار الإشاعات والاخبار المختلقة، مفادها أن اللحظة الأهم في قابلية الناس لمشاركة ما وصلهم عن طريق الإنترنت هي الثواني الأولى من رؤيتهم لها. وتفيد الأبحاث بأنه إذا توقف الناس للحظة للتفكير في ماهية ما وصلهم، قبل مشاركته مع أصدقائهم وأفراد عائلتهم، فسيكتشفون أنها معلومات قديمة أو غير موثقة، ما يقلل بشكل كبير من الرغبة في مشاركة مواد صادمة او عاطفية، وهذا بدوره يبطيء دورة انتشار الاخبار المزيفة والمعلومات الخاطئة.


ورغم أن الحملة تتحدث طوال الوقت عن انتشار الأخبار الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى، فإن معظم شراكاتها تأتي مع وسائل إعلام تقليدية مثل التلفزيونات والصحف، ما يخلق خللاً واضحاً من ناحية أن الجمهور المستهدف قد لا يتابع أصلاً وسائل الإعلام التقليدية ويتخذ من السوشيال ميديا مصدراً أولاً، ووحيداً أحياناً، للمعلومات. لكن ناصر قلل من شأن هذا الخلل، حيث تواصلت الأمم المتحدة، ومازالت، مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع، مشيراً إلى العديد من الأمثلة التي تجاوبت فيها هذه الشركات بشكل ايجابي ومشجع، وإن كان من الواضح "أننا بحاجة إلى تجربة جميع السبل لمنح أنفسنا أفضل فرصة لمكافحة جائحة كورونا وتغير المناخ والقضايا الحرجة الأخرى"، لافتاً إلى أن البث الإذاعي والتلفزيوني يبقى طريقة رائعة لتوصيل هذه الرسالة.

وتعمل الحملة مع جميع منهم على استعداد للتعاون من أجل مواجهة فيروس المعلومات الزائفة. ومنذ بداية الحملة "تلقينا دعماً من أكثر من 130 ممثلاً لدول أعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وحتى في عواصم العديد من هذه الدول". وبشكل عام، تعمل الحملة مع مجموعة من الشركاء الموثوق بهم "بما في ذلك المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية، لدعمهم للقيام بأفضل عمل ممكن وغالباً في ظروف صعبة، وينصب تركيزنا دائماً على الالتزام بالعمل المبني على العلم والحقائق الموثقة والحملات الداعمة لحقوق الإنسان والديموقراطية".

التعاون مع الحكومات يحيل تلقائياً إلى حقيقة أن بعض الأخبار الكاذبة، تأتي أصلاً من مصادر حكومية ورسمية، خصوصاً في دول الشرق الأوسط التي وثقت تقارير ذات صلة حالات مؤكدة لتلك الدعاية السامة، كما هو الحال في إيران وسوريا مثلاً.


وأوضح ناصر هنا أن أي حملة لا تستطيع التعاطي مع كل ما ينتشر من إشاعات أو أخبار ملفقة ومغلوطة، "لذلك لا ندخل في تفاصيل هذه الاخبار لأن تكرارنا لها يساهم في انتشارها، بل نركز على ما يمكننا فعله جميعاً لإبطاء انتشار المعلومات المضللة والضارة عبر الإنترنت"، علماً أن الأمم المتحدة تعمل أيضاً مع منصات وسائل الإعلام والحكومات لتشجيعهم على اتخاذ خطوات لوقف انتشار المعلومات المضللة، وإن كانت هذه الجهود تستغرق وقتاً قبل أن تعطي نتيجة ملموسة. "ولهذا السبب ندعو المواطنين إلى اتخاذ إجراءات بأنفسهم من خلال التوقف مؤقتاً قبل المشاركة".

بالتالي، تبدو الحملة وكأنها جهد ضروري في ظل عدم وجود إي حلول حقيقية. مع التأكيد على أن الأمم المتحدة لا تعتقد أو توافق على سردية أن "المشكلة تتعلق فقط بمن يشارك بالمعلومات الخاطئة من دون علم الجمهور العام". وأكمل ناصر: "نحن لا نتوانى عن التحدث مع جميع من يمكن أن يكون طرفاً في الحل مثل مسؤولي شركات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام التقليدية وممثلي الحكومات ومنظمات المجتمع المدني او المؤثرين من المشاهير".

وأوضح ناصر: "نحن لا نلوم أي شخص بل نحاول معالجة هذه المشكلة على وجه السرعة باستخدام جميع الأدوات المتاحة التي لدينا. في الواقع، تؤكد الحملة على أن مشاركة المعلومات المضللة هو شيء قمنا به جميعاً من دون أن نعلم. نحن بحاجة إلى عدد من الأساليب التكميلية لمعالجة هذه المشكلة. تعمل الأمم المتحدة أيضاً مع منصات وسائل الإعلام والحكومات لتشجيعهم على اتخاذ خطوات لوقف انتشار المعلومات المضللة".

ورغم ذلك كله، يبقى الانطباع موجوداً، فالحديث عن عاطفية الجمهور الذي يشارك الأخبار الكاذبة، لا يخفي الحقيقة المرة المتمثلة بأن هنالك حالة عامة من عدم اليقين بشأن الفيروس، حتى من طرف منظمة الصحة العالمية التي تناقضت تصريحاتها عن الوباء من فترة لأخرى، بالإضافة إلى تناقض الأبحاث العلمية نفسها التي أجريت عن الفيروس وطرق الوقاية منه حتى اللحظة.

وعلق ناصر: "لا يجب ان ننسى أن كوفيد-١٩ هو فيروس جديد لم يعرفه العالم من قبل، وكلما درسناه أكثر وعرفنا المزيد عنه، تتطور قدرتنا على تحديد أفضل الوسائل للوقاية منه أو علاجه. جائحة كوفيد -19 أزمة كبرى ويزداد فهمنا لها مع مرور الوقت. وهذا بالضبط ما يعطي أهمية لأن نتوقف جميعاً قبل أن نقوم بمشاركة أي محتوى. مثلاً قد تصلك معلومة حول جانب معين من الفيروس تعود إلى شهر اذار/مارس ونحن الآن في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وبعد الانتباه، سترى تناقضاً بين ما جاء فيها وبين ما نعرفه الآن. إذا لم تتريث ولم تنتبه للتاريخ، فإنك ستشارك هذه المعلومة الخاطئة مع أصدقائك من دون انتباه لتساهم في نشر الخوف او الارتباك. إذا لزم الأمر، قم بمراجعة المعلومات مع أحدث ما أقره العلم، كي لا تنتشر المعلومات الخاطئة وتعوق جهودنا لمكافحتها".


في ضوء ذلك، تبدو الحملة مصممة من أشخاص مرفهين في الدول الغربية لأشخاص يعيشون في تلك المجتمعات المتقدمة وليس إلى بقية أنحاء العالم، حيث ينظر للمشكلة على أنها تورط عاطفي سريع لمشاركة محتوى جذاب لا أكثر. لكن  في الشرق الأوسط مثلاً توجد أزمة ثقة عميقة بين الشعوب وحكوماتها وبين الشعوب ووسائل الإعلام،  وعلى العكس يوجد متعصبون لتلك الوسائل والحكومات ويصدقون كل ما يقدم لهم حتى لو كان زائفاً. وعلق ناصر بأن "أزمة نقص الثقة في الحكومات والمؤسسات لا تقتصر على منطقة الشرق الاوسط، بل نرى دلائلها في كل الدول. المعلومات المضللة موجودة في كل مكان ، وهي مدفوعة بالعواطف. هذا هو السبب في أننا نشجع الجميع في كل مكان على التوقف للحظة قبل المشاركة، بهذه الطريقة يمكننا وقف انتشار المعلومات المضللة التي تهدد الأرواح وتعمق الانقسامات الاجتماعية".

كما أن ضبابية أزمة الفيروس وعدم وجود أفق له، خصوصاً من ناحية إيجاد لقاح في وقت محدد، يزيد من الإهمال وعدم المبالاة، ما يزيد من انتشار الشائعات خصوصاً في دول الشرق الأوسط التي يعتبر فيها الدين لا العلم، هو المحدد الأول للحياة اليومية بشكل عام. وهنا، أوضحت منظمة الصحة العالمية مراراً أن الجائحة أزمة عميقة تستدعي جهوداً جبارة وتكاتفاً دولياً مبني على التعاون والاستماع لنصائح العلماء والاخصائيين، من أجل حلها، وليس لمن يريد تسييس الفايروس أو اطالة الازمة لاي سبب.

وأكمل ناصر أنه "في الاوضاع الطبيعية، يستغرق ايجاد لقاح لمرض معين العديد من الأعوام قد تصل إلى عشرة أو أكثر. لكن ما نراه الأن من تعاون بين العلماء والعديد من الدول ومنظمة الصحة العالمية، سيساعد في كسر هذا الحاجز والوصول الى لقاح في فترة قياسية". مؤكداً بأنه حتى بعد ايجاد لقاح فعال، يجب إنتاجه بكميات تكفي الجميع مع ضمانات توفيره للجميع، وليس للأغنياء أو أصحاب الدخل العالي فقط، "وعلينا العمل أيضاً على مكافحة التردد عن أخذ اللقاح حين وجوده وضمان استمرار اجراءات الوقاية مثل غسل اليدين، ارتداء الاقنعة، الحفاظ على التباعد الاجتماعي، تجنب من لديهم أعراض المرض، والانعزال إذا اصابنا الفيروس".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها