الجمعة 2020/01/03

آخر تحديث: 16:48 (بيروت)

مقتل سليماني: كربلاء 2020 اللبنانية.. ويساريون يندبون

الجمعة 2020/01/03
مقتل سليماني: كربلاء 2020 اللبنانية.. ويساريون يندبون
(غيتي)
increase حجم الخط decrease
كوقع الصاعقة نزل خبر مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، على أسماع الموالين لمحور الممانعة والنظام الإيراني، بعدما أكّد التلفزيون العراقي اغتيالهما في ساعات الفجر الأولى في قصف صاروخي استهدف الرجل الأهم في إيران بعد المرشد الأعلى.


الحدث الذي كان مفاجئاً تماماً استهابته وسائل الإعلام العربية والعالمية، وتعاملت معه بكثير من الاهتمام، حيث تُرجم ذلك من خلال المسارعة، منذ لحظة الإعلان عن الاغتيال، لاستضافة محللين وتخصيص تغطية مباشرة على طول ساعات اليوم للتعليق على ما حصل ومحاولة الوقوف عند التداعيات وتقليب احتمالات رد الفعل الإيراني، حيث اعتبر الجميع أن الكرة أصبحت الآن في ملعب إيران، بعدما وصلتها الرسالة الأميركية المتفجرة بكل وضوح، معلنة بذلك تغيير قواعد اللعبة، بل اللعبة برمّتها، في الصراع القائم، ودفع ما كان يندرج في إطار الحرب الباردة إلى حرب كاوية اللهب، ما يعني انتهاء فترة السماح لإيران باللعب على حافة الهاوية.

سليماني الذي أجمع كثيرون على مكانته العالية وفرادته بالنسبة للنظام الإيراني، الذي يعتبر أنه راكم "إنجازات" كبيرة لا تتوافر عند أي شخصية أخرى في النظام، رأى البعض أن أهمية حجم الدور السياسي والعسكري الذي كان يتولاه، جعلت منه شخصاً يُمثل النظام الإيراني، ما يجعل من الصعب إيجاد موازٍ له، يكون في مقدوره الإمساك بخيوط أمنية وسياسية ومالية متشعبة وبالغة التعقيد متعلقة بشخصه، وليس بمؤسسة أو جهة سياسية أو جهاز عسكري أو أمنى آخر، ولا حتى "فيلق القدس".

كما أن باعه الطويل ونجاحه منقطع النظير في تشكيل مليشيات وأحزاب تابعة للنظام الإيراني وتنفيذ أجندته في المنطقة، ساهم ببسط نفوذ إيران بنجاح وتمدد أذرعها بهذه القوة والفعالية. فيما يبدو أن المهام التي كانت منوطة بسليماني والمسؤوليات التي كانت تقع على عاتقه أكبر بكثير من المعلن عنها، رغم أنه اشتُهر بأنه شخص محوري بمنصب فائق الأهمية والحيوية بالنسبة للنظام الإيراني، خصوصاً لناحية قدرته اللافتة على فرض السياسة الإيرانية ونفوذها واللعب بالتوازنات بأسلوب احترافي وطريقة دقيقة جداً.

وليس من المبالغة القول إنّ اغتيال سليماني ومن معه كان له وقع الزلزال وأثار الرهبة والترقّب بطريقة لم يعهدها العالم منذ وقوع أحداث 11 أيلول، في حين أنّ التقدير الذي غلب على معظم التحليلات عبر شاشات وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والعالمية عقب مقتل سليماني، بدا جازماً بأنّ إيران سترد بطريقة سريعة وقوية تتناسب مع الصفعة والضربة القاسية جداً التي تعرضت إليها ونالت من هيبتها وسطوتها، رغم أن أحداثاً سابقة كانت تشير إلى أن الرد الإيراني على أي اعتداء أو استهداف أميركي لن يجرّ إلى الحرب، كونها ليست بوارد الصدام مع أميركا، وذلك لاعتبارات تتعلق بأزمتها الاقتصادية الخانقة ووضعها الداخلي، المتأزم إثر التظاهرات والاحتجاجات ضدّ النظام وسياساته، أو حتى المؤشر السياسي الدولي العام الذي بدأ يظهر جلياً انقلابه على إيران إثر الإجراءات التي اتخذها بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

لكن إيران نفسها كانت أيضاً قد توعدت أميركا بحال قيامها بأي عمل عدواني ضدّها بالرد مباشرة على قواتها وقواعدها المنتشرة في المنطقة والخليج، وهو ما استندت إليه العديد من التحليلات للقول إن الرد الإيراني على مقتل سليماني آتٍ لا محالة، كون الضربة بشكلها ورمزيتها وهوية استهدافها محرجة وعدوانية واستفزازية للغاية، ونالت من أحد أهم أعمدة النظام الإيراني ككل، ما سيجعل إيران، في حال اعتكفت عن الرد بما يتناسب ومستوى ما حصل، تظهر بصورة وموقف الضعيف، وسيؤدي حتماً إلى تضاؤل وانكماش نفوذها في معظم الجبهات التي تخوض فيها معارك عسكرية أو صراعات سياسية، إن كان في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان.

التفاعل مع الحدث المفاجىء بدا صاخباً بشكل هستيري ومتفاوت بشكل كلّي وكامل في مواقع التواصل في لبنان. ففي حين بدا اغتيال سليماني بهذه الطريقة أشبه ما يكون ببداية كربلاء 2020، بعدما استشعر الجميع هول الخسارة ووقع الفاجعة على مناصري النظام الإيراني و"حزب الله"، لدرجة أن كثيرين منهم عبّروا عن إحساسهم باليتم، كون سليماني يُشكّل بالنسبة إليهم أهم مصدّري الثورة الإيرانية وأكثر من ساهم في إحياء حلم الامبراطورية التوسعي الذي أصيب في مقتل عقب عملية الاغتيال. كما يتأتى عمق الإحساس بالخسارة من تقديم سليماني في كل الأحداث السابقة على أنه الأيقونة والشخص المتفرد الذي لا يتكرر، بموازاة كونه القدوة والمثال، يُنظر إليه بعين الدهشة والانبهار، وتُضفى عليه لمسة أسطورية، سواء لناحية تراكم "إنجازاته" أو كيفية تنقلاته وتواجده الفاعل في كل الأمكنة والساحات في آنٍ واحد.

وانتشرت مواقف لمحسوبين على تنظيمات يسارية لبنانية من منتسبين ومؤيدين، نددت باغتيال سليماني ودعت للثأر له من منطلق عدائها التاريخي لأميركا، على مبدأ "ليس حبّاً بعلي إنما كرهاً بمعاوية"، إذ من المعلوم أن اليسار اللبناني جرّاء التصفيات التي طاولت قياديه من قبل "حركة أمل" في الثمانينات، والتي أدت إلى تقطيع أوصاله وشرذمة محازبيه وانتكاسة معتنقي الفكر الشيوعي، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ما أدّى إلى التحاق الكثير من شيعة اليسار بـ"حزب الله"، فيما آثر البعض تمسيح الجوخ من وقت لآخر لكسب رضا الحزب، وهو ما يظهر جلياً قي تغريدات بعض الناشطين وكذلك الإعلاميين والصحافيين، بمن فيهم تلفزيون "الجديد"، الذي بات مكشوفاً مؤخراً لناحية محاولته إرضاء الحزب بعد قطع بثه في أماكن سيطرة "حزب الله" و"حركة أمل".

في حين أن الشيوعيين ذوي النزعة العروبية، هلل بعضهم لمقتل سليماني، توازياً مع كل من يعتبره أداة إيران الأولى لهدم الأوطان العربية، وأداتها الأفعل بإضعاف فكرة الدولة وهدم العقائد المخالفة على حساب الدعوة للتشيع والعبث بالديموغرافيا وبناء تنظيمات وأحزاب مليشيوية، تلتزم بالطاعة للولي الفقيه وتساهم في نشر الفرقة بين المذاهب على حساب الدعوة للتشيّع. وتداول آخرون تغريدات تظهر فرحة المعارضين الايرانيين ممن يعتبرون أن الباسيج والحرس الثوري أذاقهم الأمرّين طوال سنين وعقود، وأن سليماني وأمثاله هم المسؤولون الأساسيون عن إفقار الشعب الإيراني وتعاسته وانعدام رفاهيته.

وكما في إيران برزت تغريدات وفيديوهات لاحتفالات متظاهرين في العراق، ممن وصفوه بـ"السفاح"، كونهم يعتبرونه المسؤول المباشر عن "الاعدامات" بحق المتظاهرين، بتخطيط وأوامر منه، فيما يعبّر عراقيون كثر عن يقينهم بأنّ سليماني هو من يشكل الحكومات والوزارات وله اليد الطولى في تركيب اللوائح الانتخابية، وهو يمثل واحداً من أبرز تجليات سطوة إيران وهيمنتها على المشهد السياسي والأمني في العراق.

الوعيد والتهديد، الذي أطلقه مغردون، بالثأر لدم سليماني من خلال هاشتاغ #سننتقم، أعطى انطباعاً بأن الحرب في المنطقة باتت قاب قوسين أو أدنى، وأنّ إيران في حال لم تتجرأ على شن ضربة مباشرة ضد أميركا، فإنها ستقوم  بضرب حلفائها من خلال أذرعها ومليشياتها ذات القدرة على تنفيذ ضربات موجعة، وهو ما أثبتته الأحداث سابقاً. في حين أنّ أقلية منهم اعتبرت أن إيران لن تذهب نحو خيار التصعيد، بل سترضخ لحقيقة أن لا بديل للتفاوض مع الولايات المتحدة، إنما ليس في الوقت القريب على الأقل، فيما لم يُغفل موقف البعض البراغماتية الإيرانية التي لا تؤتمن بالأفعال الطائشة والمتهورة، والتي من الممكن في حال اتخذ أي قرار منها، أن تؤدي إلى حرب لا أحد يعلم كيف ومتى ستنتهي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها