الإثنين 2020/01/06

آخر تحديث: 07:37 (بيروت)

فرنسا تسأل عما بعد اغتيال"مهندس النفوذ الإيراني"

الإثنين 2020/01/06
فرنسا تسأل عما بعد اغتيال"مهندس النفوذ الإيراني"
increase حجم الخط decrease

 

لم تخرج وسائل الاعلام الفرنسية اغتيال قاسم سليماني من كونها تتويجاً لمسار من العلاقات المتأزمة بين طهران وواشنطن. تقاطعت الصحف في المضمون، وعرضت للأسباب التي دفعت بإدارة ترامب لاتخاذ القرار، وحاولت استشراف الرد الايراني، مفصّلة مهامه ودوره العسكري الذي لعبه في الشرق الاوسط.

وتطرقت صحيفة الفيغارو لما يمكن وصفها بالأسباب المباشرة أي الأحداث الأخيرة التي شهدها العراق من الهجوم الصاروخي في كركوك إلى اقتحام السفارة الأميركية في بغداد. علاوة على ذلك أشارت الصحيفة إلى أن "الميليشيات العراقية الموالية لإيران" كانت تتحضر للقيام بعمليات اختطاف لمواطنين أميركيين، معتبرة انه أشبه بضربة استباقية.


واختارت اللوموند الذهاب أبعد من ذلك، فاستحضرت التوتر الأمني والسياسي القائم منذ سنوات بين البلدين. التوتر الذي بدأ بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي وشهد جولات عديدة كحرب ناقلات النفط. ورغم سرد صحيفة الليبراسيون لخلفيات العملية وحسابات ترامب (داخلياً وإقليمياً) إلا أنها أبدت استغرابها من هذا القرار الذي وصفته بالمفاجئ : فحجم الرد، وفقاً لليبراسيون، لا يتناسب مع طبيعة التوتر الأخير. 


لكن ما أثار اهتمام الصحف الفرنسية، أكثر من تحليل أسباب وخلفيات العملية المذكورة، كانتا نقطتان اثنتان: أولاً التعريف بهوية بسليماني وثانياً محاولة استشراف الرد الإيراني المتوقع. هاتان النقطتان استحوذتا على الحيز الأكبر من التغطية الصحافية، مسألة منطقية إذا ما نظرنا إليها من زاوية القارئ الفرنسي الذي لا يدرك بالضرورة المكانة التي يحتلها قاسم سليماني في المنطقة كما طبيعة نشاطه. 


"البورتريهات" التي نشرت عن سليماني في مختلف الصحف ركزت جميعها على الدور الذي أداه في العراق وسوريا لا سيما وأنه يتولى قيادة فيلق القدس منذ نهاية التسعينات. فالرجل أنقذ نظام بشار الأسد، وهندس التدخل الروسي إلى جانب دمشق، كما أنشأ ميليشيات عراقية موالية لطهران وعمل على تعزيز قوة حزب الله العسكرية.


وتعدى نفوذه المجال العسكري، فبات راعي السياسة الخارجية الإيرانية في البلدان المذكورة حتى زاحم حسن روحاني ومحمد جواد ظريف في صلاحياتهما ما دفع بالأخير لتقديم استقالته العام الماضي. إلى جانب هذا كله، بات سليماني يحظى بشعبية واسعة في الداخل الإيراني لدرجة طرح اسمه لخلافة روحاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة. 


باختصار، تم تقديمه على أنه صاحب الفضل الأول في امتداد النفوذ الإيراني من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا. صحيحٌ أنه تم التعريف بسليماني بالطريقة نفسها في جميع الصحف الفرنسية، إلا أنه يمكن تسجيل تمايز على صعيد الشكل. وليس مبالغاً القول أن هذه الصحف تفننت في وصفه.


فقد وصفته الليبراسيون بـ"مُصَدّر الثورة الإسلامية الذي لا يتعب" و"الحامي الأكبر للجمهورية الإسلامية". ورأت فيه الـ"لوبوان"، "العدو الودود للولايات المتحدة". واللوموند اعتبرته "مهندس النفوذ الإيراني". حتى صحيفة Les Echos الاقتصادية دخلت على الخط لتصفه بـ "أساس النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط".


واجتمعت صحف عديدة على استخدام تعبير مشترك، فوصفت سليماني بـ "برقنص إيران في العراق"  (Proconsul). منصب روماني كان يُمنح لأفراد تناط بهم مهمات محددة كقيادة حملة عسكرية أو إدارة إقليم ما، في إشارة إلى نفوذ سليماني داخل العراق.


سرد سيرة الجنرال الإيراني على هذا النحو ساهم، من جهة، بشرح خلفيات وظروف الاغتيال، ومن جهة أخرى مهد الطريق للنقطة الثانية التي استحوذت على اهتمام الصحف: لأي مدى ستتدهور الأوضاع في المنطقة بعد اغتيال شخص بحجم قاسم سليماني؟


بنظرة خاطفة، يُلاحظ أن هذه النقطة هي التي اعتُمِدت كـ "مانشيت" في معظم الصحف الفرنسية ما يدل على مدى أهميتها بالنسبة للرأي العام الفرنسي، كما تشير إلى القواسم المشتركة في تغطية الحدث على الصعيد الصحافي.


فاللوموند عنونت في اليوم الأول "اغتيال سليماني في العراق، ترامب يختار التصعيد مع إيران". وفي اليوم الذي تلاه كان المانشيت "إيران تتوعد بالانتقام من الولايات المتحدة"، أما مانشيت الفيغارو فكان "خطر الاشتعال بين إيران والولايات المتحدة".


ولم تبتعد "لو باريسيان" عن هذا المناخ، فعنونت "إيران تطلب الانتقام" مصحوبة بصورة لإيرانيين يحرقون علماً أميركياً في إشارة إلى أنه مطلب شعبي. كذلك الأمر بالنسبة لليبراسيون حيث نشرت على صفحتها الاولى صورتان جانبيتان لكل من ترامب والخامنئي واصفةً الوضع بالمواجهة.  


وعددت صحيفة La Tribune الاقتصادية الخيارات الإيرانية المتاحة للرد، فاعتبرت أن أمام إيران ستة ساحات: العراق، مضيق هرمز، إسرائيل، السفارات والمسؤولين الأميركيين، الهجمات الإلكترونية وأخيراً الملف النووي. من الواضح أن أمام إيران مروحة من الخيارات: كالرد المباشر والحرب بالوكالة.


وأجمعت الصحف في هذا الصدد على ثلاث نقاط: أولا حتمية الرد الإيراني، لكن دون انزلاق الأمور إلى حرب شاملة ستتجنبها إيران والولايات المتحدة على حد سواء. وثالث هذه النقاط أن الاستراتيجية الإيرانية عادة ما تحبذ التأني، ما يعني أن إيران لن تستعجل الانتقام.


وتوسعت الليبراسيون في ما يخصّ النقطة الأخيرة من خلال مقابلة أجرتها مع كليمون تيرم المتخصص بالشأن الايراني. فاعتبر أن جزءًا من التمهّل الإيراني مرتبط بعاملين اثنين: إذا ما قررت الرد من خلال حلفائها (الحشد الشعبي، حزب الله)، هل سيؤدي ذلك إلى تأليب الرأي العام الداخلي ضد إيران؟ إجابة لا بد وأن تتوفر للقيادة الإيرانية خاصة مع المظاهرات الحالية التي يشهدها لبنان والعراق، مظاهرات تطالب بإصلاحات جذرية وعلى كل المستويات. العامل الثاني هي حاجة إيران لتنسيق خطواتها مع أصدقائها الروس والصينيين، فإغلاق مضيق هرمز مثلاً يضر بالمصالح الصينية.
 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها