الإثنين 2020/01/27

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

نقابة عوني.. المصرفيّ

الإثنين 2020/01/27
نقابة عوني.. المصرفيّ
increase حجم الخط decrease
عندما واجهت مراسلة قناة "الجديد" ليال بو موسى، نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، بالقول إنه لا يمثلها، عبّرت عن مئات الصحافيين، وذلك قبل أن يصدر البيان عن النقابة الذي تدافع فيه عن المصارف ومصرف لبنان، وتشيد فيه، وتختمه بعبارة: "إن التعرض للمصارف اللبنانية هو جريمة وطنية موصوفة لا يمكن السكوت عنها". 

فالركاكة التي اعترت البيان، هي الأنسب لمضمون مجحف بحق اللبنانيين، ينتقص من ثورتهم، ومن أسباب اندلاعها. التقت الركاكة مع النزق في القعر. ذلك القعر الذي انضم اليه معدّ البيان ومسوّقه، ويُظهر النقابة على أنها "خزمتشي" لدى جمعية المصارف، أو على الأقل بعض مصارفها، ويبرزها بوقاً لدى مصرف لبنان الذي لم يتفلّت حاكمه من عقاله الدبلوماسي والسياسي عندما تحدث عن الأزمة، ولم ينزلق الى ما انزلقت اليه النقابة في بيانها. 

ووضعت النقابة في بيانها، الصحافة أمام خيار واحد، هو الاسترزاق لدى المصرفي، وتلميع صورته، والإنزلاق الى موقع "تمسيح الجوخ"، وتقديم فروض الطاعة لـ"خبز السلطان" والضرب بسيفه. لم تترك مجالاً للتفكير بالانحياز الى المواطن، المفترض أنه الهدف الأسمى لوسائل الاعلام، والقادر على المساهمة في النهوض بها. 

لذلك، يستحيل أن يصدر الموقف المعلن اليوم عن نقابة الصحافة اللبنانية، بإجماع أعضاء مجلس النقابة. فهو موقف لا يراعي توجهات اللبنانيين، ولا جميع أصحاب الصحف، ولا يعبّر عن الصحافيين. هو موقف شخصي للنقيب الكعكي، بمشاركة واحد من أترابه ربما، أو اثنين على أبعد تقدير. 

ويمثل البيان صورة عن الترهل، والنزق الى الاسترزاق لدى بعض الصحافيين في مواقع يفترض أنها للدفاع عن الصحافيين وحقوقهم، ولتكريس موقع الصحافة كسلطة رابعة، تُنزل مسؤولاً وترفع آخر، وتنزل الشعب وتغير في الوقائع.. وتعمل لصالح الصحافي والمواطن على حد سواء، كما هو الحال في نقابة المحامين التي أظهرت أسمى أدوارها في الأزمة الأخيرة.
 
والحال ان الجهة المسؤولة عن إصدار هذا البيان، لا تزال "تؤمن" بأن المصارف هي آخر قلاع الدعم الذي يستجديه قطاع الإعلام في لبنان للبقاء على قيد الحياة. هو أحد الأوهام التي جرى الترويج لها من خلال مقترحات لدعم قطاع الإعلام، بعد تراجع العائدات الاعلانية منذ 2013. لا يزال هذا الوهم يتملك معدّ البيان اليوم، مستجدياً دعماً من قطاع ازدهر، وحقق أرباحاً طائلة ضمن صفقة بين السلطة والمال، شارك فيها الإعلام، وتوسع وامتد على حساب اقتصاد وطني تدهور، بل سقط فعلاً، ويدفع المواطن البسيط اليوم ثمن انهيار الاقتصاد الوطني وتراجع العائدات المصرفية. 

والتقدير بأن مُعدّ البيان هو عوني الكعكي، لا يعود الى سلطته كنقيب فحسب، بل الى تجارب مشابهة، بينها غلاف مجلة "نادين"، مؤخراً، والتي يرأس تحريرها ايضاً، وتصدّرته صورة رجل الأعمال كارلوس غصن في مطالعة إعلامية تلميعية لصورة غصن الملاحق في العالم بشبهات فساد. 

وإذا كان دعم القطاع المصرفي للصحافة دافعاً لإصدار بيان مشابه، لم يكن المطلوب من الكعكي مهاجمة القطاع، في حال كان هذا القطاع مساهماً في استمرار الإعلام. ولا تلميع صورته. كان يكفي الصمت، وهو ما تقوم به بعض وسائل الإعلام المرئية التي تترك حيزاً لكرامتها، عندما لا تُغضب سلطة المصارف بتغطية تفاصيل الاعتصامات أمامها، ولا تدافع في الوقت نفسه عن المصارف. بل تتخذ موقف الحياد. 

أما التبجح بنجاح قطاع يحرم اللبناني ماله، ويمنعه من تحويل أمواله لتنمية عمله، ويذلّه على باب المصرف، فذلك موقف الجبناء، ومحل استنكار من الكثير من الصحافيين الغاضبين اليوم. فالصحافة سلطة، تمتلك من القوة ما يرعب السلطات الأخرى، وتلزمها بحدود حماية أموال الناس وكراماتهم، والدفاع عن حقوقهم. استمدت سلطتها من قول الحق، وليس بالمجاهرة بنصف الحق، والتغاضي عن نصف الباطل. واكتسبت حقها في الوجود من رأي عام يتحرك ويستجيب ويتفاعل، وهو جمهورها، مصدر استمراريتها، بمعزل عن "التطبيل" المملّ والمهين للسلطة الرابعة. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها