الخميس 2020/10/22

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

فرنسا تعلن الحرب على الإسلام المتطرف: الشبكات الاجتماعية تقتلنا!

الخميس 2020/10/22
فرنسا تعلن الحرب على الإسلام المتطرف: الشبكات الاجتماعية تقتلنا!
من التظاهرات التأبين لسامويل باتي في باريس (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يخضع رئيس جمعية "بركة سيتي" الفرنسية إدريس يمو للاستجواب حالياً، في إطار إجراءات لحل المنظمة الإسلامية غير الحكومية، لكن التوقيف أتى للاشتباه بقيامه بإزعاج صحافية سابقة في صحيفة "شارلي ايبدو" الساخرة عبر الانترنت.


و"بركة سيتي" واحدة من الجمعيات التي تعتبرها السلطات "قريبة من التيار الإسلامي الراديكالي" وتستهدفها منذ اغتيال المدرس سامويل باتي، الجمعة، في اعتداء إسلامي، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس". ود حضر إدريس يمو، المعروف باسم إدريس سي حمدي أيضاً، إلى الشرطة القضائية في باريس لاستجوابه في شكوى تقدمت بها زينب الرزوي التي كانت تعمل في الصحيفة الساخرة، علماً أنه أوقف الأسبوع الماضي أيضاً في إطار تحقيق آخر في مضايقات عبر الإنترنت بعد شكوى تقدمت بها في 18 أيلول/سبتمبر صحافية أخرى تعمل في إذاعة "مونتي كارلو" وهي زهرة بيتان. وقد أوردت "120 تغريدة تشهيرية" نشرها سي حمدي في "تويتر".

وهاجم سي حمدي السيدتين لانتقادهما الإسلام في وسائل الإعلام. وفي القضية الأولى أُفرج عنه ووضع تحت مراقبة قضائية في 15 تشرين الأول/أكتوبر. وسيمثل أمام محكمة إيفري الجنائية في منطقة باريس في 4 كانون الأول/ديسمبر المقبل.

وتزامن استدعاء سي حمدي، الأربعاء، مع اليوم الذي بدأت فيه الحكومة الفرنسية إجراءات لحل منظمته. وقال محاميه صميم بولاكي أن "ظروف هذا الإجراء وتوقيته الدقيق والمهلة المحددة بخمسة أيام للرد على الملاحظات حول حل بركة سيتي، ليس صدفة". وأضاف أن الأمر "سياسي بالتأكيد وهذا ما ندينه".

من جهتها، أشارت وزارة الداخلية في إخطارها بشأن طلب الحل الإداري الذي أرسلته مساء الثلاثاء إلى سي حمدي، إلى "رسائل منشورة في الإنترنت، في حسابات الجمعية أو حسابات رئيسها... تسبب العديد من التعليقات المعادية للغرب والعلمانية والماسونيين وحتى المسلمين الذين لا يشاركون الجمعية مفهومها للإسلام الذي تروج له"، كما تحدثت عن تعليقات معادية لليهود بعد هذه الرسائل.

ودان المحاميان وليام بوردون وفنسنت برينغارث، اللذان يدافعان عن المنظمة غير الحكومية، في تغريدات عبر "تويتر"، "ضعف الدوافع التي جمعتها الإدارة من لا شيء لتشويه سمعة الجمعية".

وبحسب تحليل "فرانس برس" فإن فرنسا باتت في "حالة حرب على التيار الإسلامي المتطرف ضمن الفضاء الإلكتروني". فبعد أيام قليلة على مقتل باتي، أستاذ التاريخ في أحد المدارس الثانوية، بوحشية على يد لاجئ شيشاني في ضاحية كونفلان سانت-أونورين بسبب عرضه صوراً كاريكاتيرية للنبي محمد على تلاميذه في حصة دروس حرية التعبير، التقت وزيرة المواطنة الفرنسية بمدراء منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد للبحث معهم في استراتيجيات أكثر فعالية لمكافحة التيار الإسلامي المتطرف في الفضاء الإلكتروني والذي تعده الحكومة مسؤولاً عن انتشار أيديولوجيا التطرف بين الشباب.

وعلّق مراقبون على استقبال وزيرة المواطنة المفوضة، مارلين شيابا، لرؤساء منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا، "فايسبوك" و"تويتر" و"غوغل" و"تيك توك" و"سناب تشات"، بأن هذه المقابلة تعد بداية طيبة لمشروع "مكافحة التيار الإسلامي المتطرف في الفضاء الإلكتروني" الذي تتبناه الدولة الفرنسية.

وتلقي السلطات الفرنسية باللوم على وسائل التواصل الاجتماعي والدور الذي تلعبه هذه المنصات في جذب البعض باتجاه التطرف. فالأيام التي سبقت وقوع هذه الجريمة البشعة شهدت نشاطاً كبيراً في هذه المواقع ونشر رسائل وفيديوهات تدعو إلى وقف هذا المدرس عن العمل. كما أن منفذ الجريمة أعلن مسؤوليته عن جريمته تلك في "تويتر" ونشر صورة للضحية دام وجودها على الشبكة ما يقرب من ساعتين كاملتين، وهو وقت طويل جداً بمقاييس شبكات التواصل الاجتماعي.

وبحسب القانون الفرنسي كان يجب على "تويتر" أن يتصرف "فوراً"، لكن تعريف هذه الـ"فوراً" يظل غامضاً وغير محدد بدقة وهو ما يثير مشكلة كبيرة، مع الإشارة إلى أن التصرف في مثل هذه الحالة يعني حذف المحتوى.

وقالت الوزيرة شيابا في مقابلة إذاعية أن "الإيديولوجيا الإسلامية المتطرفة تنتشر بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجيل كامل من الشباب لم يعد يحتاج إلى الذهاب إلى مسجد للمتشددين أو أن يدخل السجن ليسلك طريق التطرف. الآن يأتيهم التطرف إلى منازلهم وغرفهم الشخصية ليتمثل لهم في شاشات هواتفهم وحواسيبهم، فهو يدخل من بوابة وسائل التواصل الاجتماعي".

وعلق عالم الاجتماع رافايل ليوجيير بأن وزيرة المواطنة قدمت الوصف الصحيح للمشكلة، مضيفاً: "إن تطرف الأفراد بات يحدث تلقائياً عبر الأدوات التي تتيحها وسائل الإعلام اللحظية التي هي في حالتنا ممثلة بوسائل التواصل الاجتماعي". واستخلص ليوجيير، من أبحاثٍ قام بها، أن هذا التحول في معتقدات الأفراد يكون لحظياً أيضاً وليس حسب عملية طويلة مثلما يعتقد البعض. موضحاً أن التطرف الإسلامي لم يعد ينتمي إلى إقليم أو منطقة معينة بل بات ينتشر في كل مكان عبر الشبكة. والمرء لم يعد يتحول إلى الإرهاب بسبب أصوله أو بتأثير من أقرانه في الحي. فالإرهابيون بصورة عامة هم أفراد محبطون على المستوى الجنسي أو على مستويات أخرى يعانون فيها مرارة الفشل في العمل أو غيره. وبالتالي، هم يبحثون عن الانتقام عبر تبنّي معتقدات منافية لتلك التي يعتنقها المجتمع، أي معتقدات الإسلام المتطرف، والتي من السهل الوقوع في براثن أيديولوجيتها في شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي العام 2009، من أجل مكافحة التطرف الإسلامي في الفضاء الإلكتروني، أنشأت الدولة الفرنسية منصة "فاروس" التي تستقبل أوصاف رواد شبكة الإنترنت وبعد التحقق منها تقوم شرطة "فاروس" بتنبيه السلطات المختصة حتى تقوم بفتح تحقيق بإشراف من وكيل النيابة. لكن المشكلة الحقيقية التي تواجهها هذه المنصة هي البطء في محو المحتويات غير القانونية، فمن الصعب جداً مراقبة كل ما يتداول في الشبكة على مستوى الحريات الشخصية. كما أن القانون الذي أعدته النائبة ليتيسيا آفيا، والذي كان هدفه مكافحة الخطاب المفعم بالكراهية في شبكة الإنترنت، رفض من قبل المجلس الدستوري بذريعة احتوائه على مواد تمس حرية التعبير.

واقترحت فاليري بيكريس، رئيسة إقليم إيل دو فرانس الذي تقع فيه العاصمة باريس، إنشاء هيئة شرطة مختصة بشبكات التواصل الاجتماعي. وقالت على هامش مشاركتها في مؤتمر الأقاليم الفرنسية مطلع الأسبوع: "يجب أن يحتوي القانون على الضمانات الكافية التي تسمح بفرض الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تنتهك هذه الأخيرة حرياتنا الأساسية".

وهنا، رأى مراقبون أنه من الضروري الذهاب أبعد من إجراءات تحليل البيانات ومحو المحتويات غير القانونية. وبموجب هذا التيار، يجب على الدولة ألا تغيب عن الفضاء الإلكتروني أو تتركه مرتعاً خصباً للأفكار المتطرفة، بل عليها أن تجهز وتنشر "خطاباً مضاداً" للخطاب المفعم بالكراهية. ورأى ليوجيير في تصريحات لا يتوقف عن تكرارها منذ هجمات العام 2015 الإرهابية: "يجب على السياسيين أن يتوقفوا حالاً عن صب المزيد من الزيت على النار في كل المسائل المتعلقة بالتطرف والمثيرة للجدل مثل ارتداء النقاب أو البوركيني خدمة لأهدافهم الانتخابية". لأنهم بما يفعلونه يعطون الذرائع لهؤلاء الذين يريدون النيل من مجتمعنا ويثيرون حرباً لا طائل من ورائها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها