وزراء من جنس الملائكة

على مائدة متواضعة، في قرية جنوبية نائية، جلس وزير التربية طارق المجذوب يشارك عائلة الطفلة آية جابر فطورهم، بعد أن ردّ على رسالتها، بخط مرتّب، ومضمون هادئ ورصين. 

ملأت صور الوزير ورسالته، مواقع التواصل التي استهجن روادها، وأشادوا، وتفاجؤوا وأعادوا التغريد. فالصورة استثنائية. غير مكررة. يسكنها وزير "من جنس الملائكة"، أو على الاقل، من خارج سلالة الوزراء المتعاقبين. 

و"الوزراء الملائكة"، ليست صفة حصرية بالمجذوب. ثمة نادٍ للملائكة من الوزراء، يضم رواد مواقع التواصل كل فترة عدداً من الوزراء اليه. قبله بيوم واحد، انضم الى النادي الوزير رمزي مشرفية الذي اكتشف رواد مواقع التواصل، انه يتنقل في سيارات الاجرة. يفضّل "أوبر"، رغم أنه يمتلك سيارة. وقد تفاجأ حرس السراي الحكومي بالوزير الذي وصل الى السراي، في سيارة اجرة. 

تتعدد الروايات من هذا النوع، وتتعدد الصور. نائب وصل الى البرلمان على متن دراجة هوائية، وأخرى شاركت الناس في تنظيف شاطئ عام، وآخر يشتري لزوجته ما تطهوه من سوق شعبي، وآخر لا يثّبت على سيارته لوحة زرقاء (للدلالة على انه عضو في مجلس النواب)، وآخر يقود سيارة متواضعة... 

وعلى المستوى الوزراء، انضم الى النادي من الحكومة السابقة وزير يرفع حقيبة امرأة مسنّة عن مسار الحقائب في المطار، وآخر يتواجد مع الناس في أماكن سهرهم في الليل، أو يشرف بنفسه على تنفيذ خطة وضعتها وزارته. 

يزداد النادي، وفي بعض الأحيان يخرج الوزير منه الى مرتبى اسمى. وفي احيان أخرى، يتم اخراجه الى نادي "آلهة التمر" الذين يأكلهم عابدوهم لحظة جوعهم السياسي. 

هنا، في مواقع التواصل، تجري صناعة الوزراء الملائكة، وهنا تتم عملية أكلهم. هنا يتم ادخاله الى "نادي الملائكة"، وتنسيبه الى السلالة. هنا، يوصف بأنه "متواضع" و"خلوق" و"انساني".. وهنا يُذمّ كـ"مقصّر" و"فوقيّ" و"متعجرف" و"يعد ولا يفي". هنا مختبر شخصية الوزير، واشارات صعوده وهبوطه.. ولو أن الصعود استثناء، خصوصاً للوزراء غير المحزبين. 

ويعود الاستثناء الى كون اللبنانيين لم يقبلوا صورة لوزير على طبيعته. صنعوا منه هذه الهالة التي ترفعه من مرتبته كانسان. أخرجته من بيئته كمواطن، أو استاذ، أو فرد يعيش في هذا البلد ويتقاسم مع ابنائه همومهم وحياتهم اليومية. بمجرد تسميته وزيراً، تنقله من بيئته، وتضعه في مصاف الملائكة. ذلك النادي الذي صُنع للسياسيين. 

بهذا المعنى، هو ليس استثناء، بل المغرد يعيش في كوكب آخر. لا يريده وزيراً انساناً. يريده ملكاً عليه. ويريد نفسه مأموراً. لذلك يتفاجأ. يستغرب. يفرح... مع أن ذلك هو القاعدة، والباقي، من وزراء يتعاطون بفوقية مع الناس، منقلبون عليها. 

لنصحح المشهد. طارق المجذوب انسان لبناني. رمزي مشرفية مثله. يشبهون اي لبناني آخر، أو هكذا يفترض. يتنقلون بسيارات الاجرة، ويجالسون الفقراء وسائر العوام، ويردون على خطاباتهم. أما الآخرون، من لم يتقاسموا مع اللبنانيين هموهم، أو رفعوا أنفسهم الى مرتبة أعلى من باقي اللبنانيين، فيستحقون الجلد. 

لنجلد المنقلبين على القاعدة من الوزراء. لنجلد الاستثناء، ممن يعبرون بمواكبهم فوق أجسادنا، أو ينتزعون منا حقوقنا بالتخاطب مع وزير معنيّ بهمومنا، من موقع مسؤوليته. هكذا تستقر المواطنة، وينبسط السواء في الرعية. في هذه الحالة، سنقول ان المواطن والمسؤول من بيئة واحدة. وبدلاً من تضخيم نادي الملائكة، لنفتتح معاً نادياً للشياطين يضم سياسيين لا يشبهون اللبنانيين.. أولئك الآتين من خارج الكوكب.